هشام النجار يكتب: أغنية المقاومة يا بيوت السويس.. لا الموت لأمريكا!

ذات مصر

ما دمتم تجاوزتم الحدود فلا مفر من وضع حد، وما دمتم تحترفون الخداع وتسردون الرواية بالمقلوب وتستمرئون الكذب وتقلبون الحقائق رأسًا على عقب، فلا مناص من أن يتقدم أحد ويكشفكم ويعطي للحقيقة حقها في أن تُروى، لنرى من بالفعل يدافع ويناضل ويكافح ويصون ومن يعبث ويهرج ويخون؟

لنبدأ من التعريف بالهدف الفعلي والحقيقي، حيث يتلخص مشروع (غزة الكبرى) الذي أعده الجنرال جيورا أيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي مقترحًا إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل في مضاعفة مساحة غزة باقتطاع أراض من سيناء وأخرى أردنية وسعودية.

كان أيلاند أيضًا أحد من طرحوا مخطط  الجحيم الرهيب لجعل التهجير أمرًا واقعًا وفرضه على الفلسطينيين في غزة فرضًا بجعلها مكانًا خرابًا غير صالح للحياة.

ينال بنيامين نتنياهو الدعم غير المحدود من الأميركيين، يصفقون ويقفون له عشرات المرات في الكونجرس كأنه بطل قومي للولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من حرب الإبادة التي ارتكبها في حق المدنيين العزل.

التصفيق والمديح والثناء والإشادة يبدو لأنه نجح –هكذا يعتقدون وفي مخططهم ماضون- في استغلال فرصة عملية السابع من أكتوبر لتحقيق أكبر قدر من التدمير والقتل وفرض واقع جديد على الأرض يجعل من الصعب العودة إلى الأوضاع السابقة.

من أخرج مشهد نتنياهو في الكونجرس أراده رسالة انتصار على من رفعوا شعار (الموت لأميركا والمحو لإسرائيل).

ما كان هذا؟

إنه محور رفع شعار الموت لأميركا والمحو لإسرائيل، فهل تحقيق شعارات كهذه ممكن وهل تلك هي الأهداف الحقيقية لعمل وبرامج وخطط هذا المحور، أم أنها فقط مناورات وتكتيكات للمزاحمة على النفوذ الإقليمي وتكريس السلطة لتيار بعينه رأى أنه الأوحد في الساحة ولا أحد غيره.

لنفهم ولنعرف أكثر نذكر بأن هناك تنظيم راديكالي مسلح أيضًا، سبق ورفع تلك الشعارات.

تذكروا أن زعماء تنظيم القاعدة فعلوا تمامًا مثل إيران ومثل حماس والجهاد الإسلامي، ورفعوا شعار الموت لأميركا ووصفوها برأس الأفعى وطرحوا نظرية الدومينو ومفادها أن إسرائيل لن تسقط إلا إذا سقطت أميركا.

لم يسقط سوى البرجان في أميركا التي أسقطت في إثرهما داخل العالم الإسلامي أبراجًا عدة وأركانًا حصينة، يكفي فقط أنها أسقطت بغشومية وغباء العراق وجعلته لقمة سائغة لإيران، ويكفي أنها عبثت بسوريا أو كانت ضمن العابثين الكبار، لتخرج في مرحلة مصيرية من معادلة الردع بل الصمود العربي.

(الموت لأميركا) إنه شعار يُرفع يدغدغ المشاعر لكن هل يدري من يسمعون تلك الشعارات عن بعد ما يضمر قائلوها وكيف يتحركون ويتواصلون سرًا ويفاوضون ويساومون ويطلبون من أميركا ذاتها منافع ومكاسب وأرباح في هيئة نفوذ ومصالح وسلطة.

لن أتحدث عما تفعله إيران في دهاليز المساومات والتفاوض في الخفاء رافعة شعار الموت لأميركا في العلن، فهي تفعل هذا وذاك بلا حرج ودون إحساس بالذنب، بل أكشف فقط عما فعله أسامة بن لادن، لأنني بالفعل وجديًا أريد إزالة قشرة الهيبة والقداسة الزائفة عن تلك الشخصيات وتلك المحاور وتلك الكيانات، التي أوردت منطقتنا ودولنا بشعاراتها المعلنة ومصالحها المخفية المهالك.

لم يتحول أسامة بن لادن من التحالف مع واشنطن (ضد الإتحاد السوفييتي في أفغانستان) إلى العداء ضدها لعيون فلسطين والقدس كما زعم في خطابه السينمائي الشهير (والله لن تنعم أميركا بالأمن إلا إذا تحقق واقعًا في فلسطين)، إنما لأنه لم يتحصل على مكافأة نهاية الخدمة بعد انقضاء الحرب الأفغانية، وكان زعيم القاعدة يظن أن انجازًا تاريخيًا كهزيمة السوفييت لا يكافئه أقل من حكم دولة خليجية كبرى أو على الأقل تقلد منصب رفيع فيها، وهو ما لم تقدر واشنطن على الوفاء به.

لذا حفلت أدبيات القاعدة بهذا الكم من التحريض ضد الغرب وأميركا ومن ورائها إسرائيل إنتقامًا وثأرًا، ولو حظي قادة التنظيم بالسلطة وبالمكافآت السخية بعد ما قدمه ومن معه من خدمات جليلة للأميركان لما خدشوا الغرب وإسرائيل بكلمة ناهيك عن رصاصة.

وهل لو حصلت إيران على ما تريد من أميركا وإسرائيل (هلال شيعي مكتمل وسيطرة نافذة بالشرق الأوسط وامتلاك السلاح النووي وأن يُعترف بها ضمن القوى الكبرى)، هل لو نالت ما تريد سنسمع منها مجددًا نشيد (الموت لأميركا والمحو لإسرائيل)؟

ماذا قلتم؟ ذكروني بشعاركم في المحور الممانع وفي القاعدة؟ الموت لأميركا والمحو والإبادة لإسرائيل؟ فمن مات إذن ومن يموت ومن يُباد على الحقيقة؟

إنهم هناك يزدهرون ومدنهم عامرة مستقرة حية، وشعوبهم تنعم بالرفاهية ويحتفلون بنتنياهو في الكونجرس، بينما مدننا مدمرة في السودان وفي غزة والضفة وفي سوريا واليمن.

دُمرت غزة وقُتل عشرات الآلاف من سكانها الأبطال الصامدين ومن الشيوخ والأطفال ومن نسائها في مشاهد ملحمية سيخلدها التاريخ، كما سيوثق الاحتفال الدموي والإحتفاء بمن أبادهم ومحا بيوتهم وميادينهم ومدارسهم ومستشفياتهم وأسقط على رؤوسهم أطنان القنابل والمتفجرات، يتصافحون ويصفقون فيقطر الدم من بين أصابعهم.

هذا ما أراه الآن إذن:

المسلمون والعرب واقعون وعالقون بين محورين؛ أحدهما يزعم أنه يمثلهم ويتصدر عنوة دون إذن منهم وموافقة ليقودهم لكن إلى الهاوية والحضيض، رافعًا للشعارات الجوفاء بعيدة المنال مستحيلة التحقق (الموت لأميركا والمحو لإسرائيل)، والثاني هو محور أميركا وإسرائيل والذي يوقع بالعرب والمسلمين الموت والمحو فعليًا على الحقيقة دون أن يرفعوا في واشنطن أو تل أبيب شعارات أو يتغنوا بأشعار المجد والزعامة، وقد كنا وقد كانوا.

المقاومة.. أي مقاومة تلك؟ وهل أنت مقاوم؟ دعنا نعرف المقاومة ونصحح المعلومات عن المصطلح.. 

المقاومة هي حركة إلى الأمام، هي الاسترداد؛ أن تسترد أرض وأن تحرر مساحة وأن تنتزع حق وأن تحمي نفس وأن تستنزف وتنهك عدو محتل.

ما حدث هو العكس فالمزيد من الأرض بات بحوزة العدو، والإنهاك والاستنزاف كان من نصيب الفلسطينيين والعرب، والتهديد طال حدود وقضايا العرب.

عندما تصل تلك التنظيمات للسلطة تتعهد لواشنطن وللعواصم الغربية ولتل أبيب بأن أمن إسرائيل خط أحمر وتتعهد بحمايته كضمانة لدعمها في الحكم واستمرارها في السيطرة عليه إلى ما لا نهاية.

فهل الهدف والمطلوب هو السلطة والوصول إلى الحكم أم تحرير الأرض وإعادة الحقوق واسترداد الكرامة؟

كتاب ومفكرون –ومنهم إسرائيليون- تساءلوا عما يمكن أن تشكله تلك الجماعات والميليشيات من تهديد لإسرائيل وما الذي بحوزتها لتضغط به لاسترداد الحقوق والمقدسات وقد ساهمت هي نفسها في إسقاط المؤسسات والجيوش العربية، وعندما يحكم بعضها فإنها تحكم بطريقة بدائية تنتمي للعصور الوسطى على جثث مئات الآلاف من العرب والمسلمين، وببرامج رجعية لا برؤى نهوض وتقدم.

رغم ذلك كله وغيره أسمعهم يزايدون ويلمزون ويذكرون مصر بسوء، بحثًا عن شماعة يعلقون عليها خيبتهم وفشلهم وعجزهم والكوارث التي تسببوا فيها.

أسأل فقط:

لماذا حاربت مصر دفاعًا عن كل شبر في سيناء؟ لماذا سقط أبناؤها شهداء من مدنيين وشرطة وجيش؟ لماذا هذا الكم من التضحيات العزيزة الغالية منذ العام 2013م؟

فعلت ذلك وستفعله دومًا لأن مصر ومناضليها وأبطالها مقاومون لا يفرطون في الأرض ولا يقبلون التنازل أو المساومة على حبة رمل من العريش ومن سيناء كلها.

هذه مقاومة مبنية على معرفة بالقدرات، تستنزف العدو وتسترد الأرض وتحمي الشعب، وإن عادوا بميليشيات وتكفيريين وإرهاب عدنا.

قاتلنا لأننا لا نقبل صفقات تضرب الحقوق الفلسطينية والعربية في مقتل، أو يُشتم منها التنازل عن شبر من أرضنا.

حالنا كما كنا نغني للسويس وراء محمد حمام نصد العدوان، رافضين مغادرة بيوت مدننا "يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي أستشهد تحتك وتعيشي إنتِ"، وكما فعلنا في السويس فعلنا في العريش وكل شبر في سيناء، فماذا فعلت إيران وماذا فعل تنظيم القاعدة، وماذا فعلت جماعة الإخوان.. ماذا فعلتم أنتم في غزة وماذا فعلتم أنتم بغزة؟

هذه مقاومة من أجل المقاومة ومن أجل تحرير الأرض وحمايتها ولأجل الوطن وفي سبيل الله خالصة، لا لسلطة ولا لشهرة ولا لمال ولا لمنصب ولا لميليشيا ولا لمحور.

غزة.. سيخرج أبطالها الحقيقيون من تحت الركام ومن بين الأنقاض يرددون نشيدنا (يا بيوت غزة يا بيوت مدينتي أستشهد تحتك وتعيشي إنتِ) ونشيدنا (يا بيوت العريش يا بيوت مدينتي أستشهد تحتك وتعيشي إنتِ).. وقبله يا بيوت السويس وبورسعيد وكل شبر في مصر.. 

غزة ستفعل، فلن تُعدم أرض من أبطالها الحقيقيين ومن مقاوميها الذين يستردون ويحررون ويستنزفون عدوهم ويحمون شعبهم.. دون المزيد من الطنطنة الغبية الفارغة المقيتة الركيكة، حيث يصيحون (الموت لأمريكا الموت لأمريكا) ونكتشف على الأرض وفي الواقع أنه لنا ولشعوبنا.