أحمد عطا يكتب: سيناريوهات تل أبيب الأربعة لضرب إيران

ذات مصر

صار الحديث عن ضربة محتملة للمنشآت النووية الإيرانية عبر المواقع الإخبارية على مستوى العالم، أشبه بالحكايات المسلية «ساعة عصاري» في ستينات القرن الماضي في مصر، بعد الاستماع لإذاعة أم كلثوم في الساعة الخامسة من نهار صيف طويل. 
ولكن يبقى السؤال: هل سكان المعمورة صاروا يصدقون عملية الاستثمار الممنهجة من قبل المخابرات الأمريكية بتدوير عملية ضرب إيران عبر ذهن المتلقي الذي أدرك قواعد اللعبة السياسية الأمريكية، وصارت أشبه بحكايات «ساعة عصاري» في مصر كنوع من التسلية السياسية، لابتزاز المنطقة العربية واستخدام فزاعة إعلامية أمريكية من الهيمنة الإيرانية؟ 
كل التكهنات مطروحة في إطار عمليات الابتزاز. الكل يبتز الكل، كل هذا في وقت سابق قبل «طوفان الأقصى»، وهي العملية العسكرية التي تزامنت مع ذكرى حرب السادس من أكتوبر، والتي توجت المنطقة العربية كلها بتاج العزة والكرامة. 
ولكني توقفت أمام أمرين: الأمر الأول عندما شاهدت نتنياهو وهو يخاطب شعبه بعد ساعات قليلة من اقتحام المقاومة الفلسطينية للمستوطنات الإسرائيلية بخطة عسكرية سابقة التجهيز، وكنت في ذهول عندما شاهدت نتنياهو وقد صار عجوزاً يتماسك أمام العالم محاولاً استرجاع الغطرسة والقوة الإسرائيلية في سنوات سابقة، أمعنت فيها إسرائيل بالقتل الممنهج وإسقاط أنظمة عربية والمتاجرة بالديمقراطية. 
لا أظن حلم «من النيل إلى الفرات» أصبح مكتمل الأركان، وخاصة أن نتنياهو وقف كمذيع يشرح ويفند لشعبه المشروع التاريخيّ مع عدة دول أوروبية وعربية، وكان يهلل بأنه سيعود علي المواطن الإسرائيلي بالخير واليمن والبركات، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. كان «طوفان الأقصى» أسبق وأسرع من أي مشاريع تسقط عن مصر أي حق تاريخي لها، مثل قناة السويس أو مياه النيل أو غيرها من آليات الضغط التي تمارسها إسرائيل على مصر.

ولكن هناك السيناريوهات الأربعة التي كانت إسرائيل على مقربة منها لاختيار واحد منها لضرب إيران، قبل هجمات «طوفان الأقصى»: 
السيناريو الأول هو أن إسرائيل تستطيع توجيه الضربة منفردة الي إيران، وهذا مستحيل على المستوى التقني والعسكري.
السيناريو الثاني هو أن أمريكا هي التي ستقوم بتنفيذيها منفردة، وهو ما لا تقوى عليه واشنطن نظرًا للتحديات الاقتصادية التي تواجهها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة دعمها لأوكرانيا، مما أثر على المواطن الأمريكي الذي لا يرغب في هذه الحرب. 
السيناريو الثالث هو أن أمريكا وإسرائيل ستنفذان الضربة معًا، وهذا صعب بدون مشاركة الحلفاء. 
أما السيناريو الرابع فهو عملية خاطفة كما حدث في العراق بضربة صاروخية متوسطة المدى، مع إنزال بري للقوات الأمريكية، ولكن بعد انسحاب أمريكا انسحابًا ناعمًا من منطقة الشرق الأوسط، يصعب عليها القيام بأي عمل عسكري. 
في الوقت نفسه تبقى كافة القراءات العسكرية والاستراتيجية تشير إلى أن إسرائيل لا تستطيع أن تقوم بتنفيذ ضربة منفردة دون مساعدة أمريكية تقنية، وتقديم الغطاء والضوء الأخضر. وذلك لأن بعض المنشآت النووية الإيرانية تقع في عمق الجبال، وهي تحتاج نوعية من القنابل غير موجودة في إسرائيل، هذا بجانب خوف أمريكا من دخول حلفاء إيران الحرب، من خلال منصاتهم الدفاعية العابرة للقارات، ويقصد روسيا والصين، فهذا يعني حرباً عالمية ثالثة مكتملة الأركان. كما أن الاقتصاد الأمريكي لا يقوى على تنفيذ عملية عسكرية تستمر سبعة أيام حسب تقارير البنتاجون، والتي تبلغ تكلفتها 20 مليار دولار في الأسبوع الواحد.

ولكن عملية «طوفان الأقصى» أفشلت كافة المخططات العسكرية الأمريكية سابقة التجهيز حبيسة أدراج البنتاجون، والتي تدعم بها أمريكا إسرائيل لتحقق حلم «من النيل إلى الفرات»، حتى أن الإعلام الأمريكي لم يستطع تبييض وجه إسرائيل في موقعة المستوطنات التي انتصرت فيها المقاومة بأقل التكاليف، وخاصة أن ورقة الرهائن هي الورقة الرابحة في التفاوض بين المقاومة وبين إسرائيل، في ظل عدد من القتلى غير مسبوق في تاريخ المواجهات العسكرية بين الفلسطينيين وإسرائيل. 
والمصادر الخارجية والمعلومات الدولية تقول إن أمريكا لو فشلت في إيجاد حل وتسوية على أساس دولتين فستكون كارثة على إسرائيل التي سقطت في حرب المستوطنات، وفقدت غطرستها العسكرية من خلال طائرات شراعية هي الأولى من نوعها في هذه الحروب، والتي يؤكد ظهورها على مسرح العمليات في فلسطين فشل المخابرات العسكرية الإسرائيلية التي لديها فقر واضح في المعلومات، وتعطل التقنيات الاستخباراتية التي تطوق المستوطنات في حدودها مع غزة.