هشام النجار يكتب: حاشية على رقص ذات الفستان الأزرق

ذات مصر

رقصت ياسمين ياسر، فاهتز المجتمع بأسره، وجرى تصديرها كأنها هي الوحيدة في مصر التي تمارس هذا النوع من التعبير الجسدي عن الفرحة أو حتى الحزن في كثير من الأحيان، وفقًا لزوربا ولكثير من عتاولة الصوفية. فهل نحن حقًا في مجتمع فاضل؟ وما هو مفهوم المجتمع الفاضل في نظر البعض؟ وهل صرنا رقباء على الناس وجرى استبدال جنازير الجماعات الدينية وخناجرها بسياط كاميرات المحمول وجلد الكرامة والسُمعة على السوشيال ميديا؟

قلت في كثير من المناسبات إن التطرف المجتمعي وجه أشد ضراوة وقسوة وأكثر عصيانًا على التفكيك والمعالجة من تطرف الجماعات والتنظيمات، فنحن حيال غابة متشابكة من التعقيدات والكلاكيع والمنغصات بطول المجتمع وعرضه وعمقه، دون قدرة من أحد على الوقوف على من يقودها ويحركها ويهندسها ويتحكم في تدفقها وسريانها.

وهو واقع يأتي على هوى المتطرفين التنظيميين، فهم وكأنهم لم يغادرونا، أو كأنهم في استراحة حركية قصيرة وعائدون لهذه الساحات التي تعج بتصوراتهم الأولية حيال تصرفات المرأة وطريقة الاحتفال بالزفاف وغيرها.

التطور في طريقة الاحتفال يستطيع رصده المتخصصون في الشأن الاجتماعي، لكن بدون شك يظل أي شكل من أشكال الاحتفال مرتبطًا بالثقافة الشعبية وبالمزاج الشعبي وبالتقاليد المتوارثة، التي لم يكن يخجل منها أحد حتى عندما كانت تردد النساء في الأفراح في قلب الريف أغنيات كاشفة عن تفاصيل العلاقة الحميمة، ولم تخل المناسبة يومًا من الرقص، حيث صار طقسًا من طقوس الاحتفال، فهل صار مجتمعنا فجأة زاهدًا في كل تاريخه وإرثه الثري المتوارث في هذا الجانب، مُقررًا جلد فتاة انتهكت (المعايير الجديدة) في العلن ليرتدع وترتدع كل من تفكر أن تعبر عن فرحتها أو تضامنها مع من تفرح بهز جسدها كما اعتاد المصريون والمصريات طوال قرون؟

أرى أن كاميرات الطامعين في التريندات والساعين لصناعة الفضائح وتشويه السمعة قد حلت محل عصي وجنازير الجماعات الدينية المتطرفة التي كانت تعتدي على الأفراح والمناسبات السعيدة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بالأحياء الشعبية في القاهرة وغيرها من المحافظات.

كان أفراد تلك الجماعات يقومون بذلك من منطلق جهل مركب بمفاهيم الإسلام، بدعوى حرمة الغناء والموسيقى وتحت عنوان القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو ما توسعت فيه لاحقًا طوال العقد الماضي جماعات داعش والقاعدة في المناطق التي سيطرت عليها في سوريا والعراق وليبيا ودول بأفريقيا.

سواء جرى الأمر بعصي وجنازير أفراد الجماعات الدينية المتطرفة أو بكاميرات هواتف الطامعين في التريندات، فنحن أمام مشهد كاشف لحقيقة تجسد النفاق المجتمعي ومزاعم التطهر والبراءة في وقت قد يكون بعض مدعي البراءة والتطهر أكثر الناس غرقًا في أوحال العُهر والرذيلة.
لم يفهم أعضاء الجماعات في السابق أن ما يقومون به تصرف سطحي ينم عن تفكير بائس، وهو تصرف مخالف حتى لضوابط وشروط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المعروفة، فهل كانوا على وعي بأن مجرد إتمام الفرحة بالزواج أو الخطوبة والإسهام في إتمامها هو مقصد شرعي في حد ذاته لتشجيع الرغبة في الزواج، وتغليب الميل لطريق الحلال الواضح المعلن، والإسهام في سد منافذ الحرام والعلاقات غير المشروعة التي تقترف في الظلام بعيدًا عن أعين الناس؟

وبالنظر إلى المصلحة والمفسدة، فتمرير حفلات الزفاف التي تؤسس لزواج معلن وتبنى أسرًا جديدة وتشجع على إقبال الناس والشباب على ذلك -وإن حدث فيها بعض التجاوز لإظهار الفرحة- أولى وأجدى من إفساد فرحة الناس وتتبع هذه المناسبات بالاعتداء والتضييق والملاحقة المجتمعية والتلصص بحجة بعض المظاهر المعتادة في مثل تلك المناسبات، والتي لا ترقى بحال لجريمة الزنا والعلاقات المحرمة.

فأيهما أنفع لتقليص الجريمة وسد منافذ الانحراف في المجتمع؛ هل هو التغاضي عن مظاهر التعبير عن الفرحة وليدة لحظة الفرح والسماح ببعض (اللهو المباح)، أم التضييق والاعتداء على حفلات الزفاف والخطوبة في السابق بالعصي والآن بكاميرات التلصص، بالرغم مما في تشجيعهما بكل الوسائل الممكنة من ملاحقة وتضييق على منافذ الزنا ودواعيه، وكأنها محاصرة وملاحقة لبؤس الانحراف ومخازي انتهاك الجسد واختلاط الأنساب وأحزان المصائب والكوارث الاجتماعية الناتجة عن تلك الجريمة، بأفراح وبهجة الزواج المشروع، الذي يشيع الاستقرار ويبقى على المجتمع متماسكًا نظيفًا.

رقصت ياسمين تعبيرًا عن فرحتها بزفاف صديقة أو قريبة لها، ولم ترقص في بار أو ملهى ليلي، وكأن مجتمعنا كله تطهر فجأة وارتدى الجميع ثوب الفضيلة والبراءة، وتفرغ لجلد فتاة سعيدة في ليلة زفاف... أرجو أن يكون الجميع ارتاح وتخفف من أوزاره وشعر بالنقاء والطهارة الزائفة، وهو يصب لعناته على الفتاة، بالتزامن مع انبهاره برقصها.