المقاتلون الأجانب في غزة.. «مرتزقة الإرهاب» الجدد في الشرق

ذات مصر

آلاف من المرتزقة يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي من جنسيات مختلفة، بينما تزايدت أصوات دولية بضرورة محاكمتهم على الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وسط صمت غربي وأمريكي ما فتح المجال أمام مقاتلي إسرائيل الأجانب للتشبيه بينهم وبين مقاتلي "داعش".

ومنذ قيامها على أرض عربية محتلة ظلت إسرائيل تعتمد على المرتزقة الأجانب الذين يأتون إليها بهدف الانتقام أو جني المال مقابل القتل، فيما تنشط منظمات حقوق الإنسان ضد استخدام المرتزقة للقتل لحساب من يدفع لهم.

وتعمل المنظمات اليهودية في أوروبا وغيرها من أجل إقناع المدنيين بالالتحاق بالجيش الإسرائيلي وجعلهم في الصفوف الأمامية في محاربة الفلسطينيين.

لكن التساؤلات تتلاحق حول صمت الدول الغربية وحكوماتها عن هؤلاء المرتزقة أو "المقاتلون الأجانب" الذين يعملون لخدمة إسرائيل وأوكرانيا، وتشبه في عملها المنظمات في الشرق الأوسط المدعومة إيرانيًا، والتي تطلق عليها هذه الدول نفسها، أنها "منظمات إرهابية".

وليس جديدًا أن تستعين إسرائيل بمرتزقة من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وروسيا وأوكرانيا والعشرات من دول العالم؛ فمنذ بواكير نشأتها عام 1948 كان المرتزقة هم عماد الجيش الإسرائيلي، غير أن هذه المرة بدأت أصوات الإدانات تعلو بسبب الحجم الهائل للجرائم المرتكبة في غزة مقارنة بأي حرب سابقة.

4 آلاف يورو أسبوعيًا

ولم يخف المتحدث العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، في 7 ديسمبر الجاري، الشكوك حول استعانة الجيش الإسرائيلي "بمرتزقة في عدوانه على قطاع غزة"، مستدلا بالفارق بين عدد القتلى الذين يسقطون في القتال مع مقاتليهم وما يعلنه الجيش الإسرائيلي.

وقال أبو عبيدة: "أعداد الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في المواجهات أعلى بكثير من الأعداد التي اعترف بها الاحتلال".

ولم يقف الأمر عند شكوك كتائب القسام في وجود مقاتلين أجانب ومرتزقة في ميادين الحرب في غزة، إذ وصل الأمر إلى مطالبات في البرلمان الفرنسي بمحاسبة الفرنسيين مزدوجي الجنسية الذين يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي.

وفي جنوب إفريقيا، خطت حكومتها خطوة متقدمة وجريئة، حيث هددت مواطنيها والمقيمين من المشاركين بالقتال في صفوف الجيش الإسرائيلي بالملاحقة القضائية.

وحكومة جنوب إفريقيا، هي الوحيدة التي أعلنت رسميا ملاحقة مواطنيها الذين يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما يؤكد ضمنا وجود مرتزقة من هذا البلد الأفريقي يقاتلون حماس في غزة، ومع ذلك التزمت تل أبيب الصمت، دون نفي أو تأكيد.

لكن تحقيقًا نشرته صحيفة "إلموندو" الإسبانية والذي تضمن مقابلة مع مرتزق إسباني في الجيش الإسرائيلي، كان أبرز دليل على استعانة تل أبيب بجيش صغير من المرتزقة، مقابل نحو 4 آلاف يورو في الأسبوع الواحد، قابلة للزيادة حسب المهام الموكلة لكل مرتزق، أكدته شبكة "أوروبا1" الفرنسية.

حملات تجنيد

وحسب إلموندو، تعاقدت إسرائيل مع شركتي التعهد الأمني "ريفن" و"جلوبال سي إس تي"، اتهامات حول "جلوبال سي إس تي" وضلوعها في الاتجار غير المشروع بالأسلحة، فضلًا عن الارتزاق.

ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن منظمات ترتبط بشكل مباشر بجماعات يهودية ومسيحية يمينية داخل أوروبا، تقوم بتنظيم مشاريع وحملات لدعوة الأوروبيين للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وكذلك للانضمام إلى حملات دعم عمليات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وبحسب بيانات حرب عام 2014، ينضم كل عام ما بين 800 و1000 متطوع أجنبي، أي مقاتلين غير إسرائيليين، إلى الجيش الإسرائيلي.

ووفقا لبيانات قوات الدفاع الإسرائيلية حينها، يوجد ما مجموعه 4600 متطوع أجنبي في صفوف القوات الإسرائيلية، بالإضافة إلى عديد من مزدوجي الجنسية من جميع أنحاء العالم، سواء في الخدمة الفعلية أو الاحتياطية.

وتعتمد إسرائيل في التعاقد مع هؤلاء المقاتلين الأجانب والمرتزقة على متعهدين أمنيين يعملون بشكل خاص، من أبرزهم شركة "جلوبال سي إس تي" المحلية.

وتُتَّهم العناصر المرتزقة التي تعمل لهذه الشركة بارتكابها جرائم ضد الإنسانية في النزاعات التي شاركت فيها بأمريكا اللاتينية وأوسيتيا الجنوبة وأفريقيا.

آلاف المرتزقة الفرنسيين

وجاء في تقرير نشرته شبكة "أوروبا1" الفرنسية، أن نحو 4 آلاف و185 من مزدوجي الجنسية الفرنسية مجندون في الجيش الإسرائيلي للقتال في صفوفه على جبهات القتال في غزة.

ووثق التقرير شهادة مرتزق فرنسي يهودي يدعى إيثان (22 سنة) التحق بالجيش الإسرائيلي قبل سنتين، ويقاتل حاليا في الخطوط الأمامية بقطاع غزة برتبة رقيب أول في قوات النخبة.

وذكر التقرير أن المرتزق الفرنسي "واحد من نحو 4185 جنديًا من الجنسية الفرنسية تم حشدهم على الجبهة (غزة)، وهي الجنسية الأجنبية الثانية الممثلة بعد الولايات المتحدة".

ووصلت أصداء هذا التقرير إلى قبة البرلمان الفرنسي، حيث طالب النائب توماس بورتس، عن حزب "فرنسا الأبية" اليساري، بمحاسبة هؤلاء المجندين مزدوجي الجنسية، وإدانة مشاركتهم في جرائم الحرب بأكبر قدر من الحزم".

كما طلب من وزير العدل "تقديم الأشخاص الذين يحملون الجنسية الفرنسية، بما في ذلك مزدوجي الجنسية، المدانين بارتكاب جرائم حرب، إلى العدالة الفرنسية لتتم محاكمتهم على الأراضي الفرنسية".

ووفق المرصد الأورو المتوسطي لحقوق الإنسان، الذي يوجد مقره في جنيف، "هناك برامج في إسرائيل تسمح لأي شخص يهودي للخدمة في الجيش"، بغض النظر عن جنسيته الأصلية.

لكن ليس وحدهم يهود الشتات من يسمح لهم بالقتال في صفوف الجيش الإسرائيلي، بل يوجد أيضا مرتزقة من ديانات مختلفة تم تجنيدهم مقابل المال، وفق شهادات وتقارير.

صمت غربي وإسرائيلي

ورغم تقارير كثيرة وثقت مشاركة مرتزقة أجانب في الجيش الإسرائيلي، سواء في الحرب الحالية أو الحرب التي قبلها، في قوات الجيش المختلفة، وأكدت تقارير إعلامية كثيرة سقوط مرتزقة في حرب 2014 على غزة، غير أن حكومات الغرب ومن خلفها إسرائيل لا تزال صامتة ولا تقدم إحصائيات واضحة عن أعداد المرتزقة أو المقاتلين الأجانب.

ويحمل مصطلح "المقاتلين الأجانب" مضامين عدم الشرعية وفق الأعراف الدولية. وفي عام 2001، شُحن "المقاتلون الأجانب" التابعون لتنظيم القاعدة إلى مراكز الاعتقال في جوانتانامو بكوبا، لأنهم كانوا يعدون أشخاصا ذوي خطورة بالغة و"مقاتلين أعداء لا يسمح لهم بالقتال".

يذكر أن الرقابة الإسرائيلية لا تمانع من أن يدلي مقاتلوها الأجانب "بتصريحات محسوبة" للإعلام الأجنبي، ما دام أن ذلك يصب في مصلحتها، بهدف تشجيع المرتزقة للالتحاق بجيشها إما من أجل المال أو بسبب العصبية الدينية.

ووفقًا لبيانات وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن "80% من الجنود الوحيدين (من غير عائلات) أتوا بمفردهم و20 بالمئة منهم يهود"، وهو ما اعتبره فسلم وثائقي لقناة الجزيرة، أن النسبة الأكبر من الجنود الأجانب "مرتزقة".

وتستفيد دولة الاحتلال من الاستعانة بمقاتلين الأجانب، في تقليص عدد القتلى "الرسميين" في صفوف جيشها، ما يساعدها على تجنب التأثيرات السلبية للأرقام الحقيقة على الشارع الإسرائيلي.

كما أن الاستعانة بهؤلاء يسمح بتسريح عدد أكبر من جنود الاحتياط للعودة إلى وظائفهم المدنية وتقليل الخسائر الاقتصادية، بينما يمكن تغطية النفقات على المرتزقة عبر المنح السخية للولايات المتحدة الأمريكية ولتبرعات يهود الشتات حول العالم.