العنصرية التركية ضد الأقليات.. جذور تاريخية راسخة تفسر جموح الموجة

ذات مصر

لا تزال موجة العنصرية التي يمارسها الأتراك ضد سياح ومقيمين عرب وغيرهم متصاعدة. موجة يربطها البعض بالوجود السوري فقط على الأراضي التركية، إلا أن معطيات تاريخية تفسر سبب هذه النزعة الجامحة.

الموقف العنصري والنفسي المتبلور لدى الأتراك ضد كل ما هو عربي أو حتى أجنبي، ليس وليد اللحظة، بل إن جذوره تمتد إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

عنصرية ضد العرب

بدأت عنصرية الأتراك تظهر ضد العرب، في بدايات الدعوة إلى القومية العربية في المشرق العربي، التي كان من بين تداعياتها محاصرة النفوذ التركي والعثماني في الشرق العربي، ومناهضة التتريك في الأراضي التي تسيطر عليها الدولة العثمانية.

كانت شعوب المنطقة العربية يعتبرون أن الإمبراطورية العثمانية خلافة إسلامية، فلم ينظروا إليها على أنها احتلال لأراضيهم، بل كمظلة للشرعية الإسلامية، ولكن العثمانيين غيروا مرجعيتهم فيما بعد، مما جعل إمبراطوريتهم غير مقبولة كثيرًا عن العرب، واعتبروها في بعض المناطق شكلًا من أشكال الاستعمار.

أدى تغيير مرجعية الإمبراطورية العثمانية، وجعلها مرجعية ليبرالية تميل إلى الغرب في بعض سياساتها، ما خلق نضال قومي ضد الوجود التركي، لاسيما في الشام وفي مصر، وبالتالي إضعاف العثمانيين حتى سقطت إمبراطوريتهم بعد الحرب العالمية الثانية. 

خلقت هذه الأحداث موقفا نفسيًا لدى الأتراك تجاه العرب، ليظهر بشكل كبير فيما بعد لاسيما مع تأسيس الجمهورية التركية، التي أضمرت عداء تاريخياً للعرب، وهاجمت كل ما هو عربي، حتى لقد منعت الأذان باللغة العربية، وبدلوا حروف لغتهم بالحروف اللاتينية بعد كانت طوال قرون حروفًا عربية.

إبادة الأرمن

لم ترتبط عنصرية الأتراك تاريخيا ضد العرب وحدهم، بل نالت عنصريتهم تلك من طوائف أخرى عاشت في ظل الإمبراطورية العثمانية، التي غيرت وجهتها وبدأت تعامل غير الاتراك الموجودين على أرضها بعنصرية كبيرة.

ومن الطوائف التي ذاقت عذابات العنصرية التركية، بل وشهدوا مذابح على يد الأتراك، طائفة الأرمن، والتي لا تعترف تركيا إلى الآن، بمذابحها الجماعية ضدهم، حتى مع وفرة الدلائل التاريخية، لكن الأتراك لن يقولوا أبدًا، إن آباءهم كانوا قتلة!.

في عام 1915، وتحديدًا في 24 إبريل، جمعت حكومة الإمبراطورية العثمانية التركية، نحو 250 شخصًا من الطائفة الأرمينية في إسطنبول وأعدمتهم، لتنطلق بعدها شرارة القتل والتهجير القسري والتعذيب والتجويع ضد الأرمن، مما أسفر عن مقتل نحو مليون أرمني؛ بسبب مطالبتهم بالحقوق السياسية أسوة باليونانيين وشعب البلغار.

ولاقى الأرمن أنواعًا عديدة من العنصرية ضدهم، بدءًا من تحملهم أعباء ضريبية باهظة، وإجبارهم على المشاركة في الحرب العالمية الثانية، وتفضيل الأتراك ضدهم في الحقوق والواجبات.

عنصرية ضد اليونانيين

في خريف عام 1913، قامت حكومة تركيا الفتاة أو "الأتراك الشبان" الوريثة للإمبراطورية العثمانية المنهارة جراء الحرب، بالتحريض ضد الأقلية اليونانية في البنطس وغيرها من المناطق التي كانت تقطنها الأقليات الإغريقية.

وقامت حكومة تركيا الفتاة والحركة الوطنية التركية، بحملة إبادة جماعية ضد اليونانيين أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، ووصل عدد القتلى في هذه المذابح إلى نحو مليون ونصف المليون قتيل.

واجهت الأقلية اليونانية في تركيا، موجات عنصرية شديدة بعد ذلك، وشهدت كنائسهم وممتلكاتهم ومدارسهم الحرق والإتلاف والتخريب، وواجهوا أيضًا تمييزًا عنصريًا ضدهم في الحقوق السياسية والتعليمية والعقائدية.

عنصرية ضد اليهود

واجه اليهود كذلك في إستانبول أنواعًا من التمييز العنصري المنظم، وفي الربع الثاني من القرن العشرين، شهدت الصحف التركية هجومًا منظمًا ضد اليهود في إسطنبول، وتعرضت معابدهم للهجوم أكثر من مرة، ونظمت ضدهم مذابح راح خلالها العشرات من يهود إسطنبول.

وراجت خلال هذه الفترة نظريات العداء ضد اليهود، التي ما فتئ الأتراك ينشرونها ضد اليهود في تركيا، حتى هرب أكثرهم إلى خارج البلاد.

عنصرية ضد الأكراد

لدى الأكراد تاريخ طويل من التمييز العنصري والمذابح التي ارتكبتها ضدهم الحكومة التركية، ومن أهم هذه الحوادث تمرد "درسيم"، الذي قتل فيه نحو 13 ألفًا على الأقل، ورُحِّل نحو 12 ألفًا إلى المنفى.

وما زال الأتراك حتى الآن، يفجرون عنصريتهم ضد الأقلية الكردية في بلادهم، ويواجه الأكراد تمييزًا عنصريًا، في حقوقهم السياسية، والاجتماعية، والتضييقات الأمنية الكثيفة ضدهم.

أتراك سود وأتراك بيض

مع اتخاذ الجمهورية التركية الحديثة، النهج العلماني، كنظام أساسي لكل شؤون البلاد، ظهرت عنصرية بين الأتراك بعضهم البعض، حيث انقسم المجتمع إلى أتراك سود، وآخرين بيض.

ويعنى بالتوجه الأول، الأتراك المتدينين ذوي المستوى الاجتماعي المتدني، حيث كانت تضيق عليهم الحكومة العلمانية على هذه الفئة من الشعب، فيما يعد الأتراك البيض من الطبقات الميسورة، التي تحظى بوظائف مرموقة، وبتسهيلات تقدمها الحكومة العلمانية لهم، مما أسهمت في احتكارهم لمناصب الثروة في البلاد.

هذه الحال الذي تخلصت من تركيا نسبيًا، خلال السنوات الماضية، عاد إلى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة ضد العرب، فبعض الأتراك يعتبرون أن الوجود العربي في بلادهم يهدد القيم العلمانية ومبادئ الجمهورية التركية ويزاحمهم في خيرات بلادهم.