غزة بعد الحرب.. سيناريوهات معقدة وفوضى المستقبل تحيط بالقطاع

ذات مصر

لم تتضح بعد معالم المستقبل الذي ستكون عليه غزة بعد الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي؛ فقبل هذا التاريخ كان الوضع الخطير مألوفًا بالنسبة للفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال الإسرائيلي، غير أن عملية طوفان الأقصى، حطّمت ذلك الوضع لاسيما بعد رد الفعل الذي أثارته العملية.

ومع اشتداد وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة، تتزايد النقاشات حول مستقبل القطاع بعد انتهاء الصراع، في صعوبة التوافق على صيغة محددة لمصير القطاع المحاصر، الذي يسكنه نحو 2.3 مليون نسمة نزح معظمهم نحو الجنوب جراء اشتداد العدوان الإسرائيلي.

ومع استمرار الجهود الداعية إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى إيقاف الحرب في غزة، تبرز التساؤلات حول شكل الحكم في القطاع، ومستقبل حماس، وعن إمكانية تأدية السلطة الفلسطينية دورًا في غزة بعد الحرب، وتدخلات إسرائيل في تشكيل السلطة هناك.

عودة السلطة الفلسطينية لغزة

أحد المسارات التي انتشرت إعلاميًا منذ بداية الحرب، تمثل في استعادة السلطة الفلسطينية، التي تدير الضفة الغربية، سيطرتها على القطاع؛  قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد إشتيه، إنه يرى أن من الأفضل أن تصبح حماس، التي تدير القطاع الآن، شريكًا أصغر لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يساعد على تحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة.

من جانبه، قال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في مقابلة مع وكالة رويترز: "أنا مع المفاوضات، وأن يكون هناك مؤتمر دولي للسلام برعاية دولية يقود إلى حل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشريف بحماية دولية".

تهجير الفلسطينيين

ويبرز مسار ثانٍ، أحدث جدلًا واسعًا، وهو تهجير الفلسطينيين إلى مصر أو دول أخرى، وهو مسار أثاره مشرعون إسرائيليون رغم أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قال إن الحرب في غزة تهدف إلى القضاء على حماس وليس طرد الفلسطينيين.

لكن الولايات المتحدة عبرت في مناسبات عدة عن رفضها تهجير الفلسطينيين أو إعادة احتلال القطاع، وعبرت مصر والأردن بشدة على رفضهما هذا المقترح، أو أي حل يهجر الفلسطينيين خاصة لو كان على حساب بلديهما.

مسار نتنياهو

منذ بداية الحرب لم يوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطته لليوم التالي للحرب، بينما يرى معارضوه الذين يتهمونه بالفشل الأمني والاستخباراتي الذي جعل هجوم حماس في 7 أكتوبر ممكنًا، أن خطة نتنياهو الحقيقية الوحيدة هي البقاء في السلطة وتجنب الإدانة بتهم الفساد الخطيرة التي يواجهها.

وبعد أكثر من شهرين على بداية الحرب، قال نتنياهو إنه سيقيم إدارة مدنية في القطاع لا تشكل أي خطر على إسرائيل، مشددًا على أن غزة ستبقى تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية بعد الحرب.

وأضاف نتنياهو أنه الوحيد القادر على إبقاء القطاع تحت السلطة الأمنية الإسرائيلية، وسيمنع إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، مجددًا التأكيد على أنه لن يسمح للسلطة الفلسطينية بالعودة للحكم في قطاع غزة بأي حال من الأحوال.

كما أفادت هيئة البث الإسرائيلية، نقلا عن نتنياهو، أن خطته هي إقامة منطقة عازلة بين غلاف غزة وقطاع غزة والسيطرة على محور فيلادلفيا (صلاح الدين) بين القطاع ومصر.

ورفض نتنياهو خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن لاستبدال حماس بالسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، قائلًا إنه لا يمكن الوثوق بالسلطة الفلسطينية وأنها تدعم الإرهاب، على الرغم من أنها تعترف بإسرائيل وتتعاون معها في المجال الأمني.

تشير تصريحات نتنياهو حول ما سيحدث بعد الحرب، على افتراض أن إسرائيل قادرة على إعلان النصر، إلى إعادة احتلال غزة، فيما لم يقدم مزيدًا من التفاصيل حول المنطقة العازلة التي أعلنها في خطته.

وجود أمني

يشكل التنبؤ بنتائج الحرب تحديًا كبيرًا لأن أهداف إسرائيل لا تزال غامضة، كما تنقل شبكة "إن بي سي نيوز" عن زميل لبرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ناثان براون.

وأشار براون إلى أن إسرائيل سيكون لها وجود أمني مستمر في غزة، مضيفًا أن "الأمر لا يتعلق بتصور حكم غزة عندما ينسحب الإسرائيليون، لأنهم لا يتحدثون عن أي انسحاب"، مشيرًا إلى أنه من المرجح أن يكون لدى غزة بعد الحرب نقاط تفتيش عسكرية لمراقبة حركة البضائع والأشخاص.

من جهة ثانية، قال مسؤولون إسرائيليون إنّهم لا يرغبون أن تكون غزة تحت الحكم الإسرائيلي، فيما عبر مسؤولون آخرون عن نواياهم في إنشاء "منطقة عازلة" شديدة التحصين في شمال غزة لحماية إسرائيل من أي هجمات مستقبلية.

كما رأى براون أنه لا توجد بدائل مشروعة تكون مقبولة لإسرائيل تنطوي على عدم وجود قواتها على الأرض.

سيناريو حماس

وفي ظل الوضع الراهن في القطاع والقصف المتواصل لقوات الاحتلال، يبقى سيناريو انتصار حماس في تحقيق أهدافها بفضل المقاومة الشرسة لكل القوى الموجودة في القطاع وليس مقاتلي كتائب عز الدين القسام وحدهم، فهناك أيضًا نجاحات كبرى لمقاتلي حركتي سرايا القدس والجهاد الإسلامي.

انتصار حماس يبدو احتمال وارد بقوة، وهنا قال الكاتب "بول روجر" في مقاله بصحيفة الجارديان البريطانية، إن أهداف إسرائيل في غزة ستفشل، وستبرز حماس إما في شكل مختلف أو أكثر قوة، ما لم تعثر على طريقة ما للبدء في المهمة الصعبة للغاية المتمثلة في جمع الطوائف مع بعضها البعض.

هنا يبدو سيناريو انتصار حماس واردًا، وأن أهدافها بإحياء القضية الفلسطينية داخليًا وخارجيًا وزيادة الغضب ضد الاحتلال، بالإضافة إلى إطلاق سراح آلاف الأسرى قريبًا، وظهر ذلك جليًا في الدعم الشعبي الدولي الذي حصلت عليه حتى في الدول المحسوب عليها الاحتلال.

خطة حماس تبدو قريبة من التنفيذ بعد التصريحات العديدة من داخل دولة الاحتلال بفشل نتنياهو وحكومته في مهمتهم المعلنة، وعدم قدرتهم مع الاقتراب من 70 يومًا من الحرب سوى على تحرير جثتي رهينتين، وعدم الإضرار بقوى المقاومة، بالإضافة إلى تدمير مئات الآليات العسكرية، ومقتل وإصابة المئات من الجنود الإسرائيليين.

إعادة إعمار غزة

وفي مسار آخر، نقلته شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية عن خبراء، وهو أن تقوم دول الخليج العربي بتمويل الجهود لإعادة بناء غزة، على أن تحتفظ قوة حفظ سلام دولية بالإشراف على الأمن خلال الإعمار والإدارة.

وقالت مديرة حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط، رندة سليم "سيعيشون في الخيام، هكذا سيكونون، لن يكون هناك ماء، ولا كهرباء، ولا رعاية صحية.. غزة ستتحول إلى مدينة خيام"، وفقًا لما أوردته الشبكة.