قل لا يستوي "صلاح الساكت" بالفلاح الفصيح أبوتريكة

ذات مصر

ما كان له أن يسكت، وما كان متوقعًا منه غض الطرف، فيما الدماء الفلسطينية تراق، إثر جريمة الحرب التي اقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بقصفه المستشفى المعمداني، في قطاع غزة.
ثلاث تغريدات متتالية على شبكة التواصل "إكس" نشرها محمد أبوتريكة بعد دقائق من قصف المستشفى.
"إبادةٌ جديدة ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة سيرتكبها العالم المنافق".
هذه الأولى، وفيها تشخيص سهل ممتنع لواقع الحال، إن التواطؤ الدولي، يغري القتلة بالإمعان في القتل.
"اللهم إنّا نبرأ من حولنا وقوّتنا وتدبيرنا إلى حولك وقوّتك وتدبيرك لا إله إلا أنت لا يعجزك شيء وأنت على كل شيء قدير".
وهذه الثانية، وفيها يتسق أمير القلوب مع مقولته، أن الشهرة إنما هي منحة ربانية، وعلى الإنسان أن يستغلها للدفاع عن الحق.
"اللهم إنا لا نملك لأهلنا في فلسطين إلا الدعاء، واللهم احفظهم بحفظك وانصرهم وأخذل كل من خذلهم".
وهذه الثالثة، والدعاء لا يحتمل تأويلًا، اللهم اخذل من خذلهم، أيما يكن هذا الخاذل المتخاذل.
أبوتريكة ابن "الفلاحين الطيبين" ليس كغيره، من نجوم الكرة العالميين، الذين ابتلعوا ألسنتهم خوفًا على مستقبلهم الرياضي، إنه كعادته يجهر بما يؤمن به، كما فعل إذ كان لاعبًا، يوم ارتدى قميصًا عليه عبارة: "تعاطفًا مع غزة"، ولم يخش في الحق، لومة "فيفا" أو "كاف".
موقف أبوتريكة إزاء جريمة الحرب الإسرائيلية، أعاد طرح السؤال على منصات التواصل: هل يكفي تبرع محمد صلاح للهلال الأحمر المصري مع صمته المطبق؟
تدخل عملية "طوفان الغضب" أسبوعها الثاني، وثمة مجزرة دامية، تظاهر رفضًا لها مشجعون لناديه ليفربول، وصلاح لا يسمع ولا يرى ويتكلم.
محبو صلاح، ممن يرونه بعين الرضا، وهي كما يقول شاعرنا: "عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ"، يدفعون بأنه مجرد لاعب كرة، وليس سياسيًا، ومن ثم لا ينبغي تحميله، ما ليس يطيق، غير أن مستهجني صمته، يقولون إن صلاح صار رمزًا عربيًا، وعليه في هذه المرحلة أن يعلن موقفًا، أسوةً بأبوتريكة.
مقارنة صلاح بأبوتريكة في الحقيقة، تظلم الأول كثيرًا، صلاح يبدو أنه ارتأى أن مشروعه كرياضي، محترف في بلاد الفرنجة، ويطمح إلى أن يكون الأول عالميًا، يجب أن يتصدر أولوياته، ولا ينبغي عليه أن يفعل ما يضر هذا المشروع من قريب أو بعيد.. صلاح "عنده مينتالتي" وتريكة فلاح نشأةً وقلبًا وضميرًا.
لذلك لم يكن غريبًا أن يدون صلاح على موقع التواصل "إكس" دعمًا لحقوق الحيوانات، فيدعو إلى الرفق بها، لأنها "روح"، ذاك يرضي الذائقة الغربية، ويُظهره متحضرًا تقدميًا، فيما يمثل الدفاع عن شعب عربي أعزل أزمة خلافية، القاعد فيها خير من الماشي عند اللاعب الشهير.
على أن هذا الصمت الثقيل، لا يستساغ من صلاح الذي كان أعلن قبل عشرة أعوام تأييده القضية الفلسطينية إذ نشر صورة له، ووراءه الأقصى المبارك، بعد مباراة فريقه آنذاك "بازل السويسري" مع مكابي تل أبيب، بدوري أبطال أوروبا.
إن إطلاق لقب فخر العرب على محمد صلاح، لم يأتِ لكونه لاعبًا فذًا فحسب، بل إن الجماهير العربية التي تستسقي "قطرة انتصار" في صحراء الهزائم الممتدة، رأوه نموذجًا للإنسان العربي الذي ينجح متى أتيحت له الفرص العادلة، ومن ثم انتظروا منه موقفًا، لم يتخذه حتى الآن.
حريٌّ بمحمد صلاح أن يتكلم فإما يقول: لست فخر العرب، أنا لاعب كرة، أجرى وراء طموحاتي الشخصية، و"أكل عيشي" ولست معنيًا بغير ذلك، وإما يعلن تأييده الحق جهرًا وعلى رؤوس الأشهاد من العرب والإنجليز.
يا صلاح.. تكلم حتى نراك.