إعادة النظر في السردية التاريخية.. روسيا ليست الوحيدة

ذات مصر

في أواخر عام 2007 وخلال مؤتمر وطني لمعلمي المدارس الثانوية في موسكو، تذمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الطريقة التي يتم بها تدريس التاريخ السوفييتي في المدارس، ودعا إلى تبني معايير راسخة، قائلًا لمعلمي التاريخ، إن روسيا لديها بعض الإشكاليات في تاريخها، وإنها لم ترتكب أعمالًا بشعة كالتي ارتكبتها دول أخرى، ولن نسمح لأنفسنا بتحمل كل الذنب.

كان هذا بداية التعبير الصريح عن وجهة النظر المغايرة، التي يتبناها بوتين بشأن التاريخ السوفييتي، والمتمثلة في الفخر بمنجزات القوة العظمى للاتحاد السوفيتي.

في بداية أغسطس الجاري وبعد مرور أكثر من عام على بداية الحرب الروسية الأوكرانية، عاد نقاش الحقيقة التاريخية مجددًا، وبدأ الكرملين يعيد كتابة التاريخ في الكتب المدرسية، تتضمن وجهة النظر الجديدة للتاريخ السوفيتي والحرب الروسية الأوكرانية.

وتقدم كتب التاريخ التي نشرها الكرملين للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة، رواية جديدة، ومُعدلة بالكامل لسقوط الاتحاد السوفييتي وعهد بوتين، وأسباب الحرب الروسية على أوكرانيا.

لماذا تعيد روسيا كتابة التاريخ؟

يرى البعض أن إصدار الكرملين كتب التاريخ المدرسية خلال 5 أشهر، هو لإحكام السيطرة على السردية التاريخية في المدارس، ما يعني تحكم روسيا في الرواية المقدمة للشباب، الذين يجب عليهم أن يفهموا مأساة انهيار الاتحاد السوفياتي وغدر الغرب تجاه روسيا، بحسب رؤية الكتب الجديدة.

تعكس كتب التاريخ الجديدة، التي ستدخل المدارس الشهر المقبل، وجهة نظر بوتين للتاريخ والحاضر، كتمجيد القوى العظمى للاتحاد السوفييتي والأسف بسبب انهياره، والتشجيع على "ميلاد جديد" لروسيا، واستنكار العقوبات الغربية تجاه موسكو، ووصفها بـ"الأسوأ من نابليون".

لماذا الآن؟

يقول وزير التعليم الروسي، سيرجي كرافتسوف، إن الهدف من الإصدار السريع، هو نقل أهداف الكرملين من الحرب الروسية الأوكرانية لأطفال المدارس، أي التأكيد على أهداف بوتين المعلنة سابقًا من الحرب.

بحسب الكتب الجديدة، التي اطلعت "رويترز" على نسخ منها، تدافع روسيا عن نفسها من المخاطر الخارجية، وأن الحرب على أوكرانيا ما هي إلا "عملية عسكرية خاصة"، أما الغرب فيسعى إلى زعزعة استقرار الأمن الداخلي الروسي.

حرصت الكتب الجديدة أيضًا على تمجيد الحرب الروسية على أوكرانيا، ووصفت كييف بأنها "دولة نازية ومصطنعة"، ويجب نزع السلاح منها، معتبرة أن روسيا تعرضت للسرقة بعد استقلال أوكرانيا عام 1991، وعلى موسكو القتال من أجل وجودها باعتبارها "ضحية للعدوان الغربي".

وزير التعليم الروسي أشار إلى أن عملية كتابة التاريخ لم تنته بعد، مؤكدًا أنه سيتم التوسع في كتابة التاريخ، بعد "انتصار روسيا في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا".

روسيا ليست الوحيدة

أشار تقرير لمجلة "تايم" الأمريكية، إلى أن الجيش الياباني غزا الصين نهاية عام 1937، وبداية عام 1938، وقتل خلال الحرب 300 ألف مدني، واغتصبت أكثر من 20 ألف امرأة، فضلًا عن ارتكاب جرائم أخرى على مدار الأعوام السبعة التالية.

إلا أن اليابان لم تقبل بهذه الحقيقة بعد الحرب، حيث ذكر التقرير أن مؤرخي اليابان القوميين بدأوا يتساءلون عما إذا كانت مذبحة نانجنغ، التي استباح فيها الجنود اليابانيون مدينة صينية وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، قد حدثت أصلا.

وبحسب التقرير، فإن اليابان أصدرت عام 1999، كتابًا مدرسيًا لأطفال المدارس بعنوان "تاريخ أمة"، تمجد فيه السجل الياباني في زمن الحرب، بينما هاجم بشدة أولئك الذين وثّقوا اعتداءاتها، وأعلن واضع الكتاب، أن الأحداث الماضية لم تكن موثقة، قائلا إن "التاريخ ليس مجرد شيء ينطوي على اكتشاف المصادر وتفسيرها. إنه أيضًا شيء يجب إعادة كتابته وفقًا للواقع المتغير للحاضر".

ويشير التقرير إلى أنه منذ عام 1985 وحتى الآن، ما زال رؤساء الوزراء اليابانيون يحرصون على زيارة ضريح ياسوكوني في طوكيو، حيث دفن هناك أكثر من ألف مجرم حرب، بما في ذلك 14 مجرمًا من الدرجة الأولى.

وينوه التقرير إلى وجود متحف بجوار الضريح، يعرض وجهة النظر المُعَدلة لتاريخ اليابان في زمن الحرب؛ حيث يشار إلى مذبحة نانجنغ على أنها "حادثة"، ويتحول التاريخ إلى أسطورة ليصبح أحد أشكال الدعاية الجديدة.