فراج إسماعيل يكتب: أزمة البحر الأحمر

ذات مصر

"رجل عليه بلاطة ما حصلتش".. بهذه العبارة وصف الرئيس الراحل حسني مبارك، اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي عالمي، رافضاً الجلوس معه.

ذلك وصف صحيح لحاكم إسرائيلي هو الأكثر تطرفاً وتعصباً منذ تأسيسها. هذا البولندي الأصل يكره الهواء النقي ويعادي السلام ولا يطيق إلا أفران الغاز التي تخنق حياة الناس كما حرق فيها النازي اليهود، ولا يشعر بالراحة إلا بانتشار الجنازات بين شعبه.

قرر أن يقتل الأسرى بدلا من إعادتهم أحياءً لعائلاتهم، ويتوهم بأن القوة المفرطة كفيلة بتخليصهم، رغم قتله ثلاثة أسرى كانوا يرفعون الأعلام البيضاء ويطلبون بالعبرية إنقاذهم.

أزمة منع الحوثيين مرور السفن المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، أزمة عالمية يتحمل مسؤوليتها نتنياهو الذي يرأس حكومة الطواقي بالغة التطرف والتعصب الديني.

وكالة رويترز نسبت لرئيس هيئة قناة السويس أن 55 سفينة تم إعادة توجيهها إلى رأس الرجاء الصالح منذ 19 نوفمبر، ما يعني أن حركة المرور في القناة تأثرت، والشركات العالمية ستتحمل تكاليف مضاعفة، تخسر بسببها الكثير، وترتفع على إثرها أسعار  التأمين والخدمات والبضائع.

لاءات نتنياهو وحكومة الطواقي ستخلق أزمات خانقة أخرى، وسيحبس العالم أنفاسه مع كل "لا" جديدة يرددونها في مؤتمراتهم الصحفية.

الآن نحن أمام "لا" لأوسلو و"لا" للسلطة الفلسطينية و"لا" لحل الدولتين. نتنياهو في آخر مؤتمر صحفي يؤكد أنها أخطاء سابقيه وسيتراجع عنها. 

ولو تُرك بدون لجام يوقفه، سيقول "لا" لاتفاقية كامب ديفيد مع مصر، وأن إعادة شبه جزيرة سيناء لها خطأ.. ويجب على القاهرة ألا تستبعد يوماً كهذا. 

من المؤكد أنها تعرف تأثير أزمة المرور في البحر الأحمر على اقتصادها، كون قناة السويس أحد المصادر الرئيسة للعملة الصعبة.

ماذا في يد القاهرة لتفعله؟!

رؤيتي الشخصية أن في يدها "أوراقاً" لم تستخدمها. فإذا كان رئيس حكومة إسرائيل "البلاطة" يجهل قيمة السلام لشعبه وقيمة معاهدة كامب ديفيد وكل معاهدات السلام التي أعقبتها بما فيها أوسلو واتفاقات إبراهام أو إبراهيم، فعلى القاهرة إعادة راعية إسرائيل "واشنطن" إلى عقلها المختطف، ولا يجب أن يعوقها حجم ديونها عن تلك الخطوة الضرورية.

مصر لم تستدع على الأقل سفيرها في تل أبيب، وقد فعلت ذلك سابقا. ولنفترض أنها تجاوزت تلك المرحلة، وذهبت إلى ما هو أبعد، ونفذت التهديد الذي ذكره موقع أوكسيوس الأمريكي النافذ، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في حالة إجبار الفلسطينيين على النزوح لسيناء.

إجراء من شأنه تهديد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط التي تضحي بها بتأييدها الأعمى للعدوان الصهيوني الهمجي. 

كل الاتفاقيات والعلاقات العبرية العربية ستصبح كأن لم تكن إذا عادت مصر لقيادة العداء التاريخي ضد الاحتلال الإسرائيلي.

لاءات نتنياهو وحكومة الطواقي يمكن أن تقابلها لاءات من القاهرة لأنها تتأثر بحرب غزة بشدة، كتأثير أزمة المرور في البحر الأحمر على قناة السويس، رغم قول الحوثيين بأنها تستهدف فقط السفر المتوجهة للكيان، وأن المرور آمن لغيرها.

الحروب والأزمات كالأواني المستطرقة. تنتقل إلى كل الإقليم وإلى خارجه، ومن ثم أعلنت عدة شركات بحرية تجميد حركتها في البحر الأحمر.

قالت صحف عبرية مع بداية تلك الأزمة إنها ستؤثر على مصر أكثر من غيرها. قد يكون ذلك صحيحاً لو توفر بديل لهم. وهنا نشير إلى مزاعم عن خط بري بديل عن الخط البحري يمتد من دبي إلى السعودية والأردن فإسرائيل لنقل البضائع إليها.

الأردن نفى تلك المزاعم عبر مصادر في وزارتي النقل والصناعة والتجارة تحدثت لوكالة الأنباء الرسمية. 

موقع "والا" الخبري العبري ذكر أن دفعة أولى من الشحنات التجارية وصلت إسرائيل عبر جسر بري جديد يمتد من الإمارات، ويمر عبر السعودية والأردن وصولا إلى ميناء حيفا. 

الجسر يخفف أعباء إسرائيل، ويخرق الحصار الحوثي، حسب الموقع العبري الذي تابع بأن المراحل التجريبية توجت بالنجاح، مشيراً إلى أن عشر شاحنات وصلت من موانئ الخليج العربي إلى إسرائيل.

إذا خفف الخط البري المزعوم عن إسرائيل عقب خلو ميناء حيفا لأول مرة من السفن، فإن أزمة البحر الأحمر ستخنق العالم وتدخله في موجات غلاء لا مثيل لها منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في ثلاثينيات القرن الماضي وهي الأشد في القرن العشرين.

يتحمل المسؤولية نتنياهو بحماقته وتطرفه الشديد، ومعه الوزيران اللذان طالب بايدن بتغييرهما، وزير المالية المتطرف جدا بتسلئيل سموتريش، ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير الذي قاد في أوقات سابقة هجمات المتطرفين على المسجد الأقصى، ووصفت "هآرتس" نجاحه في انتخابات الكنيست بأنه "يوم أسود في تاريخ إسرائيل" وقد حصل ذلك لاحقاً.

خطاباته عنصرية تحريضية على الدوام. أدانت أمريكا بشدة تصريحه بأن حقوقه في الضفة الغربية أكثر من حقوق الفلسطينيين. وعن مفاوضات مبادلة الرهائن قال إن الشيء الوحيد الذي يجب أن يدخل قطاع غزة هو مئات الأطنان من المتفجرات من سلاح الجو الإسرائيلي.

سموتريش هو الآخر استخدم في مارس الماضي خلال فعالية في باريس خريطة لدولة إسرائيل تضم المملكة الأردنية والأراضي الفلسطينية.

نرى هذين الوزيرين وآخرين معهم يرتدون الطاقية اليهودية ويرددون سخافات تدمر العالم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

حكومة لا تختلف عن سلوك داعش المتعصب، بل إنها داعش اليهودية التي تقود دولة حليفة لواشنطن مدججة بأسلحة الدمار، وتدعمها بكل أنواع الدعم السياسي والمالي والعتاد العسكري، على حساب مصالحها ومصالح العالم.

الجيش الصهيوني يلقى ضربات متتالية في غزة، ويفقد قتلى كل يوم، حتى إن قائد لواء جولاني السابق اعترف بخسارة اللواء ربع قواته في غزة منذ بدء التوغل البري، ورغم ذلك فحكومة الطواقي تتحدث عن حرب تستمر شهوراً لاقتلاع حماس، وتوسعها بضرب محيط دمشق يوم السبت بدون مبرر، اعتماداً على خط الدعم الأمريكي المفتوح. 

الاقتصاد الإسرائيلي معطل تماماً حالياً.. العاملون فيه يقاتلون في غزة، والشيكل يواجه انهيارًا مستمرًا.

نعود للقاهرة وقدراتها الكامنة التي يجب استخدامها حمايةً لمصالحها الاقتصادية والسياسية، فإذا كانت واشنطن تعتبرها من الشركاء وتهتم بعدم توسعة الصراع، فعليها إدراك أهمية الدور المحوري لمصر والحفاظ عليه، وأن الديون لن تكون مانعاً لإنعاشه. 

إذا اشتدت الأزمة الاقتصادية العالمية فلا ديون أو استحقاقات.