هشام الحمامي يكتب: أيا كانت النهاية.. الماضي حاضر

ذات مصر

نبدأ اليوم على بركة الله العلى الأعلى اليوم العاشر بعد الـ 300، في معركة تحرير (المسجد الأقصى) التي قرر أهل غزة أن يخوضوها وحدهم بما استطاعوا من قوة، خاضوها وهم يعرفون الثمن الذى سيقدمونه من دمائهم ولحمهم الحى ولحم أطفالهم وشيوخهم، وحين نراهم يبكون ويأملون وهم ينزفون ويموتون، سنتذكر النبي الإنسان، الذى فقد ولده وقرة عينه، فأخذ يبكيه حتى ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم.

وهو الذى كان يعلم من الله أنه سيعود إليه .. لكنه بكى، وأبكانا، وأبكى معه سيدنا عمر الفاروق وهو يردد قوله تعالى (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله مالا تعلمون) كما أخبرنا التابعي عبد الله بن شداد: سمعت نشيج عمر، وانا في أخر الصفوف، في صلاة الفجر وهو يقرأ من سورة يوسف الأية الكريمة .. 

***

من روائع الوجود التي لا تعد فيه ولا تحصى (نعمة الله).. أن تتقدم إلى عمل عظيم، قد يكلفك حياتك بكل ما فيها ومن فيها، وأنت تعلم نتيجته مسبقا ...!  ستتألم وتحزن وتبكي..  لكنك سترجوا وتدعوا وتسعد وتفرح بفضل الله ورحمته.

أنت هنا أمام إنسان الوجود الحق ..العابر للأزمان و الأحوال، العابر لبشرية البشر وطين البشر، العابر للحياة بل والعابر للموت نفسه .. 

الموت؟! .. ما الموت؟..

وهل الموت إلا نقلة من ها هنا.. 

لا تظنوا الموت موتاً، إنه لحياة.. 

وهي غاية المنى .. 

كما قال لنا الإمام أبو حامد الغزالى رحمه الله.

***

وهنا سيكون هاما جدا أن لا ننسى أن الهدم والتدمير والقصف والقتل وكل ذلك، لا معنى له في الصراعات الكبرى، ودعونا نقارن بين الغارات الألمانية الشهيرة على (لندن) من (سبتمبر 1940 إلى مايو 1941م) وغارات إسرائيل الأن على (غزة)وهدمها للبيوت والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه والصرف.. 

وتلك الاتهامات التي تكيلها إسرائيل إلى المقاومة الفلسطينية في غزة، بأنها تعرض حياة الناس للموت وتستخدم المدنيين (دروعا بشرية )..كما حدث في مذبحة مدرسة التابعين أول أمس. 

 وكان ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا يقول لشعبه ليس هناك غير (الدم والعرق والدموع)..والنهاية معروفة طبعا.. 

يقول المراقبون أن نتنياهو يريد أن ينهى حياته كزعيم كبير مثلما كان تشرشل، لكن حظه سىء للغاية .. فدائما الحاج يحيى يقف في طريقه ويلقيه على (مؤخرة قفاه)، ففي هذه الأيام تحديدا لا يتذكر الغرب في صمود غزة وصلابة السونار، إلا ما كان من تشرشل والإنجليز وقتها ..

واليوم الإثنين 12 أغسطس الجنرال جالانت وزير الدفاع يصف كلام نتنياهو عن النصر المطلق بأنه (محض هراء).. 

أهلا أهلا ..(الجنرال في متاهة) ..مع كل التأسفات للروائى الكبير جارسيا ماركيز!!

***

فى 18 ديسمبر 2023م نشرت مجلة (دير شبيجل) الألمانية تقريرا مطولا عن (الطوفان) أعده 7 من الكتاب والصحفيين، يتحدثون فيه عن النتائج المحتملة للحرب المستعرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). 

طبعا أفردت المجلة حيزا كبيرا من التقرير للسيرة الذاتية للحاج يحيى (قلب الولى/عقل الداهية).. 

ذاك الذى ولد في خان يونس فزاد أهل القطاع واحدا..وزاد عالم الإسلام زياد لا تحصى..(ده أنا مش التقرير..).

وقالت المجلة: كان هدف حماس هو احتجاز أكبر عدد من الأسرى للضغط من أجل إطلاق سراح الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية. 

لكن كان هناك أيضا هدف أخر استراتيجي وتاريخي، وهو زعزعة شعور الإسرائيليين بالأمان، وهز ثقتهم بالدولة والجيش، وإصابتهم في نقطة ضعفهم: الخوف العميق من إبادة شعبهم المضطهد منذ آلاف السنين... 

من الذي كان يضطهده؟ لم تذكر لنا المجلة الألمانية.

***

يتساءل التقرير: كيف وصلت الأمور إلى الحد الذي أصبحت فيه حماس قادرة على شن هذا الهجوم العنيف؟ ولماذا تخاطر حماس بحكمها على قطاع غزة، بل بالأحرى بوجودها كله؟                                       

وهل تستطيع إسرائيل أن تدمرها بهذه الحرب؟ أم أن حماس قد تخرج في نهاية المطاف وهي أقوى على المدى البعيد؟

ويضيف: عام 1989م قرر ضابط الشابك الشهير (مايكل كوبي) الذي كان يقود التحقيقات لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي في قطاع غزة في أواخر الثمانينيات اتخاذ خطوة جذرية، ففي 5 مايو 1989م فأمر باعتقال جميع أعضاء حماس، بمن فيهم الشيخ ياسين ويحيى السنوار.

كوبي قابل الحاج يحيى شخصيا وكان وقتها عمره (27 عاما) .. ويقول إن الحاج يحيى لم يتفوه بأي كلمة في البداية ولأنه كان معاون الشيخ ياسين(الأهم)، ومؤسس (مجد) وقائدها .. مجد هو جهاز المخابرات الداخلي لحماس، المهم أنه وبضغط من الشيخ ياسين فقط، تحدث معه.

سأله كوبي: لماذا لم يؤسس أسرة وهو في نهاية العشرينيات من عمره فقال له (حماس هي زوجتي وابني وابنتي ووالدي، حماس هي كل شيء بالنسبة لي) وأكد له: أن اليوم سيأتي حيث يخرج رجال حماس من السجن لتدمير إسرائيل. 

ويصف كوبي (البطل) بأنه كان (مفعما بالكاريزما والذكاء)..وملما الماما تاما بالتاريخ والسياسة والفكرة الصهيونية.. 

تماما مثل سياسيينا الأن من الإصلاحيين الكبار في الوطن العربى .!!!!

***

ويختتم التقرير تحقيقه قائلا: إن غزة تشبه (نمرا جائعا جدا محتجزا في قفص) وإن النمر الذي حاول الإسرائيليون إذلاله قد تحرر، ولا أحد يعرف إلى أين سيتحرك وماذا سيفعل.

وفى النهاية حتى لو نجحت إسرائيل في هزيمة حماس عسكريا، فإنها ستستمر بالوجود ولن يمكن تدميرها.

***

يوم 9 أكتوبر 2023م كتبت على هذه الصفحة: يخطئ من يظن أن من قام بتخطيط وتنفيذ (هجوم 7 أكتوبر) بكل هذه (الدقة والبراعة والتوفيق)، سيكون عاجزا عن توقع رد فعل من هاجمهم، هم وألاديشهم، وسنحتاج هنا بشدة إلى(العقل) لفهم هذا الموقف، فكل المقدمات قالت أن هناك (عقل استراتيجي) أدار هذا الموضوع. 

وبالتالي فسيكون صعبا للغاية افتراض أنها كانت (قفزة في الظلام)، أو حركة في (المجهول الغامض)، كانت ضربة حق في وقتها الحق تماما، سيقول لنا ذلك تاريخ المستقبل في الشرق الأوسط.

***

لا يمكن أن تستمر حركة التاريخ قبل 7 أكتوبر، مثلما هي بعده. 

غزة انتصرت .. حماس انتصرت.. 

إرادة الشرق المسلم لازالت في عنفوانها.. وها هى في الأرض المباركة ..انتصرت .. 

إسرائيل ركبت منحنى الهبوط الواطى.. 

النظام العربى الرسمي في حيرة فما حدث هو عمل شعبى بامتياز والشعوب تم إخراجها تماما من السياسة والمبادرة من الخمسينيات.

فماذا حدث هناك وماذا الذي سيحث هنا.. الشباب في الشرق الأوسط تعيش الأن مرحلة الاستلهام الحالم الهائم، وهى مرحلة يقول التاريخ عنها، أنها لها ما بعدها .. 

دعونا نختم بما قالته مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية في عدد يناير الماضى نقلا لنا عن الرئيس الروسى بوتين وقتها ، أنه بمجرد معرفته تفاصيل (طوفان الأقصى) قال: ما حدث سيقرر مصير روسيا والعالم أجمع.

آه يا بوتين: 

قد ظمئنا والماء ملء السواقي* واهتدى غيرنا وعشنا حيارى.

فلنقم ولنمت فما أكرم الموت * مصيرا إن لم نعش أحرارا.