الطيب ومحمد بن زايد.. الود لا يعكره الاختلاف

ذات مصر

يتعرض شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لهجوم مستمر دائمًا بسبب قوة علاقاته الشخصية والمؤسسية مع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، لكن الإمام الأكبر لا يلقي بالًا أبدًا لتلك الانتقادات رغم الاختلافات الواضحة في عديد المواقف الدينية والقومية وغيرهما.

الإمام الطيب يقف على الطرف المخالف لما تحاول دولة الإمارات العربية تبنيها فهو يرفض بشكل قاطع لا شك فيه دعوتها حول «دين إبراهيمي» جديد يجمع الإسلام والمسيحية واليهودية في بوتقة واحدة تنهي الخلاف والصراع بينهما، بالإضافة إلى موقفه الداعم على طول الخط لقطاع غزة وأهله.

علاقة فريدة

يرتبط الأمام الأكبر، بعلاقة لا يعكر صفوها شائبة مع دولة الإمارات ورئيسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وكذلك يبادله الأخير الذي حرص على طبع قُبلة على جبين الشيخ الطيب في عام 2017 ليؤكد تقديره شخصيًا ودولته للأزهر مؤسسة وشيخًا.

لطالما أثيرت التساؤلات حول هذه العلاقة الفريدة من نوعها، فبعد خلاف حاد بشأن الدين الإبراهيمي الجديد التي تسعى الإمارات إلى ترسيخ فكرته وتقبله على نطاق واسع، عاد الطيب ليشارك في مؤتمر الأخوة الإنسانية، وهو وثيقة تدعو للسلام الإنساني في العالم كله، ووقعها الإمام الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس الثاني في فبراير عام 2019.

الدين الإبراهيمي 

منذ إعلان دولة الإمارات عن بنائها "البيت الإبراهيمي" في إطار الدعوة إلى "توحيد" الأديان جميعًا ، هاجم شيخ الأزهر الفكرة وعارضها، لاسيما وأنه ينظر إليها على أنها فكرة ضمن مبادرات التطبيع بعد اتفاق السلام الإبراهيمي الذي أُبرم في ضيافة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالبيت الأبيض في أغسطس 2020 بمشاركة وزيري خارجية الإمارات والبحرين وبرضاء سعودي، أعقبته مشاركة مغربية وسودانية في مسيرة التطبيع.

وجاء انتقاد شيخ الأزهر للدعوة إلى الديانة الإبراهيمية خلال احتفالية بيت العائلة المصرية، في نوفمبر 2021، بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس البيت عام 2011، وهو مؤسسة أُنشئت بعد ثورة يناير 2011، بقرار من رئيس الوزراء المصري عصام شرف وقتها، تضمَّن أن يكون البيت برئاسة شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومقره الرئيسي مشيخة الأزهر بالقاهرة، ويعمل على استعادة القيم العليا في الإسلام والمسيحية، ويهدف إلى الحفاظ على النسيج الوطني ومنع الفتنة الطائفية.

لكنّ حديث الطيب الذي تناول الموضوع لأول مرة، لم يذكر الإمارات بالاسم، وبحسب صفحة الأزهر على فيسبوك، جاء من أجل إيضاح ما كان يُعتقد أنه بحاجة إلى توضيح، أو التنبيه إليه، وقطعاً لما وصفها بالشكوك والظنون التي يُثيرها البعض، وردّاً على منتقدي التقارب والحوار بين الأديان بدعوى الترويج لديانة موحدة تسمى "الإبراهيمية".

وأكد شيخ الأزهر أن "اجتماع الخلق على دِينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة أمرٌ مستحيل، حيث يختلفُ الناس اختلافاً جذرياً، في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم".

واللافت أنه بعد هذه الانتقادات للديانة الإبراهيمية، أصدر المجلس الأعلى للأزهر برئاسة الطيب بياناً، أعرب فيه عن شكره وتقديره لدولة الإمارات والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على إتمام إنشاء مكتبة الأزهر الجديدة.

وأعرب الطيب عن سعادته بالحديث مع بن زايد، وتهنئته بفوز دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة قمة المناخ، ووصف الإمارات بأنها "جزء عزيز من القلب العربي والإسلامي، يسعد كل عربي بنجاحاته وتمثيله المشرف لوطننا العربي في المحافل الدولية".

الموقف من التطبيع

بعد توليه مشيخة الأزهر عام 2010، أعلن الطيب، رفضه التطبيع رغم أن مصر هي أول دولة عربية وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل، وهو ما زاد من تقارب الطيب مع التوجه الشعبي الرافض بشدة للتطبيع، كما اعتبر أيضًا بداية مختلفة عن سلفه الذي كان متهمًا بمحاولة إرضاء السلطة بشكل مستفز.

لكن، وبعد إعلان الإمارات إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل فيما عُرف باتفاقات أبراهام في أغسطس 2020، لم يحدث رد فعل من شيخ الأزهر، وأثيرت انتقادات بسبب عدم إعلان الأزهر موقفه، وطُرح تساؤل بشأن تخلي الأزهر عن دعم القضية الفلسطينية كما كان في السابق.

وتجدر الإشارة إلى أنه قبل ذلك بعامين وتحديداً في عام 2017، هاجمت هيئة كبار العلماء بالأزهر القرار الأمريكي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ووصفته بـ"المجحف"، وهو القرار الذي نُظر إليه على أن جزء من صفقة القرن التي تبنَّتها الإمارات مع إدارة ترامب ومهَدت لاتفاقات أبراهام. كما حذَّر الأزهر في ذلك الوقت من محاولات التطبيع مع "الاحتلال" قبل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

ورغم عدم صدور بيان إدانة من الأزهر للتطبيع الإماراتي في أغسطس 2020، فإن تقارير أفادت بأن هذا التطبيع زاد الهوة التي كانت قد بدأت تنشأ أصلاً بين شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومحمد بن زايد، وسط حديث عن أزمة مكتومة بين الطرفين، بعد إصدار الأزهر بياناً داعماً لحقوق الفلسطينيين.

حينها خرجت شائعات برفض شيخ الأزهر استغلال الإمارات لاسمه ومكانته الدينية في التطبيع، لتتحدث تقارير إعلامية عن انقطاع أواصر الوُد بين الطيب وأبوظبي انقطعت بالفعل قبل شهور من اتفاق أبراهام، فضلاً عن رفض شيخ الأزهر تلبية دعوة وُجِّهت إليه، لزيارة العاصمة الإماراتية.

الموقف من غزة

ومنذ بدء العدوان الدموي الإسرائيلي على قطاع عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، سارع شيخ الأزهر إلى دعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ونصرة المقاومة.

كما أطلق شيخ الأزهر حملات إغاثية لدعم سكان القطاع المحاصر، وهو ما لم تفعله الإمارات إذ بدت متخذة صف الاحتلال الإسرائيلي وهاجمت المقاومة في مجلس الأمن فضلًا عن تقارير إعلامية تؤكد أنشأت جسرًا بريًا لإمداد إسرائيل بالمواد الغذائية بعد بداية الحرب.

العلاقة المربكة

تطمح الإمارات إلى اكتساب مكانة دينية رفيعة في عالم اليوم ضمن حملة علاقات عامة للبلاد، بيد أن "مشكلتهم أنهم يمتلكون الإدارة والفكر والمال، لكن لا يملكون لا الحَرَم مثل السعودية ولا الأزهر مثل مصر"، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عن مسؤول إماراتي في جلسة مغلقة.

كما أن الإمارات تحتفي بالطيب، في ضوء جذور الشيخ الصوفية التي تتلاقى مع توجهات الإمارات، لإعلاء الصوفية في مواجهة "الإخوان" والسلفيين.

وظهر ذلك واضحاً في توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" بين بابا الفاتيكان والطيب في أبوظبي، وتأسيس مجلس حكماء المسلمين.

ولكن فيما يتعلق بالديانة الإبراهيمية والتطبيع وقبلهما مؤتمر الشيشان، لم يعطِ الطيب الإمارات شيكاً على بياض، إذ تُظهر هذه المواقف استقلالية الرجل ودبلوماسيته التي تلجأ أحياناً إلى رد حاسم وسريع كما حدث تجاه مؤتمر الشيشان الذي قد تكون سرعة الرد فيه مدفوعة من التوجس والغضب السعوديين من استثناء السلفيين من أهل السنة.

ورغم هذه المنعرجات في علاقة الطيب بالإمارات إلا أن الود يظل موصولًا بين الطرفين، فلا صدام يشق وحدة الصف ولا خلاف يعكر صفو المودة.

فبعد خلاف ممتد، عاد الطيب ليشكر الإمارات على جهودها في نشر قيم الأخوة الإنسانية، مثمنًا دور الشيخ محمد بن زايد في الحرص على نشر قيم التسامح والتعايش في العالم.