فراج إسماعيل يكتب: افتحوا النوافذ للسياسة

ذات مصر

هذا العنوان مستلهم من الانتخابات التركية الأخيرة. كل شيء جائز في السياسة عندما لا يفرض عليها الانسداد والموات وتنفتح أمامها نوافذ التهوية والشمس.

إذا جرى إحياء السياسة وإنعاشها، ينصلح الاقتصاد ويدخل الاستثمار بثقة ويدخل المفسدون تحت طائلة القانون.

ديمقراطيات العالم كله لا يمكنها معرفة رأي الشعب إلا من خلال الصناديق.

السياسة فن التعامل مع الواقع ونسيان الخلافات الايديلوجية. وهكذا تقبلت الولايات المتحدة والغرب وجود أحزاب إسلامية خارجة من عباءة نجم الدين أربكان الزعيم الراحل ومؤسس التيار الإسلامي في تركيا، ضمن تحالف الطاولة السداسية المعارض، كحزب السعادة وريث حزب الرفاه المنحل الذي كان يرأسه الراحل أربكان ويرأسه حاليا تمل كرم الله أوغلو، ويضم أغلبية التيار الإخواني التركي. 

السياسيون المتمرسون قادرون على الإبداع.. ومعاركهم تفرز في النهاية الحكم الرشيد.

حزب السعادة المنضوي في تحالف الطاولة السداسية المعارض (تحالف الأمة) جذوره أربكانية، بمعنى أنهم أولاد نجم الدين أربكان الإخواني الذي كان يقود معركة الهوية بتشدد، فاختلف معه أربكان، وأسس حزب العدالة والتنمية كحزب يمين الوسط، الأكثر اعتدالا وانفتاحا على مبادئ العلمانية.

لم تمنع نوافذ السياسة المفتوحة تحالف حزب الشعب الجمهوري وريث أتاتورك، مع حزب من عباءة أربكان المتشدد، أو مع أولاده وحرسه القديم بالمعنى المجازي.

في السياسة نسميه "تحالف الضرورة".. وفي بلاد الانسداد السياسي، يحولونه إلى عزل واستبعاد ونفي من الحياة العامة.

  في تحالف الطاولة رؤساء أحزاب كانوا من دائرة أردوغان، ولم يتخلوا عن منهجه وأفكاره وإن اختلفوا معه في سياساته.

نتكلم عن حزب المستقبل برئاسة وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق ورفيق مسيرته، أحمد داود أوغلو، شريكه في تأسيس حزب العدالة والتنمية، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة وزير الاقتصاد ونائب رئيس الوزراء السابق علي بابا جان.

أوغلو وجان كانا من قيادات الصف الأول في حزب أردوغان.

على الجانب الآخر سمحت نوافذ السياسة المفتوحة بتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، وكان محسوبا على المعارضة. ثم مع نقيضه  حزب "هدى بار" الكردي.

تحالفات معقدة ولكن محترفي السياسة يدركون أنها الصعود الصعب إلى أعلى الهرم.

معارك السياسة اللذيذة تفتح شهية الأمة وتدب النشاط في أوصالها. 

عندما تلعب السياسة دون قهرها وكبحها، تبهر وتقدم حلولا سحرية تحظى برضا الرأي العام.

الانفتاح السياسي علم الناخب التركي أنه صاحب قراره في أحلك ظروفه واحتياجاته.

أما الموات السياسي في دول أخرى، فتكفي وجبة كنتاكي لتغيير اتجاهات الناخبين!

ذلك شجع الناخبين على الخروج للتصويت لأنهم يدركون قدرة الصندوق على التغيير، فوصلت نسبتهم إلى 89%. صحيفة "بولتيكو" الأمريكية قالت عن ذلك إنه يضع معظم الديمقراطيات الليبرالية في العار.

 نافست المعارضة بقوة وجرت أردوغان إلى جولة ثانية أمام منافسه العجوز غير الكاريزمي كليجدار أوغلو، وبينهما فارق ضئيل نسبيا من الأصوات.

لا يمكن لأحد توقع الفائز في الجولة الثانية. فلمن ستصوت كتلة المرشح سنان أوغان القومي المتشدد وتتجاوز 5% ويمكنه أن يكون صانع الملوك، وترجيح كفة أحدهما، ولمن سيصوت الناخب المتردد، والجيل الجديد من الشباب الذين ينتخبون لأول مرة (حوالي 5ملايين ناخب).

وقد خرج هذا الجيل للحياة بعد 2002 ، أي أثناء حكم أردوغان، وبالطبع لم يعيشوا أحوال تركيا قبله.

مثل أي جيل جديد قد ينشدون التغيير ووجود رئيس آخر  ودماء جديدة بعد أكثر من عقدين لحكم أردوغان.

تأثير الجيل الجديد ينبع من استخدامه المكثف لموقع تويتر، فالشعب التركي السادس في العالم تغريدا على موقع التواصل الشهير.

النساء اللاتي يقتربن من نصف الجيل الجديد، سيكون لهن دور كبير، لذلك تخلى كليجدار أوغلو عن علمانيته المعادية للحجاب وسمح بظهور فتيات محجبات في حملته.

وفازت ملكة جمال تركيا السابقة (عام 2006) الصحفية سيدا ساريباش بمقعد في البرلمان على قوائم حزب العدالة والتنمية. 

فتح نوافذ السياسة معناه تفكيك المواقف المتصادمة أو المتصالحة لتجديد الفكر والحيوية، والإيمان بالمحاسبة والشفافية، وبعث رسالة ثقة إلى العالم الخارجي بأنه أمام دولة مؤسسية.

هنا يبزغ الاقتصاد لأنه يأتي كانعكاس لحيوية السياسة.