السفير عبد الله الأشعل يكتب: ثقوب في ثوب القانون الدولي الدبلوماسي

ذات مصر

الدول هي التي تصنع القانون الدولي بمصادره المختلفة والدولة هي القاسم المشترك بين الدراسات القانونية والسياسية وهي الشخص القانون الدولي الوحيد الكامل، أما بقية الكيانات التي تتمتع بالشخصية القانونية فهي تتمتع بأنصبة تتفق مع طبيعتها، ولذلك تختلف هذه الطوائف وحظها من الأشخاص القانونية.
والدولة يتم التعبير عن إرادتها من خلال السلطة السياسية، التشريعية والتنفيذية والقضائية ولذلك تسأل الدولة عن أخطاء مؤسساتها وأفرع سلطتها السياسية. وهنا تبدو أهمية الاعتراف بالدولة وبحكومة هذه الدولة.
وعندما تتغير الحكومات تغيرا روتينيا لا تثور مشكلة على أساس أن للدولة وجودا دائما ويترتب على ذلك أن الحكومات المتعاقبة تلتزم بما أبرمته-الحكومة والدولة من معاهدات. 

فالحكومة المصرية أصدرت إعلانا من طرف واحد في أبريل 1957 طمأنت فيه المجتمع الدولي عقب تأميم قناة السويس بأنها تقبل اختصاص محكمة العدل الدولية في كافة المنازعات
المتعلقة بتفسير وتنفيذ اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنظمة للمركز القانوني للقناة ولا يزال التصريح ملزما للدولة المصرية.

وعندما أبرمت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 حرصت إسرائيل على تفصيل التزامات مصر وأولها الاعتراف وزوال حالة الحرب والسماح بالمرور في قناة السويس.

وحين تنبه المجتمع الدولي في عهد الأمم المتحدة إلى المخاطر في ظاهرة الانقلابات العسكرية فإنه حرص على عزل النظام الانقلابي وعدم الاعتراف به.
ولكن المشكلة هي أن حكومة الانقلاب هي حكومة الأمر الواقع وتلتزم أيضاً بما عقدته الدولة من معاهدات.
وتقدم الثغرات باختصار في جدار القانون الدولي الدبلوماسي أولاً: يقوم القانون الدولي الدبلوماسي على التفاهم والاتفاق بين الدولة المرسلة والمستقبلة، لأن كل دولة في العالم هي في الواقع دولة مرسلة
ومستقبله في نفس الوقت. 

ونقطة البداية هي الاعتراف بالمساواة في السيادة واحترام الشئون الداخلية للدولة. فحين يحمل السفير أوراق اعتماده إلى رئيس آخر لا يهم القانون الدولي بما إذا كان رئيسه جاء إلى السلطة بأي طريق، وكذلك رئيس الدولة المضيفة.
فالدولة المرسلة هي التي ترشح السفير ومن حق الدولة المستقبلة أن ترفض منحه الموافقة بل بعد منح الموافقة للدولة المستقبلة الحق في إعلان السفير حتى قبل وصوله شخصا غير مرغوب فيه دون أن تلزم بشرح أسباب قرارها (م 9 من اتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية 1961).
ومن ناحية أخرى للسفير حصانات لا يسقطها إلا دولته ولا تملك الدولة المضيفة إسقاط الحصانة وتظل تعترف بحصانته وحصانة مقر السفارة حتى في أوقات الصراع المسلح (م39/2/2) .
ويلتزم السفير باحترام قوانين الدولة المضيفة ولوائحها ولكن الحصانة لا تقابل هذا الالتزام بمعنى أنه يمكن للسفير عدم احترام قوانين الدولة المضيفة ولا تملك هذه الأخيرة إسقاط الحصانة عنه ولا يجوز محاكمته أمام قضائها وإنما تملك فقط إبعاده أو إعلانه شخصا غير مرغوب فيه.

حالة فرنسا والنيجر حالة تستحق التأمل. فقد وقعت فرنسا مع حكومة النيجر اتفاقات للتعاون العسكري ومنح قواعد للقوات الفرنسية ولكن وقع انقلاب في النيجر فأعلنت فرنسا أنها لا تعترف بالحكومة الانقلابية وأمرت سفيرها برفض التفاوض مع هذه الحكومة فقامت المحكمة العليا بإصدار
حكم عاجل يسقط حصانة السفير ويكلف وزير الداخلية بإبعاده. 

كما ألغت حكومة الانقلاب معاهدات القواعد والتعاون العسكرية وطلبت من فرنسا إغلاق قاعدتها ووقف التعاون العسكري معها. فهل في القانون الدولي أحوال معينة يجوز فيها للدولة المضيفة إنهاء الحصانة وما الفرق بين قرار الحكومة وحكم المحكمة ما دامت الدولة مسؤولة عن أعمال قضائها أيضاً.
وأرى أن هذا النزاع القانوني يجب أن يحال إلى محكمة العدل الدولية حتى تقدم لنا حالة القانون الدولي في هذا المجال وقراءة الوثائق الدولية مرة أخرى.
ثانياً: لابد من قاعدة جديدة تؤكد أن الانقلاب العسكري ليس شأنا داخليا ولابد من وضع قواعد لمكافحة هذه الظاهرة الواسعة.
ثالثاً: أن فرنسا في موقف حرج، فلا هي تجرؤ على مخالفة قرارات «الإيكواس» ضد الانقلاب. ولا هي تحتمل نتائج التمسك بعدم الاعتراف بحكومة الانقلاب.
رابعاً: أن القانون الدولي يعتبر مخالفة الدستور واحترامه عمل داخلي لا ينال من المعاهدة التي يبرمها الرئيس بالمخالفة للدستور.
هذه الثغرات الأربعة لابد من معالجتها لاستكمال نقص هام في قواعد القانون الدولي.
والبحث بشكل خاص في معالجة مباشرة أو غير مباشرة كيف نلزم الرئيس على احترام الدستور ويدق البحث في هذا المجال، خاصة وأن بعض الدول تعتبر الدستور أسمى من المعاهدة ولكن معظم دول العالم تعتبر التشريع الداخلي المناقض للقانون الدولي يرتب المسؤولة الدولية للدولة المعنية، قطاع كبير من الفقه الدولي يعتبر هذا التشريع باطلا أو قابلا للإبطال.
خامساً: لابد من بحث التقابل بين الحصانة والسيادة. ففي قضية مقتل الصحفي السعودي خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول لدينا قضية التقابل بين سيادة تركيا على إقليمها وحصانة المبنى فهل من حق تركيا لو علمت أن تحبط ارتكاب الجريمة قبل ارتكابها وهذا معناه اقتحام المبنى وانتهاك حصانته والقبض على المسؤولين إذا تأكد لديها أنهم يخططون لارتكاب الجريمة. فالحصانة منحت للمبنى والعاملين فيه لممارسة وظائف قانونية وليس قتل الناس والتمثيل بجثثهم.
ويترتب على ذلك أن القضاء التركي هو المختص بمحاكمة القتلة حتى رغم أن السعودية بادرت بإصدار اتهامات لهؤلاء الأشخاص وبدأت في محاكمتهم. وكان يمكن أن تكون مسألة الاختصاص القضائي مشكلة بين تركيا والسعودية لولا أن قيادة البلدين فضلت المصالح العليا بين البلدين مقدمة على الجدل في التفاصيل القانونية لكن ذلك لا يمنع من تقنين العلاقة بين الحصانة والسيادة.
سادساً: لابد من تجريم جريمة الانقلاب باعتبارها اعتداء على الديمقراطية وانتهاكا للحق في الديمقراطية. ثم إن الانقلاب معناه الحكم العسكري للمجتمع المدني وهو لا يصلح لإدارة الدول.
وعند التقنين من المفيد بحث مختلف الأفكار التي تعالج جريمة الانقلاب العسكري لأنه يستعين بجيش الدولة والسلاح الذي دفع الشعب ثمنه وخلط الأوراق في عمل المؤسسات وجلب الجيش إلى المحال العام مما يعطل مساءلة الحكام.

وأرجو أن تدرس الفكرة التالية لوضع حد للانقلابات العسكرية وهي إلزام أعضاء الانقلاب بإجراء انتخابات حقيقية خلال ثلاثة أشهر لا يتمتعون بأي امتياز كما لا يرشحون في الانتخابات ويوم إعلان النتيجة يحالون جميعا إلى التقاعد وتعزيز مهنية الجيش حتى لا يفكر مرة أخرى في الانقلاب.