نقاش حر

خالد البوهي يكتب: حديث عن الفلسفة.. هل نحن بحاجة إليها؟

ذات مصر

ما الذى تقدمه مسابقات كرة القدم ونحوها إلى الحياة وإلى تطورها؟ وما الذى يقدمه الشعر والأدب إلى الحياة؟ بل وما الذى تقدمه السينما والموسيقى؟ وما الحياة نفسها؟ وكيف تكون سعيدا؟ وما السعادة، وما الحزن؟ ولماذا نحن متخلفون ولماذا نبتعد عن إنسانيتنا وكيف نستعيدها؟ تستطيع كل ذلك بالفلسفة، وبعقلها المدرك للتنوعات البشرية وأسرارها.

تستطيع أن تجيب عن تساؤلاتك كلها، وعن حياتنا نفسها وما فيها من أشياء قد نحبها ونحتقرها معا، وللحب أسبابه كما للاحتقار، على أن التساؤلات نفسها ستلازمك ما دمت إنسانا.

نحن نمارس أشياء عديدة ونتابعها ككرة القدم مما قد يراها غيرنا لن تفيد الإنسانية أو تقدمها الحضارى. ولنا أن نسألهم وما الحضارة نفسها؟ 

الإنسانية تبحث دائما عن الجمال والمتعة، ومحاولة الوصول إلى المثل الأعلى، ثم تفريغ الطاقات السلبية، وقبل كل ذلك وبعده أن تكون إنسانا تشارك غيرك من مخالفيك فى مهارة واحدة، تجعلكما برغم أنفكما شيئا واحدا، وأن تكون حيا بكل ما تمثله تلك الكلمة من دلالات. 

لست آلة، ولن تكون، وإنما أنت إنسان يسمو إلى احتياجاته البشرية من السمو والروحانية والرغبة فى تحقيق الجدارة والتمكن والتفرد. وكل ذلك ستجده فى الفنون والرياضة والموسيقى وتحليل النفس البشرية باستجلاء العالم  من حولها، ونحو ذلك مما تصور البله عدم جدواه.

لست آلة ولن تكون، وإنما أنت إنسان يحتاج إلى ما يحيى روحه من علوم إنسانية، وإلى ما يلبى تطوره من علوم عملية. 

أنت من حباه الإله جل وعلا بروحه، فأصبحت بكل ما فيك من إرادة علوية متمسكا بالوحدانية والتفرد والنبوغ والتميز، تحققه فى طلب المثل الأعلى فى كل شىء، وهذا من تفسير قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه «فإن الله خلق آدم على صورته» ولذا أنت تحب أن تفوز وأن يفوز فريقك، فالله فرد وأنت تحب التفرد، لأنك صورته على الأرض.

والجحيم الحق هو أن تعيش آلة لن تقدم شيئا حقيقيا لنفسك، الجحيم الحق هو أن تكون إمعة فكرية لا تعرف من أنت، وقد تعيش طول عمرك تبحث عن نفسك ولا تجدها، وإنما يكفيك شرف البحث. الجحيم الحق أن تعيش آلة لم تستمتع بمحاولة معرفة نفسها، الجحيم الحق أن تموت مقصرا فى حق نفسك بعد أن قدمت إلى العالم ما يسعده من تكنولوجيا، ولم تحاول أن تكشف عن نفسك، ثم تكون فى حفرة حقيرة وضيعة برغم كل ما قدمته من تكنولوجيا. 
وهل الدين بعيد عن كل ذلك؟ الدين وفهمه يحتاجان إلى عقل فلسفى، يستطيع أن يجعل من فهم الدين متعة حقيقية، وهذا ما يفسر متعة أصحاب المذاهب الفقهية بفهم علل الأحكام وتفاصيل الأدلة ونحو ذلك.

إنها الفلسفة التى تقدم للإنسان رؤية واضحة لكل شىء، ولنا أن نضرب أمثلة تدل على أهمية مباحثها، التى أهملها أهلها المقصرون، فمنها عرفنا: 

١- وسطية الأخلاق بين الإفراط والتفريط: فالشجاعة فضيلة، تصبح نقيصة إن زادت عن حدها فتنقلب تهورا، فإن انتقصت صارت جبنا.

٢- رمادية البشر: يغلب على بنى البشر اجتماع الخير والشر معا، ويندر أن تجد فيهم خيرا كاملا، أو شرا كاملا.

٣- أولوية السياسة فيما يخص الوسائل، وأولوية الأخلاق فيما يخص الغايات.
هذه المباحث الثلاثة تجدها عند أرسطو وعند غيره، وتحتاج إلى المدارسة والشرح والفهم والتطبيق والمساءلة. 

وستظل ضرورتها كما ترى ضرورة عملية حياتية، من قال إن الفلسفة علم نظرى؟ هذا عند من قولب الفلسفة من بعض أساتذتها المعاصرين، الذين ضيقوا العلم على طالبيه، ووضعوه فى إطارات نظرية لا يفهمها إلا المتخصصون. وإن من أوجب الواجبات أن نفرق بين العلم الجماهيرى المتاح للشعب من خلال المدارس والكتب العامة، وبين ما يجب أن يتدارسه المتخصصون فى قاعات العلم وكتبه المتخصصة، ونحن ندعوهم أن يضعوا الفلسفة فى إطارها الواجب مجتمعيا.
الفلسفة ضرورية لفهم المجتمع والتاريخ، ودراسة الحاضر والاستعداد للمستقبل.

الفلسفة ضرورية لتشريع القوانين، ومحاربة التطرف.. الفلسفة هى الأب الشرعى لكل العلوم العملية التى ارتقت الإنسانية بها على كل المستويات. 

الفلسفة حياة ولا يهمشها إلا كل جهول!!