هشام النجار يكتب: السنوار زعيمًا لحماس.. إكمال الحقبة الإيرانية للإخوان!

ذات مصر

التوترات واسعة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط لكن لا أظنها حربًا موسعة، وهي انعكاس مباشر لمبدأ تصدير الثورة الذي جعله الخوميني أول مبادئ الثورة الإسلامية، وكل ما تلا ذلك تفاصيل ونتائج وحسابات مصالح ونفوذ وأدوار يقوم بها وكلاء لا يملكون قرارًا ولا يستطيعون فكاكًا من داعمهم قيد أنملة، إنما حيثما يُوضعون من قِبل مركز المحور يكونون، وفقًا لتعبير حسن نصرالله .

الشهداء والضحايا وحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان مجرد تفصيل صغير في حسابات مُسعرِي الحرب ومُشعلي الحرائق، فقد اعتبرها وكلاء إيران السنة قبل الشيعة (كربلائية)، البشر فيها مجرد أعداد والقتلى والجرحى والمشردون أرقام، والبؤس والجوع والذل يجري إعداده شعرًا ونثرًا وصورًا ومقاطع وتريندات كمظلومية تاريخية للسنة، تزعم جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة زعمًا غير شريف أن إيران الفارسية تقف فيها بجانبهم فيما خذلهم العرب!

السنوار مستعد من مكان مجهول للمواصلة ما دامت إيران اختارت التهدئة على مستوى المراكز، وستكرر بلا شك تأكيدها عبر حركات عسكرية استعراضية محسوبة وغير مؤلمة للإسرائيليين أنها ليست معنية بالدخول في حرب والتورط في صراع موسع انتقامًا لاستهداف إسماعيل هنية المَهِين على أراضيها وفي عقر دارها.

ستكتفي طهران بذر الرماد في العيون عبر الرد بأيدي الوكلاء، ولو كان متاحًا للسنوار ما هو متاح لنصرالله لخطب عبر الشاشات وأعفى إيران تمامًا من الرد، فيما يشبه السباق بين الأذرع العربية للزعيم الفارسي الباكي بهدف تطمينه وتأمين ساحته وشعبه محافظًا على قوته ومواطنيه وصواريخه ونووييه وجيشه فلا يُستنزف، وليترك الاستنزاف والاستخفاف بالخسائر والتضحيات والأرواح والكرامة للعرب في لبنان وغزة وسوريا واليمن.

لماذا السنوار وليس مشعل؟

لا أنكر وجود التحالف الإخواني التركي في إطار التنظيم الدولي للإخوان، لكن هذا الشكل من الارتباطات الوظيفية تراجع كثيرًا بعد سقوط حكم جماعة الإخوان بالمنطقة وعدم امتلاكها القدرة على العودة وفشلها في صنع الفارق لمصلحة الحليف التركي في ساحات مهمة مثل مصر وسوريا وتونس، وصولًا لارتباك العلاقات بعد إبداء أنقرة الرغبة في تصويب مساراتها والتكفير عن أخطائها مع الجماعة الفاشلة بإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية –أو هكذا تزعم-، وبالتبعية لابد وأن تتراجع حظوظ عرابوه ورموزه وفي مقدمتهم خالد مشعل.

الآن يتحكم في تحالفات ومسارات وقرارات وبرامج عمل الإخوان في الإقليم العامل الأهم وهو الخومينية والإرتهان للقرار الإيراني والإنضواء داخل ما يُعرف بمحور المقاومة.

أستطيع أن أتتبع مسار جماعة الإخوان بالإقليم ومن ضمنها الفرع الفلسطيني (حركة حماس) من خلال تسمية مرحلتين؛ الأولى مرحلة (الإسلام الديمقراطي) أو ما يُعرف بمشروع الإسلام السياسي في الحكم تحت إشراف تركيا برئيسها الطموح والجموح وبنموذجها الذي حاول المزج بين الحالتين المدنية والإسلامية وبين القيم الغربية والشرقية، وجرى ذلك برعاية أمريكية وغربية، وهي التجربة التي فشلت فشلًا ذريعًا لأسباب محورية وثانوية عديدة لا مجال لسردها الآن.

والثانية: مرحلة (الإسلام الثوري) وهو بديل أقل في المستوى من حيث مكانة الفروع ومكتسباتها، لكنه يضمن وجود الداعم المستفيد الذي نجح فعليًا في تمكين بعض وكلائه من السلطة بقوة السلاح ويحتاج لخدمات آخرين؛ وقد كان حيث وضحت رسالة السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى) بما لا يدع مجالًا للشك –بجانب أهدافها الإيرانية المعروفة- وكأن جماعة الإخوان بكامل فروعها وليس الفلسطيني فحسب خلف حليفها الإقليمي البديل تقول: (ما دمنا فشلنا في تجربة الحكم وهناك تصميم على إزاحتنا وتهميشنا وطي صفحتنا، فلا مفر من صناعة حدث مسلح كبير (وليكن مرتبطًا بالقضية المثيرة للمشاعر والعواطف العربية والإسلامية) ليكون بمثابة دفع جديد لنا إلى بؤرة المشهد وإلى قلب الأحداث، نستعيد من خلاله حيويتنا وشرعية حضورنا ووجودنا).

الترتيبات خاصة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عملية السابع من أكتوبر المنسقة و(المخترقة كذلك) وتاليًا تنفيذ العملية وافتضاح المحور وإحجام إيران وباقي الأذرع وانهيار نظرية (وحدة الساحات)، وتاليًا البدء في مرحلة استفراد إسرائيل (ومعها حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة الأميركية) بكل ساحة على حدة وقنصها لكبار القادة وانفتاح شهيتها لاستغلال الفرصة النادرة بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب وتقليص المخاطر والتهديدات سواء من مركز المحور أو أذرعه إلى الحدود الدنيا، جميعها تطلبت مُضي الإخوان وخاصة الفرع الفلسطيني تحت لواء الحليف الإيراني على الرغم من الخذلان واللوم والعتاب، وهو ما يقتضي تبعًا لذلك مواصلة تصدير الوجوه القريبة من إيران، لمواصلة خدمة مصالحها في سياقات حرب الوكالة مقابل استمرار الدعم بالمال والسلاح.

لا يهم كثيرًا من وجهة نظري كيف سيكون الرد الإيراني ولا متى سترد إيران على اغتيال إسماعيل هنية داخل أراضيها وهو نائم في قصر ضيافتها، فالأمر فقط متعلق بحفظ التوازنات والإبقاء على قواعد الاشتباك مع إسرائيل والولايات المتحدة داخل الحيز المقبول وحتى لا تطمع إسرائيل في المضي قدمًا في تجاوز الخطوط الحمراء، وتلك مسائل تبرع إيران في التصرف فيها عبر مساومات وتسريبات واحترازات ورسائل ومقدمات ومعلومات يفهمها جيدًا الأميركان والإسرائيليون، وينتهي الأمر كما في كل مرة بتفاهمات ضمنية تحمي الكبار من السقوط من الحافة إلى الهاوية.

إنما ما يهم هو مستقبل خدمة الوكلاء وانعكاساتها على المنطقة وعلى القضية الفلسطينية ومصالح الفلسطينيين والعرب.

تبني الإخوان الثورية الإسلامية الإيرانية قديم وراجع في الأساس لتأثر الجماعة وأذرعها (حتى الفرع التونسي الذي صدع رؤوس العالم بتبني نموذج الإسلام الديمقراطي) بثورة الخوميني، وما سعت لتطبيقه خلال عامها في السلطة بمصر هو نموذج دولة المرشد في إيران وليس الأسلمة المتدرجة أو التخفي وراء العلمانية وفق نموذج رجب طيب أردوغان.

التنافس بين تركيا وإيران على احتواء جماعة الإخوان كأكبر تنظيم سني في العالم والفوز بخدماتها وارتهان حماس لتحقيق نفوذ إقليمي ودولي من خلال الضغط بها وتوظيفها في ملف أهم قضية بالشرق الأوسط، انتهى لصالح إيران منذ ارتخاء الحلف التركي الإخواني وفشل الثورة السورية وسقوط الإخوان في مصر والمنطقة وبدايات تشبيك أذرع المحور (السني الشيعي العالمي) وفقًا لبرنامج عمل شامل وأهداف واضحة وبكيانات مدربة خاصة منذ العام 2019م.

الخومينية أكثر ذكاءًا من الإخوان؛ لأنها اندمجت وخدمت القومية الفارسية ولم تعاديها، بعكس ما صنعته وتصنعه جماعة الإخوان (المركز والفروع بما فيها الفرع الفلسطيني) التي ناصبت القومية العربية العداء واعتبرت مشروعها على النقيض من القومية العربية.

تسمية السنوار والحال كما نرى هو عنوان مُضاف للإمعان في السير بعيدًا عن المظلة العربية وعن الرؤى العربية وعن النصائح والتصورات والمقترحات والحلول العربية للصراع، والإمعان في تبني مشروع خارج الحدود الوطنية يخص حالة عابرة للحدود والمذاهب (مشروع إيران تحت حكم الخومينية ليس محصورًا داخل حدود إيران ولا منطقة الشرق الأوسط بل هو كما وصفه أحد أركانه في المنطقة وهو حسن نصرالله هو الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه في الحق الولي الفقيه، وهذا ما يفسر نشاطها في كل دول العالم). 

وهو مخطط قديم تحت عنوان (تحقيق الوحدة الإسلامية) وأنه ليس هناك عرب مسلمين أو فرس مسلمين بل هناك مسلمون وفقط وإسلام عام يظلل الجميع ويتجاوز مذهبية المذاهب الأربعة عند السنة ونطاق خلافات السنة والشيعة، وتحمس له حسن البنا مؤسس الإخوان ولذا وافق على تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية عام 1947م بالتعاون مع الشيخ الإيراني محمد تقي القمي.

ثم بعد ذلك إنشاء مؤتمر الوحدة الإسلامية بدعوة من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بإيران وكذلك انعقاد ما يسمى بأسبوع الوحدة الإسلامي سنويًا خلال أيام المولد النبوي منذ عام اغتيال الرئيس السادات 1981م (عدو الخومينية والإخوان)، وهو الأساس التاريخي الذي بُني عليه تحالف وحدة الساحات وتشابك ما عُرف بمحور المقاومة بين كيانات شيعية وسنية.

ثم هو إمعان في السير على الخط الإيراني في التعاطي مع ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي، منذ محاولة ضرب مسار السلام المصري الإسرائيلي الذي مثل ذروة العبقرية المصرية والعربية في التعاطي حربًا وسلمًا مع هذا الملف الشائك والمعقد برمته.

ومن لا يعرف فليعرف أن تكفير الخوميني للرئيس الشهيد السادات عقب نجاح الثورة الإسلامية بإيران هو ما شجع قادة تيار الإسلام السياسي والجماعات الدينية المتطرفة في مصر على تنشيط فكرة الحاكمية بعد أن انزوت لفترة بعد إعدام سيد قطب منتصف الستينات من القرن الماضي.

ومن لا يعرف فليعرف أن فتوى محمد عبد السلام فرج لاغتيال الرئيس السادات في كتابه الفريضة الغائبة (هي الفتوى الرئيسية التي إستند إليها خالد الإسلامبولي بجانب فتاوى أخرى) كان واضحًا تأثره فيها بالفتوى السابقة لها عندما أفتى الخوميني بكفر الرئيس السادات مُهدِرًا دمه، وقد قال الخوميني عن الرئيس المصري أنه (ليس مسلمًا لأنه تعامل مع أعداء الإسلام) في إشارة لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لذلك فهو (كافر بلا شك) –وفقًا لفتواه-، وهذا كان نفس مبرر تكفير الإسلاميين في مصر للسادات والتحريض على قتله وصولًا لاغتياله عام 1981م.

وسيرًا على نفس النهج دفعت إيران من خلال تابعيها ووكلائها والمؤتمرين بأمرها داخل جماعات الإسلام السياسي السنية التي تتحدث بلسان عربي وتخدم المصالح الفارسية، باتجاه تقويض مشروع -أو قل مشاريع- السلام بالمنطقة، ليس هذه المرة بإطلاق النار على شخص أو رمز أو زعيم إنما بإطلاقه بغزارة على إسرائيل، حيث أن محور إيران شعر بأن وجوده لأول مرة مهدد بعد سقوط حكم جماعات الإسلام السني بالمنطقة العربية وبعد شعور حكم الثورة الإسلامية في إيران بالخطر بعد انطلاق ثورات شعبية ضده بالداخل الإيراني تطالب بتغييره، فكان لابد من صناعة حدث لافت كبير يعيد التيار برمته وبجناحيه السني والشيعي لحيز التماسك والشعور بوجود إسناد جماهيري.

إذن لم أستغرب اختيار يحيى السنوار خلفًا لإسماعيل هنية على رأس حركة حماس خلال هذه المرحلة؛ لأن الأهداف ليست متعلقة بالأساس بالحالة الفلسطينية وهو ما يتطلب تدشين مقاومة وطنية تحررية بأدوات ورموز تخدم المصالح الفلسطينية وتتعاطى بواقعية مع المستجدات، إنما متعلقة بمواصلة محاولة إنقاذ تيار الإسلام السياسي بعمومه وبشقيه السني والشيعي من الأفول والانزواء.

أما إن كان هذه المسار وتلك الخطة هي ما ستنقذ فعلًا هذا التيار وفقًا لتصور واضعيها من عدمه، فتلك قضية أخرى تحتاج لنقاش وتحليل آخر.