بيئة مضطربة.. واقع ومستقبل الأزمات في الشرق الأوسط

شهدت منطقة الشرق الأوسط في عام 2020 مجموعة مختلفة من المشكلات التي أسهمت في التأثير على معدل استقرار دول المنطقة، فإلى جانب التأثيرات السلبية لانتشار فيروس كورونا المستجد، استمرت الصراعات الإقليمية والتنافس الجيوسياسي بين دول المنطقة، بالإضافة إلى تنامي التدخلات الخارجية من جانب الدول الكبرى.

ووفق الورقة التحليلية لـ"أمين سيكال" بعنوان: The Middle East: Between Covid-19, Conflicts, Jihadist Threat and Public Discontent”، والمنشورة في "المركز الدولي لبحوث العنف السياسي والإرهاب"، فإن هذه المتغيرات أسهمت في زيادة مستوى عدم الاستقرار البنيوي في المنطقة، التي تعاني في الأساس من الهشاشة والضعف، حيث زاد انتشار فيروس "كوفيد–19" المعاناة الإنسانية والاقتصادية، كما تسبب في تراجع الخطط التنموية لدول المنطقة، الأمر الذي رفع مستوى الاحتجاجات الداخلية وعدم الرضا العام على سياسات هذه الدول، كما أن تصاعد المنافسة الإقليمية قوّض فكرة التعاون الإقليمي.

أولًا: تأثير انتشار فيروس كورونا المستجد

كان لانتشار فيروس كورونا المستجد الدور الكبير في التأثير على استقرار دول منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من محاولة هذه الدول التغلب على الانعكاسات السلبية لهذا الفيروس، فإن هذه التأثيرات شملت مختلف دول المنطقة الغنية والفقيرة.

يشار إلى أن السمة الرئيسية لتعامل دول المنطقة مع هذه الأزمة تجسّد برغبتها في إحكام سيطرتها الداخلية على المواطنين.

وهنا يمكن الإشارة إلى النموذج الإيراني في سياساته للتعامل مع انتشار هذا الفيروس، خاصة أن طهران كانت بداية ومركز انتشار الفيروس في المنطقة، حيث أعلنت السلطات الرسمية أن عدد الحالات والوفيات المؤكدة نحو 359 ألفا في أغسطس 2020، فيما أعلنت مصادر خارجية مستقلة بأن أعداد الوفيات الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

"سوق سوداء للخبز".. واقع يعيشه السوريون في ظل كورونا | الحرة
 كورونا في الشرق الأوسط

وبالنظر إلى عدم موثوقية التقارير الإيرانية، يمكن تفسير ذلك التضارب في الإعلان عن الأعداد الحقيقية للوفيات، كونه محاولة من جانب النظام الإيراني لمواجهة الانتقادات الخارجية في التعامل مع الأزمة من جانب، وللحفاظ على التماسك الداخلي للمجتمع الإيراني من جانب آخر، خاصة بعدما شهد سلسلة ممتدة من الاحتجاجات الداخلية بسبب تراجع النمو الاقتصادي وانتشار البطالة والعقوبات الاقتصادية والعزلة الإقليمية والدولية المفروضة عليها.

في السياق ذاته، فقد انتشر الفيروس في جميع دول المنطقة، خاصة أصحاب الثروات النفطية الكبيرة، ولكن في أعقاب الهبوط الحاد لأسعار النفط صار هناك تشابه بين جميع دول المنطقة فيما يتعلق بامتلاك الموارد الاقتصادية اللازمة لمواجهة الفيروس.

ويمكن الإشارة هنا إلى السعودية، التي سجلت رسميًا حتى أغسطس 2020 أكثر من 300 ألف حالة إصابة مؤكدة و3600 حالة وفاة، ولعل هذه التطورت تسبّبت في إيقاف مناسك الحج السنوي للمسلمين. وقد امتدت الانعكاسات السلبية على السعودية، حيث ارتفع عجز ميزانيتها إلى 187 مليار ريال سعودي أو 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2020.

من ثَمَّ يمكن القول إن دول المنطقة شهدت انتشارًا كبيرا للفيروس، وإن كان هناك اختلاف في تأثير هذا الانتشار على الدول بسبب متغيرات أخرى، حيث إن التأثيرات السلبية على إيران أكثر من تلك التي واجهتها السعودية بسبب المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجه كلا البلدين.

 الصراع في الشرق الأوسط

ثانيًا: الصراعات في الشرق الأوسط

على الرغم من الانتشار الكبير لفيروس كورونا المستجد في منطقة الشرق الأوسط، فإن ذلك لم يقف حائلًا أمام استمرار الصراعات والمنافسات الجيوسياسية الإقليمية، وانخراط الدول الكبرى في أزمات المنطقة، بالإضافة إلى تنامي الاحتجاجات الداخلية المناهضة للأنظمة السياسية، والتي كانت موجودة بالأساس قبل انتشار الفيروس، كما شهدت المنطقة انتشارًا كبيرًا للعمليات الإرهابية، خاصة من جانب تنظيمي داعش والقاعدة.

وعند استعراض تطورات الأزمات التي تشهدها المنطقة نجد أن هناك مجموعة من الملاحظات الهامة:

  1. استمرار تصاعد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، وإن كانت مختلفة في حجم التطور وشدة التأثير.
  2. استمرار المنافسة الدولية، خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، على النفوذ في المنطقة.
  3. تصاعد المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية في سوريا.
  4. استمرار روسيا وإيران في دعم النظام السوري، ما أسهم في تمكينه من مجريات الأوضاع الداخلية.
  5. عزّزت الولايات المتحدة -في ظل إدارة ترامب- سياسة "الضغوط القصوى" على إيران من أجل تقييد السياسة الإقليمية الإيرانية، بالإضافة إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية عليها، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج، ودعمها لإسرائيل أكثر من أي إدارات أمريكية سابقة، وهذا الأمر احتل مرتبة متقدمة في الاستراتيجية الأمريكية داخل منطقة الشرق الأوسط.
  6. دعمت الولايات المتحدة استراتيجية مناهضة لتحالفات إيران الإقليمية، وقادت جهود التقارب بين إسرائيل والدول العربية، حيث أبرمت كل من الإمارات والبحرين اتفاقية سلام مع إسرائيل في سبتمبر 2020 لإقامة علاقات شاملة.
  7. حاولت طهران الحفاظ على علاقاتها مع كل من تركيا وقطر، على الرغم من الخلافات التركية–الإيرانية في سوريا والعراق، وذلك لمواجهة الضغوط الأمريكية عليها.
  8. هناك احتمالية لتحول سياسة الدول العربية تجاه إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، وهو ما يمكن أن يُعزِّز النفوذ الإيراني والتركي في التأثير على القضية الفلسطينية.
 خلايا داعش

ثالثًا: نشاط التطرف والإرهاب

بالتزامن مع الصراعات والتنافسات الإقليمية وتدخل القوى الخارجية في أزمات المنطقة، لا سيما في أعقاب انتشار فيروس كورونا المستجد، أسهمت هذه العوامل في اتجاه الجماعات المتطرفة إلى الاستمرار في تنفيذ أهدافها، من خلال توظيف الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية التي تشهدها دول المنطقة، خاصة في العراق، حيث أعاد الانسحاب الأمريكي من هناك واغتيال قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، تنظيم داعش من جديد، ويؤشر على ذلك قيام تنظيم داعش بتنفيذ أكثر من 650 عملية إرهابية خلال الربع الأول من عام 2020، ورغم أن هذا العدد من العمليات أقل من تلك التي تم تنفيذها خلال نفس الفترة عام 2019، الذي بلغ 1669 عملية، فإن هذه العمليات تزايدت بصورة أكبر خلال الفترات اللاحقة في عام 2020.

وضمن السياق ذاته، وبرغم خسارة داعش مساحات شاسعة من سوريا والعراق في عام 2018، فإن هذا لم يقض على قدرة التنظيم الأيديولوجية والعملياتية، وقام بتنفيذ هجمات على قوات الأمن وحقول النفط والمواقع المدنية في "حمص" و"دير الزور" داخل سوريا.

وفيما يتعلق باليمن، فقد شهد الصراع الداخلي اليمني مستويات كبيرة من التصعيد العسكري مع قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، وهذا الأمر أسهم في زيادة تمكين تنظيمي داعش والقاعدة من السيطرة الميدانية هناك، على الرغم من تنافسهما.

الاحتجاجات في لبنان

رابعًا: تصاعد الاحتجاجات الداخلية

تصاعدت وتيرة الرفض الشعبي والاستياء المجتمعي تجاه السياسات الحكومية في دول منطقة الشرق الأوسط، بسبب سوء الإدارة، ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، وغياب المساءلة، وانتشار الفساد، وسوء الأحوال المعيشية.

وقد شهدت دول المنطقة مجموعة من المظاهر التي تؤشر على زيادة معدلات الرفض الشعبي والسخط العام في هذه الدول، وذلك على النحو الآتي:

  1. شهدت إيران منذ عام 2009 احتجاجات شعبية على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية، وقد قامت السلطات الإيرانية بمواجهة وقمع هذه المظاهرات، إلا أنها اندلعت مُجددًا منذ ديسمبر 2017، وزاد من تفاقم هذه الاحتجاجات الآثار المزدوجة لفيروس كورونا والعقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
  2. ضمن السياق ذاته، فقد شهد العراق منذ نهاية 2019 وخلال 2020 سلسلة من الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات الداخلية، التي تجاوزت الانقسامات الطائفية والإثنية، والتي طالبت الحكومة بمواجهة التدخلات الخارجية، والمُضي في الإصلاحات الاقتصادية الداخلية.
  3. اندلعت المظاهرات والاحتجاجات في لبنان منذ عام 2019، والتي قادها مجموعة من الشباب العابر للطائفية، وهذه الاحتجاجات جاءت بسبب فساد النخب الحاكمة والصراعات الأهلية والفساد المُنظم، وقد عزز من أهمية هذه الاحتجاجات الانفجار الكبير الذي تعرّض له ميناء بيروت في أغسطس 2020، حيث اتسعت رقعة الاحتجاجات والمطالب.
  4. شهدت إسرائيل احتجاجات مماثلة لتلك التي شهدتها الدول السابقة وبنفس المطالب الداخلية لنظرائهم، حيث اندلعت المظاهرات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب اتهامه في قضايا فساد، وسوء إدارة لأزمة كورونا.

ويمكن الإشارة هنا إلى أنه خلال الفترة من أبريل عام 2019 وأبريل عام 2020 أجرت إسرائيل ثلاثة انتخابات برلمانية، انتهت جميعها بأزمات سياسية حول كيفية تشكيل الحكومة، ما أسهم في قيام تحالف هش بين حزب الليكود بقيادة نتنياهو وحزب "أزرق-أبيض" بقيادة بيني جانتس، انتهى إلى انتخابات برلمانية رابعة.

من جانب آخر، فقد أعلنت الولايات المتحدة زيادة المساعدات الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل، لضمان استمرار تفوق تل أبيب الاستراتيجي في المنطقة، وكذلك في مواجهة تصاعد الاحتجاجات مُجددًا داخل إسرائيل.

استعرضت هذه الورقة التحليلية تأثير عوامل مختلفة على مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وبعد أن تحدَّد النموذج الذي يمكن أن يكون عليه المستقبل القريب، يمكن القول إن المنطقة وأزماتها بعيدة عن أن تتحول إلى منطقة سلام واستقرار وأمن، وأن نماذج الأزمات التي تشهدها دول المنطقة لا يمكن أن تتغير إلا إذا تغيرت هذه المؤثرات ومعالجتها.

[toggle title="المصدر" state="open"]Amin Saikal, “The Middle East: Between Covid-19, Conflicts, Jihadist Threat and Public Discontent”, Counter Terrorist Trends and Analyses, Vol. 13, No. 1, ANNUAL THREAT ASSESSMENT (January 2021), pp. 101-105. URL: https://www.jstor.org/stable/pdf/26979989.pdf?refreqid=excelsior%3A9cd93ace09ed4f3e09f3b04d0f2d1b05.[/toggle]