تعليق بيع «المصرية للاتصالات».. الحكومة بين مطرقة «الدولار» وسندان انهيار الأسواق العالمية

ذات مصر

بين ليلة وضحاها، أعلنت مصر، في 7 مارس 2023، نيتها بيع حصة إضافية من شركة «المصرية للاتصالات» -التي تملك الحكومة 80% منها، قبل أن تتراجع لاحقًا، مشيرةً إلى تعليق البيع بسبب ظروف السوق.

«المصرية للاتصالات».. نفي ثم تأكيد

الحديث عن بيع حصة إضافية من «المصرية للاتصالات» تردد خلال الشهر الماضي، لكن الشركة نفت ذلك جملة وتفصيلًا، قبل أن تكشف مطلع مارس الجاري، أن وزارة المالية -المساهم الأكبر في الشركة المصرية للاتصالات بـ80% من الأسهم- أخطرتها أنها تدرس مدى جدوى طرح حصة إضافية، غير محددة.

الحصة الإضافية المقررة لم يعلن عنها من قبل الشركة أو وزارة المالية لكن تقارير إعلامية أشارت إلى أنها ستكون في حدود 10 إلى 20% على أقصى تقدير، منوهةً بأن الحكومة تنوي البيع لمستثمر استراتيجي في ظلّ حاجة الحكومة الملحة لتوفير سيولة دولارية في الفترة الحالية لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.

وأعلنت وزارة المالية في وقت سابق من هذا الشهر، أن الحكومة بدأت دراسة مدى جدوى طرح حصة إضافية من الشركة المصرية للاتصالات، مؤكدة أنه لم تتخذ بعد أي قرار رسمي في هذا الشأن.

قيمة الصفقة المتوقعة

في الوقت نفسه، أوضحت «المصرية للاتصالات» في إفصاحها للبورصة أن عملية طرح نسبة من أسهمها للبيع لا يعدو حتى اللحظة كونه مجرد دراسة تمهيدية في المراحل الأولية، وأنه لم يجرِ اتخاذ أية قرارات رسمية بعد، وأن الدراسة قد تنتهي إلى عدم جدوى المضي قدما في عملية الطرح.

وبحسب التقديرات المبدئية، تبلغ قيمة الحصة البالغة 10% من «المشغل الوحيد للهواتف الأرضية في مصر» نحو 4.55 مليار جنيه مصري، ما يعادل نحو 148 مليون دولار أمريكي بسعر السهم اليوم 21 مارس.

وفور إعلان وزارة المالية قرارها، كلفت في وقت سابق من هذا الشهر مستشارين ماليين وقانونيين «شركة الأهلي فاروس، وسي آي كابيتال» لاستكشاف بيع حصة أقلية إضافية من الشركة، واختبار شهية المستثمرين. 

خطة البيع «ناقصة»

وتأتي خطة الحكومة، بعد أن كشفت في فبراير الماضي، عن قائمة تضم 32 شركة مملوكة للدولة، إما سيجري طرحها في البورصة، أو عرض حصص إضافية منها، أو بيعها لمستثمرين استراتيجيين.

«المصرية للاتصالات» لم تكن ضمن هذه الشركات، ما أشار إلى أن الحكومة ستستغل أصولها ذات القيمة الأكبر للتخفيف من أزمة عدم توافر نقد أجنبي، في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية عالميًا والتداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى شروط الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وتخفيض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية منذ بداية العام الماضي.

تباطؤ نمو أرباح «المصرية للاتصالات»

تقارير إعلامية بينت أن اتجاه الحكومة جاء متوازيًا مع إعلان نتائج أعمال الشركة التي شهدت تباطؤاً في نمو الأرباح، إلى خانة الآحاد خلال 2022، مقارنةً بنمو 73% في 2021، بعد تحرير سعر الصرف مرتين في 2022، ورفع أسعار الفائدة 800 نقطة أساس.

وبلغت خسائر فروق العملة نحو 6.2 مليار جنيه، في حين بلغت أرباح الشركة المجمّعة 9.2 مليار جنيه، بارتفاع 9% على أساس سنوي، وزادت الإيرادات 19% إلى 44.3 مليار جنيه، رغم نمو تكاليف النشاط 20% إلى 26 مليار جنيه.

وجاء رد فعل سهم «المصرية للاتصالات» على نية الحكومة سلبيًا، فانخفض بعد يومين فقط 3.7% ليغلق  عند 26.76 جنيه بعد أن سجل أعلى مستوى خلال نفس اليوم عند 28.50 جم بحجم تداول مرتفع بلغ 6.8 مليون سهم بالتعاملات الصباحية.

التراجع عن البيع

بعد أسبوعين من إعلان «المالية»، أكدت تقارير إعلامية دولية وإقليمية ومحلية تعليق مصر بيع حصة في شركة المصرية للاتصالات، حتى تستقر الأسواق العالمية، حَسَب تصريحات مسؤولين مطلعين على عملية البيع.

الخطة البديلة للحكومة في حالة عدم بيع حصة من أسهم «المصرية للاتصالات»، هو لجوء الشركة لإصدار سندات توريق حقوق مستقبلية بالدولار، وهي أداة تمويل مستحدثة، تصدر لتمويل الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة مقابل ما ينشأ لصالح هذه الجهات من تدفقات نقدية متوقع دخولها في المستقبل.

المغامرة في البيع

الحديث عن بيع حصة من «المصرية للاتصالات» طرح تساؤلات حول آلية عمل الحكومة وخطتها في بيع الأصول المصرية، يرى الخبير الاقتصادي، إلهامي الميرغني، أن الحكومة تورطت في ديون منفلتة بلا رقابة، ودخلت في مشروعات غير ضرورية وغير ملحة وغير مدرة للدخل وعندما حل أجل السداد وبدأ المانحين يسألون عن أموالهم، عادت لصندوق النقد وشروطه المجحفة مرة أخرى وخفضت قيمة الجنيه، بالإضافة إلى منح القطاع الخاص المزيد من المميزات، بالإضافة إلى الانسحاب من عدة مجالات وفق وثيقة ملكية الدولة.

وأضاف لـ«ذات مصر»: «لم يقتصر البيع على الشركات بل امتد لكل أصول الدولة التي يمكن أن تباع رغم الأهمية الاستراتيجية لبعض المشروعات مثل الموانئ وشركات الأسمدة والبنوك وشركات التأمين والفنادق الكبري وغيرها.

وتساءل الميرغني عن كيفية سداد الحكومة أقساط وفوائد الديون خلال السنوات المقبلة بعد بيع الشركات المصرية، متابعًا: «الكارثة أنه في ظل انهيار قيمة الجنيه تباع الأصول بأثمان بخسة لا تعادل 10% من قيمتها السوقية الحقيقية».

وعن خطة الدولة، قال: «أعلنت الحكومة منذ سنوات عن خطة البيع ولم تنفذها، ولكنها عادت مرة أخرى لتعلن عن خطة بيع 32 شركة، ولم يكن من بينها حصة في الشركة المصرية للاتصالات لكن فجأة أضافت المصرية للاتصالات ضمن الخطة ما يشير إلى عدم وجود تخطيط ورؤية اقتصادية لإدارة أصول الدولة وديونها ومواردها بل يخضع الأمر لعشوائية كاملة».

وأردف: «الشركة المصرية للاتصالات هي قلب نظام المعلومات في مصر وبيعها قضية أمن قومي يعرض أمن الاتصالات والمعلومات في البلاد لخطر داهم، لكن ضغط الأزمة وحلول موعد سداد الأقساط والديون في ظل انهيار الزراعة والصناعة وركود المقاولات والعقار، يدفع الدولة لبيع أي شيء بغض النظر عن أثر البيع ومخاطره على أصول وموارد مصر ومستقبل الأجيال القادمة».

وشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة إجراء لمزيد من الدراسات والحوار داخل المجالس النيابية وبين الحكومة والمجتمع المدني الذي يملك من الخبرات والعلم ما يساعد علي الخروج من الأزمة، مكملًا: «لكن الصوت الواحد وغياب الدراسات واستبعاد المجتمع المدني وغياب الرقابة الشعبية يقود مصر إلى كارثة لا يُعرف مداها.. ولعلها فرصة للتوقف والتقاط الأنفاس والدراسات والحوار قبل فوات الأوان».

السوق ليس في أفضل حالات

الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب، بين أن سوق المال حاليًا ليس في أفضل حالاته حاليًا لاستقبال برنامج الطروحات المصرية، المعلن قبل 4 سنوات ولكنه تأخر بسبب أزمة انتشار فيروس كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وحاليًا أزمة انهيار البنوك الأمريكية.

وذكر لـ«ذات مصر»، أن طرح الشركات المصرية في البورصة أو بيعها يجعل الخطوة مغامرة غير محسومة النتائج، مشددًا على ضرورة دعم البورصة المصرية أولًا من خلال تبسيط الإجراءات وتخفيض الضرائب من أجل تنشيطها وزيادة رأس المال المتداول ثم طرح الشركات من أجل أن يكون له سوق رائجة.

وتابع: «القطاع الخاص في أي دولة هو قاطرة اقتصاد الدول، ولجوء الحكومة حاليًا لطرح الشركات إيجابي، لكن الأمر يحتاج عدة إجراءات استباقية لتحقيق الاستفادة القصوى خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية الموجودة حاليًا في مصر وشح العملة الأجنبية».

وأشار الديب، إلى أن الإعلان عن طرح 32 شركة ثم طرح شركة أخرى من خارج القائمة بسبب رغبة الحكومة في جذب مستثمرين جدد، والحصول على نقد أجنبي يخفف من الضغوط الاقتصادية الحالية، مشددًا في الوقت ذاته على أن الفترة الحالية اقتصاديًا ليست الأفضل لطرح الشركات المصرية للبيع، وأنه ينبغي تأجيل الخطوة لحين استقرار الأسواق العالمية.