فراج إسماعيل يكتب: الصهاينة العرب!

ذات مصر

يمكن للمرء أن يرفه عن نفسه قليلا بمتابعة الصهاينة العرب من بني جلدتنا الذين يكتبون عن حرب غزة كما لو كانوا ماكينة إعلام نتنياهو وجالانت وبن غفير.

بل إنهم أكثر تطرفاً وإيغالاً في الانتقام النفسي من حماس وكل فصيل مقاوم للاحتلال وغطرسته وغروره.

لا أعلم ماذا يربحون من ذلك. على أي حال هي حالة نفسية مستعصية على العلاج، لا نملك إزاءها إلا الشفقة.

الصهاينة العرب جعلوا من مأساة شهداء الحرب وعائلاتهم مادة للشماتة. نحو 11 ألف شهيد، بينهم أكثر من 4000 طفل، غير النساء والشيوخ، لم يحركوا فيهم نخوة الرجولة أو شرف الوطنية أو ذرة من الدين الذي يدينون به.

نفهم أنهم لا يتأثرون بموت الأطفال في حضانات مستشفى الشفاء نتيجة انقطاع الأكسجين عنهم لنفاد الوقود ورفض الصهاينة السماح بدخوله إلى غزة أو إمداد المستشفيات به.

وندرك أنهم يتعاملون بعدم اهتمام مع موت مرضى السرطان نتيجة السبب السابق. وبحس متبلد على إخراج مرضى العناية المركزة على أسرتهم عبر طريق طويل إلى الجنوب بعد اشتداد قصف الاحتلال لمستشفى الشفاء وغيره من المستشفيات في الشمال.

لكن من العسير إخفاء ألمنا وتوجعنا على ترديدهم للرواية الصهيونية بأن حماس توجد تحت المستشفيات المدمرة أو بين المرضى. 

عدد لا بأس به من العرب شرب الصهيونية حتى النخاع. بعضهم صار صهيونياً أكثر من الصهاينة أنفسهم.

إعلام التطبيع فعل فيهم ذلك. جعل نفراً منهم يردد بجرأة يستحق عليها الصفع، بأن القدس مدينة يهودية منذ أكثر من ستة قرون قبل الميلاد، وأن ذلك الوطن الذي تقاتل حماس وبقية الفصائل لتحريره، ويموت في سبيله عشرات الآلاف من الأبرياء والرضع الذين جاؤوا لتوهم إلى الدنيا، إنما هو أرض الميعاد التي وعد الله بها اليهود!

صهيونية عربية خليجية ظهرت على التيك توك وهي تقدم هدية من بلدها للصهيوني الأصلي ذي الدم السمج أفيخاي أدرعي المقدم في جيش الاحتلال والناطق باسمه باللغة العربية. ولولا قليل من الحياء لاحتضنته كأنها تهنئه على قتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، ومحو عائلات كاملة من الدنيا.
نشاهد مقاطع الفيديو الساخرة على التيك توك التي تظهر أفيخاي أدرعي ساخراً من العرب ومحبطاً من قدرتهم على مواجهة جيشه المتخم بترسانة متضخمة من الأسلحة الأمريكية.

ولو كان عند هذه الصهيونية الخليجية قدر بسيط جداً من الأخلاق الإنسانية لامتنعت على الأقل عن نشر فيديو هديتها لإرهابي مجرم ونازي.

صهيوني خليجي آخر من البحرين قدم هدية من الحلوى البحرينية الشهيرة لأفيخاي أدرعي ونشر فيديو لاحتفائه به على تيك توك.

ستكون منصات السوشيال ميديا شاهد ملك على الانحطاط الذي وصله الصهاينة العرب، وعلى الدم الفاسد الذي سرى في الشرايين.

انتشار الصهيونية العربية يرجع في جزء كبير منه إلى سقوط الحاجز النفسي عبر ظهور المعلقين والمسؤولين الإسرائيليين على القنوات الإخبارية العربية، وهم يظهرون بكثرة هذه الأيام لتحليل وتبرير الإبادة الممنهجة لسكان غزة.

كان الحاجز النفسي كبيراً لدى الأجيال التي سبقت التطبيع. مجرد الحديث مع إسرائيلي أو ابتياع سلعة صنعت بأيدي إسرائيليين، يعدان من قبيل الخيانة. في الوقت الراهن لم يبق شيء من ذلك. الهرولة للتطبيع، وهو تعبير استخدمه عمرو موسى قبل سنوات لإدانة الزحف نحو العلاقات الدافئة مع إسرائيل، خلف كتلة متصهينة تقاوم أي عمل يعادي بإسرائيل. 

لا عجب إذن أن تنشر ناشطة مصرية معروفة على حسابها في منصة إكس (تويتر سابقا) حوارا أجرته معها قناة يوتيوب تابعة لمعهد الأمن القومي التابع لجهاز الموساد. وفي الحوار تؤيد ما يقوم به جيش الاحتلال في غزة. احتفى المركز على صفحته الرسمية على اكس بالحوار وذكر أنه "مقابلة رائعة مع باحثة مصرية".

وهذه أيضا ناشطة سعودية لا تجد حرجاً في الإطلالة من شاشة قناة "كان" الإسرائيلية مع الصحفي الصهيوني "روعي كيس" دعت خلالها إلى تكثيف التعاون الاقتصادي والتجاري مع دولة الاحتلال وقالت: "إسرائيل ليست عدوتنا"!

ناشط سعودي تجول في مدينة القدس بالقرب من المسجد الأقصى في زيارة قام بها لإسرائيل ضمن عدد من الصحفيين العرب حسبما ورد في موقع “بي بي سي” في 7 أغسطس 2019.

نماذج كثيرة أدت للحالة المتردية الحالية وعلو صوت المتصهينين من كافة الدول العربية إلى حد أن مسؤول الأخبار في قناة “إم بي سي” في بوست نشره على “إكس”، يلقي بمسؤولية الإبادة الجماعية لغزة على حماس التي هي حركة تحرير لأرض مغتصبة، وسط مدينة محاصرة منذ سنوات طويلة لدرجة وصفها من صهاينة تل أبيب أنفسهم بأنها سجن كبير ثم تحولت في الحرب الحالية إلى مقبرة جماعية.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.