في ذكرى عميد الرواية العربية

نجيب محفوظ واللغة العربية الفصحى.. تحية ودعوة

حسام جايل
حسام جايل

من المتفق عليه أن نجيب محفوظ أهم روائي عربي ظهر في القرن العشرين وحتى وقتنا الراهن، ولا تعود أهميه نجيب محفوظ الروائي العربي الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب، بل هناك أمور اخرى تجعل من هذا الرجل قيمة وقامة عربية نفخر بها، وندعو إلى المزيد من الدراسات القيمة الفاحصة لأعماله السردية (الروائية والقصصية)، بل نضيف إلى ذلك السيناريوهات التي قام نجيب محفوظ بكتابتها، أو شارك فيها لبعض الأعمال السينمائية. 

نجيب محفوظ

وهذه الدعوة تتصادف مع احتفالنا بذكرى نجيب محفوظ الذي غادر دنيانا في 30 أغسطس 2006 بعد حياة حافلة أو حياة طويلة، وعريضة حيث عاش ما يقرب من 100 سنة 94 سنة على وجه التحديد وترك لنا منجزا كبيرا على مستوى الكم والكيف، وقد تناول كثير من النقاد أعمال نجيب محفوظ بالدراسة والتفسير والشرح والتأويل، وأخذ عالم الحارة الذي يعد عالم محفوظ الموازي حيزًا كبيرًا من دراساتهم بما ترمز إليه من عالم مواز ومنار الرمزية إلى الحياة المصرية الواقعية وبخاصة حياة المهمشين والبطل المخلص وسؤال العلم والدين والسياسة، ولا شك أن عالم نجيب محفوظ السردي عالم ثري وغني بشكل لافت  للنظر، وذلك نظرًا لما تذخر به أعماله أو لما يذخر به ذلك العالم من فلسفة وتأويل ورموز على كل المستويات، وأرى ان نجيب محفوظ قد تفوق على نفسه، وسكر الباب في وجه كثير من أصحاب دعاوى واقعية اللغة وغير ذلك حيث استطاع هذا الرجل المبدع  بمهارة فائقة ودون ضجيج أن يستخدم اللغة الفصحى بطريقة معجزة وملغزة في كل أعماله بنسبة  تصل الى 90% إن لم تكن 100% وجاء مستوى اللغة في أعماله مناسبًا للشخصيات والأحداث لا عوج فيه ولا التواء كما أنه رغم حرصه على الفصحى لم يقع في فخ التقعر مما يحوج قارئه إلى قاموس للبحث عن معاني الكلمات وكذلك لم يقع في فخ الإسفاف والتدني اللغوي، لكنه بذكاء شديد يستخدم الفصحى مع إسقاط علامات الاعراب ومع استخدام الإعراب والتشكيل؛ فتشعر وأنت تقرا أنك أمام لغة  سهلة يسيرة ممتعة مشحونة بدلالات ورموز حتى في أسماء  أبطاله ويمكن التمثيل لذلك باللص والكلاب وملحمة الحرافيش وثرثرة فوق النيل وأمام العرش والثلاثية وسوق الكانتو ويوم قتل الزعيم وأصداء السيرة الذاتية إلخ.. فلا شك أن القارئ سيجد متعة لغوية إضافة إلى متعة القراءة بأعمال تحمل رسائل وشفرات كثيره ثرية، ولكنها تتكئ على اللغة وتنطلق منها ومن هنا يمكن أن نقرر أن نجيب محفوظ قد ساهم في إثراء المعجم اللغوي، وأدى خدمة جليلة للغة العربية ربما عجزت عنها كثير من أقسام اللغة العربية في  الجامعات.
فتحية إلى نجيب محفوظ في ذكراه تحية إلى إبداعه ولغته، ودعوة إلى الباحثين  المنشغلين بعالم محفوظ وإبداعه إلى الاهتمام بمستوى اللغة لديه وبما تحمله وتشير إليه من رموز ودلالات