عشائر مسلحة وحكومة تكنوقراط.. مسارات تنتظرها غزة بعد انتهاء الحرب

ذات مصر

بعد 88 يومًا من اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، ورفضه الدائم للحديث عن تصوراته وخطته لليوم التالي لانتهاء الحرب على القطاع، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي نيامين نتنياهو، الحديث عن سيناريو تسيطر فيه "عشائر وجهات محلية" على قطاع غزة.

ومنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، برزت الكثير من المسارات وتباينت التوجهات بشأن اليوم التالي للحرب، غير أن جيش الاحتلال لم تكن له رؤية واضحة بهذا الشأن، فكل ما كان يتصدر حديثه بشأن الحرب هو القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتدمير قدراتها عسكريًا وسياسيًا.

حكم العشائر

في آخر تصريح له، أمس الاثنين، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن خطة للجيش الإسرائيلي تتضمن تقسيم غزة إلى مناطق تحكمها العشائر، وتتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، الجمعة الماضية، إن نتنياهو، الذي يرفض إجراء مناقشات بشأن "اليوم التالي" لانتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، طلب الأسبوع الماضي، من مسؤولي الأمني معرفة ما إذا كانت هناك قوى محلية في قطاع غزة يمكن التعاون معها واستخدامها.

وأشارت إلى أن نتنياهو طلب من أجهزة الأمن بحث ما إذا كان بإمكان إسرائيل "تعزيز مكانة عشائر مسلحة وجهات محلية ودعمها، حتى يمكنها السيطرة على القطاع".

وبحسب الخطة، "سيتم تقسيم القطاع إلى مناطق ونواحي، حيث ستسيطر كل عشيرة على ناحية، وستكون مسؤولة عن توزيع المساعدات الإنسانية"، وفق ما ذكرته قناة "كان" التابعة لهيئة البث الإسرائيلي الرسمية، مساء أمس الاثنين.

ونقلت القناة نتنياهو قوله إنه "لا جدوى من الحديث عن السلطة الفلسطينية كجزء من إدارة غزة، طالما أنها لم تخضع لعملية تغيير جوهرية"، مضيفًا: "إذا كانوا جادين في التغيير، فليثبتوا ذلك أولًا في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة الغربية)".

وكان نتنياهو أكد، في أكثر من مناسبة، رفضه إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستتولى إدارة الملف الأمني في القطاع، على الرغم من دعم الولايات المتحدة لحكم السلطة الفلسطينية في غزة.

في المقابل، اعتبر مسؤولون سياسيون ومختصون في الشأن الإسرائيلي، أن هذا المسار لا سبيل لنجاحه أو حتى تطبيقه في قطاع غزة، متهمين نتنياهو بأنه يلجأ إلى "المناورة" هربًا من أي استحقاقات سياسية تجاه الشعب الفلسطيني من ناحية، وسعياً لإرضاء الإدارة الأمريكية التي طالبته برؤية عن اليوم التالي للحرب من ناحية أخرى.

مسار فوضوي

ويحذر المفكر الإسرائيلي مايكل ميلتسن، من نقل السلطة في غزة إلى عشائر مسلحة، معتبراً أن "مجالس القرى التي شكلتها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أثبتت فشلها، ورفضها الفلسطينيون بل وحاربوها".

ونقلت القناة 12 الإسرائيلية، الجمعة، عن ميلتسن، أن: "معظم المقترحات المطروحة بشأن هذا الموضوع تمثل تحدياً لإسرائيل، وفي هذا السياق يعاد طرح تجديد عشائر مسلحة تحل محل (حماس) في فرض النظام، والمثال الأبرز لذلك هو التجمعات القروية التي تشكلت في المناطق بمبادرة من أرئيل شارون في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، ونفرها الجمهور الفلسطيني حتى تلاشت".

وقال المفكر الإسرائيلي إن "مثل هذا النموذج مآله الفشل، وأن أهل غزة سيتعاملون مع مثل هذا الكيان بغلظة، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور نموذج فوضوي مثل ما حدث في سوريا وليبيا والصومال".

ورأى أن النموذج الأمثل الذي يجب أن تفكر فيه إسرائيل، هو "حكومة مدنية فلسطينية محلية في غزة تعتمد على رؤساء البلديات والعشائر والنقابات المهنية والجامعات، بالإضافة إلى رجال الأعمال والشيوخ، وتعمل على توفير الخدمة المدنية وفرض النظام العام، بينما تكون إسرائيل هي المسؤولة عن الأمن في القطاع".

وأشار ميلتسن، إلى أن "هذه الحكومة المدنية يجب أن ترتبط ارتباطاً كلياً بحكومة رام الله المركزية".

عودة السلطة الفلسطينية

المسار الذي طرح منذ بداية الحرب، هو عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة، وهو السيناريو الذي ترفضه إسرائيل وتدعمه الولايات المتحدة.

وأبدت السلطة الفلسطينية استعدادها لهذا المسار، ورأى رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد إشتيه، أن من الأفضل أن تصبح حماس، التي تدير القطاع الآن، شريكًا أصغر لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يساعد على تحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة.

وفي السياق ذاته، قال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في أكثر من مناسبة، إن السلطة الفلسطينية مستعدة لإدارة قطاع غزة، مشيرًا إلى أنه يؤيد المفاوضات، وأن يقوم المجتمع الدولي برعاية عملية سلام تُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشريف بحماية دولية.

المقترح المصري

وفي إطار جهودها المتسارعة لإنهاء الحرب على غزة، قدمت مصر مقترحًا يتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وتبادل الأسرى والسجناء، وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية.

ونصت المبادرة المصرية على وقف الحرب على قطاع غزة، لكن على ثلاث مراحل تتضمن صفقات لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية، وتنتهي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.

لكن المقترح الأخير من المبادرة المصرية، أثار رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ لتجاهل المقترح منظمة التحرير الفلسطينية عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة فلسطينية من الكفاءات بعد انتهاء الحرب.

وأصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بياناً، أكدت فيه رفضها تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة الضفة وغزة بعيداً من إطار مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وذكرت اللجنة من دون الإشارة إلى المقترح المصري، أنها قررت تشكيل لجنة من أعضائها لمتابعة ما يترتب من أخطار تمس مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه.

لكن القاهرة، طمأنت رام الله بأن مقترحها المتداول ليس نهائيًا ولا يزال في مرحلة الإعداد. وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، إن "كل ما يتعلق بموضوع الحكومة الفلسطينية، هو موضوع فلسطيني محض وهو محل نقاش بين كل الأطراف الفلسطينية".

ونقلت وكالة رويترز، عن مصدرين أمنيين في مصر، أن حركتا حماس والجهاد، رفضتا اقتراحا مصريا بترك السيطرة على قطاع غزة، مقابل وقف دائم لإطلاق النار.

وأكدت حماس مرارًا أنها لن تتفاوض مع الاحتلال دون وقف تام لإطلاق النار.

ولم يصدر عن الحكومة الإسرائيلية موقفًا رسميًا في هذا الشأن.

ويرى محللون أن كل السيناريوهات التي يطرحها نتنياهو وحكومته، سيكون مصيرها الفشل، مشيرين إلى أن إسرائيل كانت تحكم غزة سابقًا، لكن الاستهداف اليومي لقواتها دفعها للانسحاب وترك إدارة القطاع للفلسطينيين.