هل تنازلت الحكومة المصرية لليونان عن جزيرة تتبع الأوقاف المصرية؟

ذات مصر

قبل عدة سنوات دار لغط كبير حول أحقية مصر في جزيرة يونانية اسمها «تشيوس»، وهي جزيرة سياحية في بحر إيجة، تصل مساحتها إلى 50 كيلومترًا مربعًا، وهي خامس الجزر السياحية من حيث المساحة، ويبلغ عدد سكانها قرابة 50 ألف شخص.

ودارات تصريحات حول بيع وتنازل مصر عن هذه الجزيرة لليونان ضمن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي جرت بين مصر وقبرص واليونان عام 2015.

أثارت هذه التصريحات قلقًا لدى المصريين، بشأن التنازل المزعوم عن الجزيرة، أقام على إثرها المحاميان حميدو جميل البرنس وعلي أيوب، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبت بإصدار حكم قضائي بوقف تنفيذ القرار الصادر بتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، بشأن ما تضمنته من التخلي والتنازل عن جزيرة "تشيوس".

وطالبت الدعوى أيضًا إثبات مصرية جزيرة "تشيوس" بعد رفض الحكومة اليونانية، سداد مبلغ مليون دولار قيمة إيجارها من وزارة الأوقاف المصرية طبقًا للعقد المبرم بين الحكومتين سنة 1997.

كما طالب عضو البرلمان النائب هيثم الحريري، الحكومة بتوضيح حقيقة تنازل مصر عن الجزيرة بناءً على اتفاقية موقعة بين مصر واليونان لترسيم الحدود. 

لكن الحكومة نفت تنازلها عن جزيرة تشيوس لليونان مؤكدة أنها لم تكن مملوكة لمصر، وأكدت أن جزيرة "تشيوس" تعود ملكيتها في الأصل للدولة اليونانية وليست ملكاً للدولة المصرية على الإطلاق، وأنها ملتصقة جغرافياً بالحدود اليونانية وبعيدة كل البعد عن الحدود المصرية ولم تكن في يوم من الأيام ملكاً لمصر أو خاضعة للسيادة المصرية، مشيرة إلى أن لمصر بعض الممتلكات على الجزيرة تتبع وزارة الأوقاف.

بدورها نفت وزارة الأوقاف، تنازلها عن أي من ممتلكاتها في الجزيرة، مشيرة إلى أن ممتلكات الأوقاف على تلك الجزيرة كانت هبة من السلطان إلى محمد علي باشا أوقفها فيما بعد للأعمال الخيرية والأوقاف المصرية.

وهذه في الأصل جزيرة يونانية لا صلة لها بمصر، ولم تكن أبدا ضمن الممتلكات المصرية كما يقول أستاذ التاريخ في جامعة تافتس الأمريكية خالد فهمي، في مقال له على فيسبوك. ويضيف: "لا توجد جزيرة يونانية بهذا الاسم أصلا. هناك جزيرة يونانية اسمها Χίος وتكتب بالحروف اللاتينية Chios، وتنطق باليونانية خيوس. هذه الجزيرة تقع في شرق بحر إيجة قبالة مدينة تششمة التركية القريبة من مدينة إزمير التركية أيضاً".

أملاك مصر اليونانية

لكنّ مصر تمتلك أوقافًا تابعة لها على إحدى الجزر اليونانية منذ أيام حكم محمد علي باشا، هذه الجزيرة اسمها باليونانيةΘάσος  وتكتب بالحروف اللاتينية Thasos وتنطق بالعربية ثاسوس. أما اسمها في السجلات العثمانية فهو "طاشيوز".

ورغم أن جزيرة تشيوس أقرب لمصر من جزيرة ثاسوس/ طاشيوز، إلا أن الأخيرة هي التي تمتلك مصر فيها أوقافا.

قصة الممتلكات المصرية

تبدأ القصة في صحراء الحجاز، حيث أمر السلطان العثماني محمود الثاني، محمد علي بإنفاذ حملة لاسترداد الحجاز وطرد الوهابيين.

وبعد نجاح حملة محمد علي على الحجاز واستخلاصه من أيدي الوهابيين، على يد ابنه طوسون، كتب محمد علي إلى مندوبه في الآستانة (القبو كتخدا)، نجيب أفندي، سائلا إياه أن ينوب عنه في طلب منحه حق تحصيل ضرائب جزيرة "طاشيوز" قبالة شواطئ مدينة قَوَلة، مسقط رأسه، ووعد باستخدام عائدات ضرائب الجزيرة في بناء مؤسسة تعليمية ضخمة لصالح فقراء قوَلَة.

واستجاب السلطان فأصدر فرماناً بتمليك محمد على باشا جزيرة طاشيوز، وسمح له بإنشاء وقف من إيرادات الجزيرة، ليستخدم في بناء مجمع تعليمي هائل ضم مدرستين ابتدائية وإعدادية، و"عمارة" أي مطبخ لإطعام الفقراء والمحتاجين، ومسجداً وحماماً.

وأنشأ محمد علي "عمارة" بمدينة قولة، مسقط رأسه، كانت تتسع لمبيت ما يزيد على 100 طالب، وكانت تقدم التعليم المجاني والطعام لهؤلاء الطلاب طوال مدة إقامتهم. كان هذا الوقف أكبر مؤسسة تعليمية أنشأها محمد علي.

 ازدادت "عمارة محمد علي بقولة" شهرة وذاع صيت مصر وواليها في أنحاء قولة. فالوقف لم يكن مجرد "عمارة" صغيرة، بل كانت عظيمة في مبانيها غنية بحدائقها وملحقاتها، ومصادر وقفها.

الأحقية المصرية للجزيرة

بموجب فرمان السلطان العثماني، فإن جزيرة طاشيوز انتقلت إلى أملاك محمد علي باشا، ويعد حجر الأساس في أحقية مصر بهذه الجزيرة، وإقامتها دعوى لاستردادها، وبسط سيادتها عليها عملاً بأحكام التراث الدولي، وتطبيقًا للخصوصية الدينية التي أضفاها وقف محمد على باشا لها. كما يقول أستاذ العلوم السياسية إبراهيم البيومي غانم.

وأشارت وزارة الأوقاف إلى أن وفدًا منها (ممثلاً عن وزارة الآثار وهيئة التنمية السياحية وبعض الجهات الأخرى بالدولة)، سافر إلى اليونان لدراسة الاستثمار الأمثل لأملاك الهيئة هناك، وترميم ما يحتاج إلى ترميم من الآثار المملوكة لها بمدينة قولة وجزيرة خيوس.