لماذا تفضح إسرائيل المسؤولين العرب بعدما تلتقيهم سرًا؟

ذات مصر

على مدى العقد الأخير كشفت إسرائيل عدة لقاءات سرية بين مسؤولين من حكوماتها ومسؤولين عرب، كإعلان تمهيدي لتطبيع العلاقات الثنائية بين تل أبيب وتلك الدول، التي تسعى إسرائيل لتحقيق سلام شامل معها.

قبل عدة أيام أعلنت الخارجية الإسرائيلية عن اجتماع سري عُقد بين وزير الخارجية إيلي كوهين ونظيرته الليبية نجلاء المنقوش في العاصمة الإيطالية روما، خلال الأسبوع الماضي، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.

اللقاء الذي تم الاتفاق عليه مسبقا "على أعلى المستويات" في ليبيا واستمر لأكثر من ساعة، حسبما صرح مسؤول إسرائيلي لوكالة "رويترز"، أثار موجة غضب واسعة لدى الأوساط الجماهيرية الليبية، ما دفع رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، إلى إقالة المنقوش عن العمل وإحالتها إلى التحقيق.

نتنياهو في السعودية

ليس هذا فحسب، فكشفت تقارير إعلامية إسرائيلية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زار السعودية، في نوفمبر 2020، والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مدينة نيوم شمال غرب المملكة.

وأكدت وسائل الإعلام حينها، أن رئيس وكالة الاستخبارات يوسي كوهين، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قد حضرا اللقاء، ونقلت الإذاعة عن مسؤولين رسميين إسرائيليين لم تسمهم أن نتانياهو ويوسي كوهين "توجّها إلى السعودية والتقيا بومبيو وبن سلمان في مدينة نيوم".

وفي أغسطس الجاري، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن تقديره للتعامل "الدافئ" من سلطات المملكة مع مسافرين إسرائيليين كانوا على متن رحلة هبطت اضطراريا في مدينة جدة.

كل هذه اللقاءات وغيرها، لم يفصح عنها أحد سوى إسرائيل، الأمر الذي ينظر إليه على أنها لا تُعير اهتمامًا لردود الفعل في الشارع العربي، وهو أيضًا ما يسبب إحراجًا بالغًا للمسؤولين العرب.

إسرائيل والإمارات

كشفت تسريبات لسفير دولة الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة عام 2017، عن مراسلات بينه وبين الجنرال الإسرائيلي عوزي روبين العميد السابق وقائد نظام القبة الحديدية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة عام 2012.

وبينت التسريبات حينها مراسلة العتيبة لعوزي روبين بشكل مباشر قائلا "دعنا نلتقِ المرة القادمة في واشنطن"، فرد روبين "لقد عدتُ فعلا إلى إسرائيل.. ربما في المرة القادمة".

هل يهدد لقاء سري بين وزيري خارجية ليبيا وإسرائيل مساعي التطبيع بينهما؟ -  BBC News عربي

لماذا تفصح إسرائيل عن هذه اللقاءات؟

يرى البعض أن تسريب الحكومات الإسرائيلية للقاءات السرية التي تجمع مسؤوليها مع مسؤولين عرب، يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وتصدير الأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل من الداخل.

ووفق محللين، فإن تسريب مثل هذه اللقاءات يتم عمدًا من الحكومة الإسرائيلية، لاسيما أنها لا تفيد سوى نتنياهو وحكومته، بهدف تخطي الأزمات الداخلية للحكومة، في ظل الاحتجاجات التي تضع إسرائيل أمام أزمة دستورية غير مسبوقة.

يقول أستاذ العلوم السياسية أيمن الرقب في حديث لـ«ذات مصر»، إن الإسرائيليين اعتادوا على  تسريب المفاوضات مع الطرف الآخر إذا وصلت إلى طريق مسدود، لإحراجه بشكل كامل، مضيفًا أن هذا حدث في المفاوضات مع الإمارات والسودان، ويتم بشكل واضح الآن مع ليبيا.

وأضاف أن أمريكا شريكة في التسريب الأخير للقاء وزيرة الخارجية الليبية بنظيرها الإسرائيلي، موضحًا أن التسريب لم يتم بدون موافقتهم، لكنهم اعترضوا عليه حفظًا لماء الوجه.

وأكد "الرقب" أن الهدف من التسريبات هو الضغط على الطرف العربي، للقبول بالرؤية الإسرائيلية والأمريكية، لافتًا إلى أن التسريب يتم بعد فشل المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود. 

في المقابل، يرى آخرون أن تسريب هذه اللقاءات، يهدف إلى اختبار ردة الفعل لدى الشارع العربي، المناهض لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والمتمسك بالقضية الفلسطينية.

استهتار أم استعراض

يرى مراقبون أن إفصاح إسرائيل عن اللقاءات السرية، يعد استهتارًا بالطرف الآخر، باعتبار أن إسرائيل ستحصل في النهاية على ما تريد من تطبيع العلاقات، كما حدث وأعلنت رفع السرية عن لقاءات كثيرة.

في المقابل رأى أستاذ العلوم السياسية، أيمن الرقب، أن تسريب اللقاءات ليس استهتارًا بالطرف العربي، بل هو للضغط عليه من خلال التسريب بعد وصول المفاوضات بينهما إلى طريق مسدود، وهذه هي الخديعة التي يستخدمه الاحتلال لإضعاف الجانب الذي يدخل معه في مفاوضات.

لكن آخرين ذهبوا إلى أن الإفصاح عن اللقاءات يعد استعراضًا للتحركات الإسرائيلية في المنطقة، ومحاولاتها في التحالف وتطبيع العلاقات مع دول عربية وإسلامية، رغم ما تمر به من الأزمة الحالية.

عواقب الإفصاح

في مقاله الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، رأى الكاتب إيتمار آيخنير، أنه يجب عدم التقليل من حجم الضرر بالنسبة لإسرائيل، على الأقل في الفترة القريبة، ذلك أنه "سيصعّب على إسرائيل التحدّث إلى دول إسلامية وعربية، في ظل غياب الثقة"، مضيفًا أن هذه الدول تلقّت ضربة قوية بعد أن قرروا في إسرائيل الإفصاح عن اللقاء التاريخي بين وزراء الخارجية.

وقال الكاتب، إن هذا الأمر "سيدفع قادة دول عربية إلى التفكير ملياً قبل إجراء لقاء سري مع مسؤول إسرائيلي كبير، لأنهم قد يجدون أنفسهم ضمن بيان رسمي تنشره وزارة الخارجية الإسرائيلية، والتعامل بعدها مع تظاهرات غضب في بلدانهم".

وأشار الكاتب إلى الانتقادات التي طالت "كوهين"، حتى من داخل الحكومة، واعتبرته غير محترف، محملين إياه مسؤولية توجيه ضربة للعلاقات الإسرائيلية الخارجية والتسبب بأزمة في ليبيا من أجل مصالحه الشخصية، واحتلال مكان في العناوين.

المستفيد الأكبر

الكاتب أشار في تقريره إلى أن "المستفيد الأكبر" من تورط وزارة الخارجية الإسرائيلية في الشأن الليبي، هو جهاز الموساد الذي "يُعتبر أكثر نجاحاً في الحفاظ على السرية في قضايا مماثلة، ويتنافس مع وزارة الخارجية في الاتصالات السياسية، لتوسيع دائرة علاقات السلام مع دول عربية". ونقل عن مسؤولين إسرائيليين، لم يسمهم، أن كوهين "ضحّى بمصلحة الدولة من أجل مصلحته الشخصية".

وقال المحلل السياسي الإسرائيلي يوسي فارتر، في صحيفة "هآرتس"، إن اللقاءات السرية جزء لا يتجزأ من عمل وزير الخارجية، "لكن المنصب الحساس مُلزم. ويجب أن تكون المصلحة الوطنية فوق المصلحة الحزبية والشخصية".

تظهر التسريبات المتكررة أن إسرائيل لا تقيم وزنًا لغضب الشارع العربي وردة فعل الشعوب العربية المناهضة لها، فإسرائيل تعلم جيدًا مدى رفض الشارع العربي لها، وتعلم كذلك رفضهم للتطبيع معها بأي شكل كان.