"الأسرة الدندراوية" بين الدين والسياسة.. كيف نشأت وماذا تهدف؟

ذات مصر

في زمنٍ تتصارع فيه الجهات لتشكيل هويّة الإنسان، تأسّس جمع مسلم معروف في وسط الشارع الإسلامي باسم "قبائل وعائلات الأسرة الدندراوية" عام 1292 من الهجرة الموافق لعام 1875 من الميلاد.

ومؤسس هذا الجمع هو “السلطان محمد الدندراويّ” من أحفاد السلطان اليوسف جدّ قبائل "الأمارة" بدندرة، والسلطان اليوسف هو من وَلدِ الشريف إدريس الأول مؤسّس دولة الأدارسة بالمغرب العربي، سبط الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه وفقا لما جاء في كتاب الوثيقة البيضاء للتعريف بهذا الجمع.

ويقود الجمع المسلم في الوقت الحالي هو الأمير هاشم الدندراوي، أمير قبائل وعائلات الأسرة الدندراوية.

ولد مؤسّس الأسرة الدندراوية في قرية دندرة بقنا في صعيد مصر عام 1835 ميلادي.

وشاهد السلطان الدندراويّ منذ حياته الأولى ما وصل إليه الإنسان المسلم وأمّة المسلمين من حالٍ متردٍّ حزين وشاهد التباغض والتحاسد والتدابر والتقاطع بين من كانوا بالأمس إخوة متحابين، وشاهد الصراع الفكري والطبقي والعرقي والاقليمي بين من كانوا بالأمس متماسكين متلاحمين.

ونهض السلطان الدندراويّ  لتحمّل مسؤوليته، جاعلاً همّ عقله الرشيد التفكير في سبيلٍ للخروج من هذا المأزق الإنساني، فبدأ ترحاله في بلاد أهل التوحيدِ.. لَعلهُ يجدُ بينَ الموحدينَ منْ وَجدَ تفسيراً للحالِ الحزينِ.. واتخذَ خُطاهُ لعلاجِ ذلكَ البلاءِ المُهينِ.

وأمضى أكثر من عشرين عاماً متتبعاً مقولات المصلحين، متفحّصاً أعمالهم وبرامجهم الإصلاحية وإنجازاتهم ليجد عند واحدٍ منهم “رؤية أو عملاً” يوافقان ما توصّل إليه من معرفةٍ بأصل الداء وكيفية الدواء، حتى ينضم إليه ليراكم جهده إلى جهده.

وعندما بلغ الأربعين من عمره في عام 1292 هـ الموافق لعام 1875 م، كان قد عاين المشهد الإصلاحي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولم يجد ضالته عند واحد من أفراد المصلحين أو تجمعاتهم فأسّس جمعة المسلم ووضع أساسياته وأسسه المحمدية، وفي عام 1907 وتوفي  بالمدينة المنوّرة ودفن بالبقيع، تاركاً أمانة قيادة جمعة المسلم إلى نجله الدندراوي الثاني الإمام العباس الدندراويّ، وبقي ما بقيت الأسرة الدندراوية هو "الجدّ المعنويّ" لكل مسلمٍ انتسب إلى صفوف جمعه.

 لماذا نشأت الأسرة الدندراوية؟

 أسّس السلطان الدندراوي جمعاً مسلماً ليضمّ كافّة الذين اقتنعوا برؤيته الإصلاحيّة وعزموا على استعادة قيم الإسلام وقيمة المسلمين.

وأسّس السلطان الدندراويّ نواة جمعه المسلم، المعروف باسم "الأسرة الدندراوية"، في قرية دندرة بقنا  في صعيد مصر، ولذا، يُعتبر أهل قبائل الأمارة بدندرة ومعهم عائلات مسلميها بمثابة النواة للشجرة الإنسانيّة للأسرة الدندراوية.

ولكن لم ينحبس جمع الأسرة الدندراوية في قرية دندرة، بل لم تلبث جذور هذه الشجرة الإنسانيّة أن تمكّنت بغالبيّة قبائل جنوب الصعيد “محافظات قنا وأسوان والبحر الأحمر”، وتمّ استواء ساقها من العديد من عائلات مصر، ثم تفرّعت فروع هذه الشجرة على اتّساع الانتشار الإنسانيّ لأمّة المسلمين في بلاد شرقيّة وغربيّة.

ومن الأسماء التي حملها الجمعُ المسلم الذي أسّسه السلطان الدندراوي: "الجماعة السلفيّة أتباع السادة الدندراويّة" و"مريدو الطريقة الأحمديّة" و"مريدو الطريقة الرشيديّة" و"جمعيّة أبناء العباس" و"رجال الدندراوي"، وفقا لما جاء في الوثيقة البيضاء كتاب التعريف بالجمع المسلم.

وهذه الأسماء كلّها لا تنطبق على الجمع المسلم الذي أسّسه السلطان الدندراوي، لذا ففي عام 1973م، استقرّ قرار الدندراوي الثالث سموّ الأمير الفضل بن العباس آل الدندراوي، أمير هذا الجمع المسلم، مع جميع المنتسبين إلى صفوفه، بأن يتّخذوا لأنفسهم اسماً مشتقّاً من هوية تكوينهم المحمديّ ومن ملامح كيانهم الدندراويّ. فكان الاسم المختار “جمع إنسان محمد – الأسرة الدندراوية”.

وهذا الاسم المركّب من عبارتين، يدلّ بعبارته الأولى على هويّة التكوين المحمديّ، ويدلّ بعبارته الثانية على ملامح الكيان الدندراويّ، وكان ذلك عام 1393 من الهجرة الموافق لعام 1973 ميلادي، وهو العام الذي ظهر فيه اسم الأسرة الدندراوية.

 تصنيف الأسرة الدندراوية بين الطوائف الإسلاميّة الأربعة

عرف الشارع الإسلاميّ – في القرون الثلاثة الأخيرة - أربعة أنماط من التجمّعات الإسلاميّة، يختلف كلُّ واحدٍ منها بكيانه عن الآخر، وهي، تجمّعات المذاهب الفقهيّة، وتجمّعات الطرق الصوفيّة، وتجمّعات الجمعيّات الخيريّة، وتجمّعات التنظيمات الوطنيّة، وخارج هذه الأنماط الأربعة المتخصّصة لم يعاين المسلم المعاصر نمطاً خامساً، أم المسلم الذي عاصر القرون الثلاثة السابقة.

والأسرة الدندراوية ليست واحداً من هذه الكيانات الأربعة المتخصصة ولا تطرح نفسها بديلاً عنها، كما أنّها في الوقت نفسه ليست بعيدةً ولا مناقضةً لأيّ واحدٍ منها.

وفي إطار تصنيف الأسرة الدندراوي، إن الأسرة الدندراوية هي كيان اجتماعي يضم مسلمين محمديي التكوين يتآلفون على صورة أمّة المسلمين الواحدة، رغم تنوّع طوائفهم الفكريّة وطبقاتهم الاجتماعية ورغم تعدّد قوميات أعراقهم وأقاليم سكناهم.

 ما هي رؤية الأسرة الدندراوية للإسلام؟

إنّ الأسرة الدندراوية هي جمعٌ مسلمٌ يؤمن بكلّ ما يؤمن به المسلمون من معتقداتٍ إيمانيّةٍ، ويلتزم بكلّ ما يلتزم به المسلمون من فرائضَ إسلاميّة، ومرجعيّته في الحياة والفكر هو كلام الله سبحانه وقول رسوله الكريم صلوات الله عليه.

ما أهداف الأسرة الدندراوية؟

من أهداف نشأة الأسرة الدنراوية هي مواجهة الهجمات الظالمة على شخص سيّد البشر محمد رسول الله - عليه صلوات الله - تتقدّم الأسرة الدندراوية لتحمل مهمّة "القضيّة المحمديّة" وتجعل أولويّات أهدافها الدفاع عن الأعتاب النبويّة، لأنّه لا يمكن لقيم الإسلام أن تقوم في وجدان المسلم ولا يمكن لأمّة المسلمين أن تتلاحم خيوط نسيجها في الوجود بعيداً عن شخص الرسول المصطفى والزعيم المجتبى صلوات الله عليه.

شرط الانتساب إلى جمع الأسرة الدندراوية؟

وضع مؤسّس الأسرة الدندراوية، السلطان الدندراوي، شرطاً واحداً للانتساب إلى جمعه المسلم، وهذا الشرط هو أن يرتبط المسلم الراغب بالانضمام إلى الصفوف بشخص سيّد البشر محمد رسول الله، عليه صلوات الله، بارتباطين متلازمين هما، ارتباط الإيمان بالذات النبويّة المتفرّدة، وارتباط الانتماء للذات النبوية المتفردة.

كيفيّة الانتساب إلى جمع الأسرة الدندراوية؟

ينضمّ المسلم، الذي عزم على الارتباط بشخص سيّد البشر محمدٍ رسول الله، إلى جمع الأسرة الدندراوية بالانتساب المعنويّ إلى مؤسّسها السلطان الدندراوي الأول.

وهذا الانتساب المعنويّ إلى مؤسّس الأسرة الدندراوية يعطي المنتسب إليه اسم "الدندراويّ"، ولكنّه لا يحلّ محلّ نَسَبه العائليّ، ولذلك فإن الاسم الدالّ على الانتساب يسبق اسم الشخص واسم عائلته، فنقول، “الدندراويّ فلان بن فلان”.

وبهذا الانتساب المعنويّ يصبح مؤسّس الأسرة الدندراوية، السلطان الدندراويّ الأول – عليه من الله الرضوان، هو الجدّ المعنويّ لجميع المنتسبين إلى جمعه، ويكون ولده الدندراويّ الثاني الإمام العباس الدندراويّ، هو الوالد الروحيّ لجميع أبناء الأسرة الدندراوية، ويكون حامل المسئولية القيادية في جموع قبائل وعائلات الآسرة الدندراوية هو الشقيق الأكبر لجموع قبائل وعائلات الآسرة الدندراوية.

وقد أمر مؤسّس الأسرة الدندراوية أن يبقى الانتساب إلى صفوف جمعه المسلم باباً مفتوحاً أمام عامّة أهل التوحيد إلى ما شاء الله لبقاء الحياة، وذلك حتى ينضمّ إلى جمعه كلّ من أراد ووقتَ ما يريد، على الشرط المذكور آنفاً.

الأسرة الدندراوية والسياسة

إن الأسرة الدندراوية لا تتعاطى السياسة على مستوى جموع ساحاتها في أوطان انتشارها، وهي لا تشغلها السياسة لأنّها ليست قضيّتها، ولكنّها – في الوقت نفسه - لا تمنع أيّ واحدٍ من أبنائها من ممارسة العمل السياسيّ، شرط أن يقوم بعمله على أنّه شأنٌ شخصيٌّ ولا يطالب أبناء الأسرة الدندراوية من جموع ساحته بالتحزّب معه لمصلحةٍ سياسيّة.

إن الأسرة الدندراوية هي كيانٌ اجتماعيٌّ وليست كياناً سياسيّاً، وأيّما واحدٍ من أبنائها مارس العمل السياسيّ فإنّه إنّما يمارسه بصفته الشخصيّة. فالأسرة الدندراوية تعتبر أنّ العمل السياسي هو مهنةٌ كسائر المهن ضروريّة للاجتماع الإنسانيّ، وتخضع لما تخضع له كلّ مهنةٍ من شروطٍ على مستوى الكفاءة المعرفيّة والأخلاقيّة.

ومن المقولات الدندراوية: "نحن نَعْلَمُ بالسياسة ولا نَعْمَلُ بالسياسة".