أهلي أم زمالك؟ جوزيه عن نهائي إفريقيا: لا يمكن التنبؤ بالفائز.. كل شيء اختلف عن أيامي

ذات مصر
  على مدار 113 عامًا من البطولات والإنجازات، مرّ على النادي الأهلي العديد من المدربين بينهم أجانب ومحليون، وحقق معظمهم بطولات وإنجازات على المستويين القاري والمحلي، المجري هيديكوتي والألماني راينر هولمان، وغيرهما من الأسماء الرنانة في تاريخ تدريب الأهلي، لكن يبقى البرتغالي مانويل جوزيه حالة خاصة في تدريب القلعة الحمراء. مانويل جوزيه درّب في الدوري البرتغالي ومنتخب أنجولا واتحاد جدة السعودي، لكنه مع الأهلي ترك بصمة لا تُمحى على جسد النادي الأكثر عراقة في إفريقيا، وصار بمثابة وشم على قلوب الملايين من جماهير الأحمر. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] فريق الأهلي في دوري أبطال إفريقيا[/caption] "ذات مصر" يحاور المدرب البرتغالي قبل يومين من النهائي التاريخي لدوري أبطال إفريقيا، تلك المواجهة التي تضم الأهلي والزمالك، الناديين المصريين، كمتنافسَين على لقب دوري أبطال إفريقيا.. سألناه: "ماذا تقول عن النهائي المنتظر بين الأهلي والزمالك؟" أجاب باقتضاب: "لا أعرف ماذا أقول عن هذه المباراة، وقت وجودي في مصر كانت مباراة الأهلي والزمالك ديربي كبير، فهما الناديان الأكبر في إفريقيا ويملكان قاعدة جماهيرية عظيمة وبالطبع ستكون مباراة كبيرة للغاية". جوزيه تولى تدريب الأهلي على مدار 3 ولايات مختلفة، في الفترة من 2001 حتى 2011، وحصد معه أكثر من نصف بطولاته القارية، واستحوذ على البطولات المحلية، وقاد الفريق لإنجازات وأرقام قياسية، وقاد الفريق لكأس العالم للأندية 3 مرات، حصل في إحداها على الميدالية البرونزية، كما تُوّج بدوري الأبطال 4 مرات، ومثلها للسوبر الإفريقي، كما فاز بالدوري المحلي 6 مرات والسوبر المحلي 4 مرات والكأس مرتين. ورغم ابتعاد صاحب الـ74 عامًا عن تدريب كرة القدم عمومًا وعن النادي الأهلي خصوصًا منذ ما يقرب من 9 سنوات، إلا أنه لم ينسَ الأهلى وما زال يعتبر نفسه مشجعًا مخلصًا للنادي الذي شهد تحققه كمدرب. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] جيمي باتشيكو مدرب نادي الزمالك[/caption] جوزيه وجيمي باتشيكو، مدرب الزمالك الحالي، صديقان منذ عقود، وفيما يتمنى جوزيه النصر لناديه القديم، يخوض صديقه النهائي الأول في تاريخه بإفريقيا ضد الأهلي، بالذات في قمة مصرية – مصرية، نسأله: هل باتشيكو قادر على الفوز؟ وما رؤيتك لمستقبل الزمالك تحت قيادته؟ يشعر جوزيه بالحرج.. يستغرق وقتًا أطول للرد.. يشرد قليلاً ثم يقول: "نعم باتشيكو صديقي، وهو مدرب كبير وسيفيد الزمالك كثيرًا، ولكن أنا لست متابعًا لمستوى الفريق خلال الفترة الأخيرة ولا أستطيع الحكم، الشيء المؤكد أن الأمور اختلفت تمامًا في الوقت الحالي، وصار من الصعب توقع النتيجة بخلاف الفترة التي كنت موجودًا فيها على الساحة.. كان الأهلي صاحب الحظ الأوفر في الملاعب حينها.. كل شيء اختلف عن أيامي". حين حلَّ جوزيه بالساحة الكروية المصرية عاش ملكًا متوجًا على عرش كرة القدم في القارة السمراء، وتخصص في حسم المباريات الكبرى، لم يكن يمتلك سجلاً حافلاً حين جاء إلى الأهلي، لكنه خرج منه رمزًا ونجمًا لا يُطال.. كان بارعًا في تبديلاته في أثناء المباراة ليحدث انقلابات نوعية فيها، عبر تدخلات فنية غير متوقعة، ثورية للغاية، لكن جوزيه لم يكن عبقريًّا فقط من الناحية الفنية، بل امتاز بقوة الشخصية وإتقانه التعامل النفسي مع لاعبيه، حتى النجوم منهم، ما يعد دليلاً ساطعًا على الثورة الصغيرة التي أحدثها بين جدران القلعة الحمراء خلال سنوات تدريبه للفريق الأول بالنادي، لقد غيّر من عقلية لاعبي الفريق، من المنافسة الخجولة إلى احتكار النصر، لقد خلق جيلاً ذهبيًّا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] لاعبو الزمالك في دوري أبطال إفريقيا[/caption] نسأله: من أكثر اللاعبين خطورة في الأهلي خصوصًا بهذا اللقاء؟ ومن أخطرهم في صفوف الزمالك؟  يرد بعصبيته المعتادة: "كما قلت لك لم أتابع مستوى الفريقين في الفترة الأخيرة جيدًا، ولكن الأهلي دائمًا ما يملك العناصر المميزة، لكن لا تنسَ عزيزي أن وصول الزمالك إلى مباراة النهائي يعني وجود جيل جيد من اللاعبين لديه". يبدو أن جوزيه لم يتخلّ عن عادته في التقدير الموضوعي للخصم واحترام مكانته، والعكس بالعكس أيضًا، تقدير الذات والانتفاض أمام أي محاولة من الخصم للانتقاص منها. في هذا مواقف لا تنسى.. فبعد تتويج الأهلي بلقب دوري أبطال إفريقيا 2006، خرج طلعت يوسف، مدرب الاتحاد السكندري، الذي تسلم لتوه مهام منصبه، قائلاً إن فريقه، الذي كان يقبع في أحد المراكز المتأخرة بجدول الدوري، سيهزم الأهلي البطل المُتوج، فأعلن جوزيه الطوارئ في النادي وجمع اللاعبين على عجل، وعرض عليهم تصريحات يوسف، وطالبهم بالثأر.. لم يخيّب اللاعبون ظنه وفاز الأهلي 6-0 على الاتحاد السكندري في عقر دارهم.. بعدها أُقيل طلعت يوسف رغم أنها كانت أول مباراة يقود فيها فريق الاتحاد. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أحمد فتحي[/caption] نسأله: هل يزيد فقدان الأهلي لاعبيه ذوي الخبرة والمهارة مثل فتحي ورمضان صبحي من حظوظ الزمالك في الفوز باللقب؟  عاد سؤالنا به نحو الماضي، لكنه ارتد سريعًا إلى حاضرنا وإن لم يكن بالكامل: "بالطبع غياب أحمد فتحي ورمضان صبحي أمر سلبي للغاية، فهذا النوع من المباريات يحتاج إلى الخبرة والتمرّس، وأخصّ بالحديث أحمد فتحي، فهذا اللاعب يملك قدرات وخبرات كبيرة للغاية، لقد أصررت على التعاقد معه وقت تدريبي للأهلي واستمر لمدة 12 عامًا بقميص الفريق.. الأهلي سيفتقد جهوده، وكذلك اللاعب اتخذ قرارًا خاطئًا بالرحيل إلى بيراميدز.. كان عليه الاستمرار مع الأهلي". جوزيه حقق العديد من الألقاب مع الأهلي في ظروف صعبة، لذا كان من الضروري سؤاله في مثل هذه الظروف، التي تعتمد المباراة فيها على التكتيك الفني، وكذلك العامل النفسي: كيف تحفّز لاعبيك في مباراة حاسمة، خاصة في ظل غياب الجمهور؟ لا يحتاج إلى وقت للتفكير في السؤال، فهذه موهبته أصلاً: القدرة على التعامل النفسي مع اللاعبين في ظروف ضاغطة وشعاره "بلا هدنة بلا رحمة".. يقول: "العامل النفسي وعقلية اللاعبين مهمان للغاية في مثل هذه المباريات، فمن سيُعد فريقه نفسيًّا بنحو أفضل سيحسم المباراة المقبلة.. أتذكر في موسم 2001-2002 واجهت الزمالك في الدور الأول، وكنا أفضل من الناحية الفنية والتكتيكية ولكن تعرضنا للهزيمة 2-1، وكان من الممكن أن نستقبل الثالث والرابع بسبب خوف اللاعبين ورهبتهم.. لكني خلال الدور الثاني عملت جيدًا على العامل النفسي وهيأت اللاعبين جيدًا وحققنا فوزًا ساحقًا بنتيجة 6-1 بذات التكتيك الذي لعبنا به الدور الأول". يمكن التدليل على كلام جوزيه بما حدث خلال الخسارة التاريخية للأهلي أمام الإسماعيلي بنتيجة 3-0، في الدوري عام 2007، حين أوقف الدروايش سلسلة اللا هزيمة القياسية للفريق الأحمر، والتي بلغت 72 مباراة، حين قرر دعم لاعبيه معنويًّا، وطلب منهم الذهاب إلى الجماهير لتحيتهم حتى يستعيدوا عافيتهم سريعًا ويستمروا في مسيرة البطولات.. لقد فهمَت الجماهير رسالة جوزيه واحتفت باللاعبين كأنهم حازوا نصرًا عزيزًا لتوّهم. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] جوزيه مع لاعبي الأهلي[/caption] نعود به إلى جو مباراة النهائي الإفريقي المرتقب: هل تمنيت يومًا ما الفوز على الزمالك في نهائي قاري أم أنك محظوظ بعدم التورط في مثل هذه اللقاءات الصعبة؟ يجيب ضاحكًا دون أثر سخرية من خصمه: "لقد واجهت الزمالك في 20 مباراة ولم أخسر سوى مرتين.. نتائج مباراة الأهلي والزمالك فترة وجودي كانت محسومة لصالح فريقي غالبًا". جوزيه امتلك مهارة استيعاب جمهور متقلب المزاج، لكنه ضمن ولاء هذا الجمهور بالقتال المستمر من أجل النصر، وإن كان التعامل مع جمهور كبير كجمهور الأهلي يتطلب مهارات أكثر تعقيدًا، امتلكها جوزيه دومًا، فلم يكن ذلك المنتمي العاطفي دائمًا، فكما بكى على الراحل محمد عبد الوهاب وارتدى قميص أحد شهداء الأهلي في ستاد بورسعيد وذهب لتحية زملائه في المدرجات، كان بالغ الحزم أحيانًا، فسحب شارة الكابتن من عصام الحضري عام 2006 وهاجم كل من خرج على نظام الأهلي (الأجهز والأقوى سيحصل على مكانه) في فريق كان يعجّ بالنجوم في ذلك الوقت، وكل نجم يرى خوضه المباراة حقًّا مكتسبًا بصرف النظر عن جاهزيته الفنية. كان من ثمار هذا الانضباط الفني الصارم أن حصل جوزيه على 4 ألقاب لدوري أبطال إفريقيا مع الأهلي.. نسأله: أي هذه الألقاب كان مشوارها أصعب عليك؟ ولماذا؟ يجيب: "الأربع بطولات لها ذكريات خاصة معي، ولكن تبقى بطولة عام 2006 والفوز على الصفاقسي التونسي على ملعبه في اللحظات الأخيرة هي الأبرز في مسيرتي، وأذكر تمامًا عقب نهاية مباراة ذهاب الدور النهائي في القاهرة وجدت لاعبي الصفاقسي يحتفلون بنتيجة التعادل، ذهبت إليهم وصرخت في وجوههم وأبلغتهم أن الأهلي سيعود باللقب من ملعبهم ووسط جماهيرهم، وهذا ما حدث.. لقد كان الأهلي يملك جيلًا عظيمًا آنذاك". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] هدف الأهلي في الصفاقسي التونسي[/caption] مباراة الصفاقسي كانت حبة الكرز على كعكة الانتصارات الأهلاوية.. جعلت جماهير الأهلي تعتبر جوزيه أيقونة ناديهم.. رفعوا صوره في مدرجاتهم طوال فترة وجوده، وحتى بعد رحيله لا يزال أثره حاضرًا، فمَن غيره الذي أعاد موازين القوة لصالح الأهلي على الصعيد الإفريقي؟ الآن وبعد أن كسا الشعر الأبيض رأسه، لا يزال يحتفظ بكواليس مسيرته مع الأهلي، فلن تجد مدربًا في إفريقيا كلها يعلم من أين تُؤكل كتف النصر أكثر من مانويل جوزيه، صاحب الـ٢١ لقبًا مع القلعة الحمراء. نختتم المقابلة معه بسؤاله عن الرسالة التي يريد أن يوجهها إلى جمهور الأهلي، قبل المباراة التاريخية، فيقول: "أنا واحد منهم وأحبهم كثيرًا.. دائمًا ما أقول إنهم رقم واحد والعامل الأهم في حسم الانتصارات". قبل 20 عامًا أتى رحالة برتغالي، بالكاد يستطيع الجمهور نطق اسمه، إلى قلعة الأهلي المصري في الجزيرة، لم يكن أحد وقتها يمكنه التنبؤ بما سيفعله هذا الرجل بعد سنوات، لكنه صار خلال أعوام قليلة عرّاب الأهلي وعلامته المميزة.