هشام الحمامي يكتب: عن الغدر و الخسة.. وشؤم التاريخ!

ذات مصر

(..أشرف الناس من عرف بحٌسن العهد والوفاء والمحبة للناس والبعد عن الأذى، وأقبح الناس من عرف بالشراسة ولؤم العهد وقلة الشكر والوفاء ..والغادر مأخوذ بغدره، وان أخطأه عاجل العقوبة، لم يخطأه الآجل منها، حتى انه ليدرك الأعقاب وأعقاب الأعقاب.. ).. من كتاب كليلة ودمنة..

وأعقاب الأعقاب هم من يأتون بعده سواء من سلالته البيولوجية أو من سلالته السياسية والفكرية ..

هذا إذا جاز لنا أن نجتهد في كلام الفيلسوف (بيدبا) مؤلف الكتاب الذى كان يٌدرس للتلاميذ في(المدارس)قبل (حركة يوليو 1952م)، ليس فقط لأن مترجمه أحد بلغاء اللغة العربية في كل العصور (عبد الله بن المقفع) .. ولكن لاحتواء الكتاب على قدر هائل من مكارم الأخلاق وفضائلها..

***

وحين تتأمل نصائحه وحواراته التي تدور على لسان الحيوانات، لا تملك إلا أن تتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

فكل ما في الكتاب يكاد يكون دينا، اذا استعرنا جملة بن القيم الشهيرة (إنما الدين الخلق، فمن زاد عنك في الخلق، زاد عنك في الدين، ومن نقص عنك في الخلق، نقص عنك في الدين ) ..

***

لكن ما علاقة هذا الكلام بما يدور ويحدث في(غزة) من عشرة شهور.. ملاحم بطولية من (المقاتل الإنسان).. ومذابح دموية من (المقاتل الحيوان). 

هل مثلا لأن غزة ذهبت إلى (المقاتل الحيوان) سنة 1967م بعد هزيمة (كل يوم/ 5 يونيو) والتي تحل ذكراها (23 يوليو) ..!! 

نعم .. فيكاد يكون (5 يونيو) هو الدال والمدلول في حركة (23 يوليو 1952م).   

(الحركة المباركة) التي خيل إلى الجميع من سحرها الأمني والإعلامي، أنها (تسعى) في صلاح الإنسان والوطن والأمة .. 

***

وبكل ما يمكننا من أسف وحزن ستقول لنا (الحقيقة) والحقيقة فقط .. أنه لم يحدث من ذلك شيء ..أى شيء ، ولو صغير وضئيل، ثم تكفل به الزمن وأحتضنه ورعاه فزاد وازداد ..لم يحدث من ذلك أي شيء للأسف، خاصة ما يتعلق بفكرة (الإنسان المهدوم ) . 

***

وسيكون (الغدر) هو العنوان العام في كل مرحلة من المراحل التي سبقت هذه(الهزيمة) التى أختزلت كل تاريخنا الحديث في (أيامها السته).. 

والغدر شؤم التاريخ ولعنة ممتدة، كما عرفنا من الفيلسوف(بيدبا) .. وقد كان.

***

بدءا من الغدر بقائد الحركة ورأسها (الرئيس الأسبق محمد نجيب) مرورا بالغدر بكل رفاق الحركة (يوسف صديق والبغدادى وكمال الدين حسين..الخ) وانتهاء بالغدر بالمشير عامر الذى لولاه، ولولا خاله(حيدر باشا) وزير الحربية سنة 1952م ، ما تمكنت الحركة من إتمام خطوة واحدة من خطواتها ..

***

صحيح أن السفير الأمريكي (جيفرسون كافري) تكفل لهم بأمر(الملك) الذى غادر في هدووووء ، بعد ما علم يقينا، أن بطولات جده الأعلى (إبراهيم باشا) لازالت حاضره فوق رأسه..

ويخشى من تكرارها فى صورة (مصر الرائدة) تعليم وفكر وفن وثقافة و سياسة وأحزاب و أزهر وصناعة ( طلعت حرب)..الخ .. وإسرائيل وجدت لتبقى كما قالوا ..

***

إبراهيم باشا (نابليون الشرق) على فكره، هو الجد الأعلى لــ (فاروق بن فؤاد بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على).

ووصف (بطولات) وصف دقيق لتاريخ الجد العظيم، الذى كان يعشق مصر والمصريين، والذى أجبرته القوى الدولية الكبرى وقتها (بريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا) على الرجوع من سوريا والأناضول والانكفاء داخل مصر والسودان (معاهدة لندن/1840م)  .. 

***

وكانت بريطانيا تعد العدة جيدا وفى الوقت المناسب تماما، للاستيلاء على إمبراطورية المصريين، التي تكونت وقتها بدمائهم وشهدائهم (سوريا وفلسطين ومصر والسودان).. وقد كان.

***

وبعد 40 سنة سيتحقق ما خططت له بريطانيا في (1882م)، وبعد أقل من 40 سنة أخرى، سيدخل الجنرال اللنبى القدس(1917م) ليطرد منها الحامية العثمانية .. التي كانوا يحمونها بمعاهدة 1840م !!                             

وبعد أقل من 40 سنة أخرى، سيسلخون السودان سلخا، من واديها الكبير ..وروحها التى تحييها .. مصر(1954م).

ولن يكون ما يفعله حمديتى والبرهان الأن في السودان، بعيد عما يفعله جالانت ونتنياهو في غزة ..                              

***

والحاصل، أننا أمام تاريخ متصل من الخسة والغدر، والغفلة اليقظة، والغفلة النعسانة.. 

(الغفلة اليقظة) دارت دوائرها من 1954م حتى 1981م ..والاثنان كانا يعلمان جيدا ما الذى جرى ويجرى وسيجرى..                                                                               (الغفلة النعسانة) كانت طوال عهد الرئيس الأسبق مبارك ..وسيحكم التاريخ يوما ما ، على كل من شاركه هذا النعاس الجماعى المدهش ..

***

نعم .. هذا هو تاريخ الغدر العام، إذا جاز للغدر أن يكون له تاريخ.                           

والقصة أصلا وحتى لا نتوه مع التائهين، ماهي إلا قصة تاريخ الصراع بين الشرق والغرب، الصراع الذى يقع(الإسلام) بالضبط في مركز دائرته، ليس للاختلاف العقائدي حول الكون وخالقه سبحانه وتعالى، العلى الأعلى .. 

ولكن للاختلاف حول (الإنسان).. قصتهم يا سادة يا كرام مع الإسلام ليست عقائدية، حول التوحيد والنبوة الخاتمة .  

 قصتهم مع الإسلام هي (الإنسان) الذى مادام يؤمن أنه لا إله إلا الله.. فلا حق غيره، ولا قوى غيره، ولا سلطان غيره، ولا يٌخشى غيره، فما عداه صغير ضعيف مقدور عليه .. 

***

وسنفهم ذلك جيدا، حين نقرأ التقرير الذى نشرته جريدة (يديعوت احرونوت) يوم السبت الماضى 20/7..عن المقاتل الفلسطيني الذى قاتل سرية إسرائيلية بأكملها ، وقالت الجريدة إن المعركة التي لم يكشف الإعلام الإسرائيلي تفاصيلها سابقا، اندلعت في مخيم (خان يونس) للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزة في 16 فبراير الماضى أي من 5 شهور ونشرتها الجريدة بتفاصيل كاملة. 

وذكرت المحاولات الإسرائيلية الخمس، لتصفية المقاتل الفلسطيني والتي استمرت نحو 12 ساعة..حتى أرتقت روحه الى بارئها. 

هذه بالضبط هي قصتهم الحقيقية معنا .. مع هذا (الإنسان). 

***

ما هي تلك الروح التي يحويها هذا البدن ؟.. ومتى تكونت ؟.. وكيف ؟.. 

واذا قٌدِر لصاحب هذه الروح أن يكون في مكان أخر، من أماكن الوجود في الحياة .. فيزيائى مثلا أو طبيب أو عامل يدوى حتى .. ماذا سيحل بالحياة من حوله ..؟

وكيف ستكون تلك الحياة التي تسرى فيها هذه الروح ..عبر هذا البدن ، وإنسان هذا البدن؟ 

***

هل عرفتم إذن لماذا تجتمع الدنيا كلها ضد (حماس)..؟ غدرا وخسة من جانب ..وتقتيل وإبادة من جانب. 

لكن هذا ليس كل شيء .. وسنرى جميعا، وأقرب مما نتوقع ونتخيل ، وعد الله الحق ..فهذه المعركة كما قال أحد المجاهدين هي معركة لله. 

ألا لله الدين الخالص يا حاج يحيى أنت ومن معك.. تسعة شهور !! لم ير الغرب مثلهم من سنين السنين ..

إيمان وقدرة وجرأه لا توصف ..     

***

هل تأملتم شعار الطوفان؟ ومعناه، واستنطاقه بحقائقه الحقه.

الشعار كما نعلم هو الموقف العظيم (للرجلين) الذين قالا لبنى إسرائيل: (أدخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون)  .. (سورة المائدة)

وهو يصف لنا عبر كل الأزمان والعصور، موقف عظيم.. لم يذكره الله لنا ليكون مجرد تاريخ .. بل ليكون منطق تاريخ.. 

حدث وسيحدث وسيتكرر حدوثه .. (رجلان) يعيشان .. وسط بحر زاخر من البشر لا يفعل شيء .. ينتظر دائما ما يفعله به الأخرون.

لكن(الرجلين) قررا ألا يكونا مجرد (رد فعل)  .. وتوكلا على ربهما ..

وكانوا هم الغالبين ..هكذا قضى الله .. وهكذا كان التاريخ..

(ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا) .. 

شئنا أم أبينا، تاريخ الدنيا والناس في الشرق الأوسط، سيكون بعد(الطوفان): تاريخ لدنيا أخرى، وناس أخرين.. 

ويحق لأصحاب الفعال الفعولة أن يقولوا ..وأن يضعوا خطوطا جديدة لعلامات جديدة وعلاقات جديدة .. والأهم لأفكار جديدة ..