أزمة الدولار بين «مسكنات الحكومة» والانفجار.. من ينتصر في المعركة؟

ذات مصر

صباح يوم الجمعة الماضي تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في الموازية (السوداء) إلى نحو 55 جنيهًا في التعاملات الصباحية، وسط حالة من توقف التعاملات في السوق الموازية.

ويبلغ سعر الدولار في السوق الرسمي 30.93 جنيها، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، فيما يتراوح سعره الآن في السوق الموازية ما بين 55 و57.

والخميس الماضي، توقفت تعاملات السوق في ظل التوقعات بـ"تعويم" وشيك في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وظل السوق مترقبًا حتى صدور البيان لجنة السياسة النقدية الصادر عن الاجتماع المجدول سابقًا، وقد اكتفى برفع الفائدة 2% من دون الإشارة إلى أية إجراءات أخرى على صعيد السياسة النقدية مما أدى إلى توقف تعاملات السوق الموازية بصورة شبه كاملة.

وبدأ الجنيه يصعد مقابل الدولار بداية تعاملات الجمعة، وبلغ سعر الدولار أدنى مستوياته الأحد عند 51 جنيهًا، بحسب متعاملين في السوق قبل أن يرتفع اليوم إلى 57 جنيهاً.

مفاوضات صندوق النقد

ويأتي هذا التأرجح، وسط مفاوضات مستمرة بين مصر وصندوق النقد الدولي لزيادة قيمة القرض المتفق عليه في ديسمبر 2022 من 3 مليارات دولار إلى ما قد يزيد على 10 مليارات دولار وفق أنباء متداولة.

وقال صندوق النقد الدولي، في بيان، يوم الجمعة الماضية، إنه اتفق مع مصر على عناصر السياسة الرئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مؤشر آخر إلى أن الاتفاق النهائي لزيادة القرض على وشك الاكتمال، وفقا لوكالة رويترز.

وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، إيفانا فلادكوفا هولار إن الجانبين حققا "تقدما ممتازا" في المناقشات حول حزمة سياسات شاملة قد تبدأ معها مراجعات طال انتظارها لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في البلاد.

وأضافت هولار في بيان: "لتحقيق هذه الغاية، اتفق فريق صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية على عناصر السياسة الرئيسية للبرنامج. وأبدت مصر التزامها القوي بالتحرك بسرعة بشأن جميع الجوانب المهمة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر".

وعلّق الصندوق صرف حصص القرض العام الماضي بعدما ثبتت مصر سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في مارس وعدم الوفاء بتعهدها بالسماح لقوى السوق بتحديد سعر صرفه.

وقالت هولار، التي اختتمت زيارة للقاهرة استمرت أسبوعين، إن المناقشات ستستمر افتراضيا في الأيام المقبلة "لتحديد حجم الدعم الإضافي اللازم للمساعدة في سد فجوات التمويل المتزايدة في مصر من صندوق النقد الدولي وغيره من شركاء التنمية الثنائيين والمتعددي الأطراف في سياق أحدث الصدمات".

وخفضت مصر سعر صرف الجنيه 3 مرات منذ مارس 2022، من متوسط 15.7 أمام الدولار الواحد.

الاحتياطي النقدي

وأمس الاثنين، أعلن البنك المركزي المصري، بيع أذون خزانة دولارية لأجل عام بقيمة 1.061 مليار دولار في عطاء بمتوسط عائد 5.149%. وتحل أذون الخزانة هذه محل أوراق مستحقة بقيمة 1.07 مليار دولار لأجل عام وكان عائدها 4.90%.

وقال البنك المركزي المصري إن صافي الاحتياطيات الأجنبية في البلاد ارتفع من 35.22 مليار دولار في ديسمبر إلى 35.25 مليار دولار في يناير.

زيادة النقد الأجنبي

وأمس أيضًا، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن الحكومة تعمل حالياً على إجراءات من شأنها ضخ سيولة نقدية كبيرة في سوق النقد الأجنبي، بما يسهم في حل كثير من المشكلات التي ظهرت بسبب أزمة شح الدولار، وأهمها نقص وارتفاع أسعار بعض السلع والمنتجات الأساسية.

وأشار مدبولي إلى أن الحكومة تسعى لتوفير المزيد من العملة الصعبة المطلوبة، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لعدد كبير من القطاعات، بالإضافة إلى الخطوات الخاصة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما من شأنه الإسهام في توفير السلع والمنتجات بكميات وأسعار مناسبة، وتحقيق المزيد من الاستقرار والتوازن للسوق المحلية.

غير منظمّة

إلى ذلك، أشار خبراء في الاقتصاد إلى ان السوق غير الرسمية غير منظمة وتخضع لشائعات ونفسيات المتعاملين بالإضافة إلى العرض والطلب، ولا تعتمد على ما تعتمد عليه الأسواق الرسمية لتداولات العملة، وأن التراجع الكبير الذي حدث هو نتاج ارتفاع كبير "غير مبرر" في سعر العملة الأمريكية.

كما أشار كثيرون إلى أن السوق السوداء يتعامل فيه كثير من المضاربين بغرض الاكتناز لا الاستخدام وذلك للتحوط من التضخم أو انخفاض قيمة ما لديهم من أموال.

بالمقابل، بدأت الدولة في إجراءات بهدف التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي مؤخرًا للحصول على تمويلات أو بيع أصول لتوفير نقد يدخل السوق، فضلًا عن خطط التقشف التي أعلنتها الحكومة من خفض لقيمة الخطط الاستثمارية بنسبة 15% وعدم البدء في مشروعات جديدة واستكمال المشروعات التي اكتملت بنسبة 70%.

لكنّ الخبراء يحذرون من أنه إذا لم يتم ضخ أموال في السوق في خطوة تالية للارتباك الحادث فيه، قد تعود الورقة الخضراء إلى الارتفاع مجددا.

انخفاض في الطريق

على صعيد متصل، قال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، الدكتور فخري الفقي، إن سعر الدولار سيصل إلى 45 جنيهًا في السوق الموازية خلال الأشهر المقبلة.

وأوضح "الفقي"، في مقابلة متلفزة، مساء الاثنين، أن ارتفاع سعر الدولار جاء بسبب المضاربات غير المبررة في السوق الموازية، والمغالاة والشراء بنية إعادة البيع والحصول على فارق السعر.

وذكر أن هناك توقعات بضخ صندوق النقد الدولي وشركاء التنمية من 3 إلى 12 مليار دولار، لتأثر مصر بتداعيات الحرب في قطاع غزة.

وأشار إلى أن مصر ستتبع سياسة مرنة في سعر الصرف الفترة المقبلة وفق رؤية صندوق النقد الدولي، معلقا: "الدولار سينخفض لـ45 جنيها في السوق الموازية خلال الأشهر القليلة المقبلة، والأسعار ستكون ما بين 35 لـ40 جنيها".

مسكنات لا تجدي

تصريحات النائب البرلماني تلاقت مع العديد من الأنصار، لكن قابلها آراء أخرى، فيرى الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، أن مصر تحتاج إلى ما لا يقل عن 65 مليار دولار تتوزع كالتالي “20 مليار دولار، للدفاع عن سعر الصرف قبل إجراء التعويم، و25 مليارًا أخرى لسداد الديون (الآن)، فضلًا عن 20 مليارًا للمصانع المتوقفة”.

وشدد الخبير الاقتصادي في تصريحات عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، إلى ضرورة إجراء إصلاح هيكلي كامل، منوهًا إلى أن اتخاذ الحكومة خطوات مخالفة لذلك تعد حلولًا ترقيعية تؤجل الأزمة الحالية ولا تحلها.

وسيجرى التعويم بحزمة قرارات وظروف منها ضرورة توافر حصيلة دولارية تتمكن بها الدولة من الحفاظ على سعر الصرف، ويجب أن تكون معدلات الفائدة مرتفعة لإغراء حائزي الدولار للتنازل عنه للحصول على عائدات على الودائع وأدوات الادخار المحلية، وفقًا لمحللين.

كما أن التعويم يحدث بشكل مفاجئ لجذب التحويلات من خارج النظام المصرفي الرسمي، وفي هذه الحالة، يجب إقرار حزم اجتماعية لحماية الفئات الضعيفة من الموجة التضخمية المصاحبة لخفض سعر الصرف.