السفير عبد الله الأشعل يكتب: تطور المركز القانوني للمقاومة وتطور المقاومة الفلسطينية

ذات مصر

يذكر أن أوروبا المسيحية هي التي انفردت بوضع القانون الدولي منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر. وفيما يتعلق بالمقاومة افترضت أن القوة الاستعمارية والسيطرة على الشعوب حق مشروع مادام يهدف إلى نقل هذه الشعوب من حالة البربرية إلى الحضارة ولذلك سمى نفسه استعمارا وهى كلمة إيجابيه تعنى البناء والتعمير ولذلك بررت القوة الاستعمارية جرائمها في الأقاليم المستعمرة التي سيطرت عليها بهذه النظرية، إضافة إلى ذلك أنها استعانت بنظرية دارون الذى يقول بالبقاء للأصلح وأوروبا هي الأصلح واليد العليا وأما الشعوب المغلوبة على أمرها فهي لا تستحق الحياة.

وبتطور الأحداث وعندما بدأ الاحتكاك بين القوى الأوروبية نفسها سمحت قواعد القانون الدولي بالمقاومة التي تعقب الغزو مباشرة وميزت بين الغزو والاحتلال على أساس أن الغزو هو الفتح وهو الضربة الأولى للقوى الاستعمارية وما لم تقم المقاومة ضد هذا الغزو فإنه يسقط حقها إذا تحول الغزو إلى احتلال ثم قفزت هذه القواعد خلال الحرب العالمية الثانية عندما احتلت ألمانيا معظم أوروبا الغربية وخاصة فرنسا فاعترف القانون الدولي بالمقاومة ضد الاحتلال ووضع قواعد للاحتلال الحربى واعتبر الاحتلال عدوانا وفعلا عدائيا وأن المقاومة لهذا العدوان مشروعة باستخدام كل الوسائل ولكن المشكلة أن هذه القواعد طبقت فقط على الرجل الأبيض ولم تطبق على أبناء المستعمرات.

وفى المرحلة الثالثة اشتدت معاناة الإنسان الأبيض خلال الحرب العالمية الثانية التي حصدت ملايين الأرواح فتنادت أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حلفاء الحرب العالمية الثانية لإنشاء عالم جديد يتمتع بالقانون في جميع المجالات وخاصة في مجال ضبط سلوك المتحاربين فوضعت اتفاقات جنيف الأربع عام 1949 ثم بدأ عصر ميثاق الأمم المتحدة الذي وضع سبعة مبادئ راقية تسير عليها الدول في علاقاتها الدولية ولكن ظلت أوروبا تميز نفسها كلما كان الطرف الآخر في الصراع من خارج أوروبا.

ثم بدأت المرحلة الرابعة في تطور المقاومة لأن الاتحاد السوفيتي اتفق بشكل استثنائي مع الولايات المتحدة على إزاحة الاستعمار الأوروبي أرادت واشنطن أن تحل بالمستعمرات محل الاستعمار الأوروبي بينما خططت موسكو لأن تحل محل أوروبا في مستعمراتها وهكذا التقت إرادة موسكو وواشنطن على تأييد حركات التحرر الوطني وأنشأت في الأمم المتحدة لجنة تصفية الاستعمار وبالفعل بدأ التسابق بين واشنطن وموسكو في إطار الحرب الباردة لاستقطاب حركات التحرر الوطني وكانت موسكو هي الأسبق في الحصول على نصيب الأسد ولكن في نهاية المطاف تم الاعتراف في الملحق الأول لعام 1977 لاتفاقات جنيف الأربعة بأن حركات التحرر الوطني تتمتع بالشخصية القانونية الدولية واستفادت المقاومة الفلسطينية من هذا التطور عندما اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت مبكر عام 1974 بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني.

هكذا تم الاعتراف بالشرعية للمقاومة في القانون الدولي  وأساس شرعيتها هو عدم شرعية الاحتلال ولكن ظلت هذه القواعد نظرية تطبق حسب مصالح الدول الغربية وقد ظهر ازدواج المعايير في مشاهد معاصرة أهمها المشهد الأوكراني الذى التف الغرب حول أوكرانيا دفاعا عن هيمنة الغرب ضد روسيا التي خاطرت وقامرت بتغيير النظام الدولي القائم على هيمنة الغرب وقد اصطف هذا الغرب وراء إسرائيل لإبادة غزة لأن الغرب يعتبر إسرائيل وكيلا له وقاعدة متقدمة لفرض هيمنته على الشرق الأوسط فكبر عليه أن يعترف بأن الشعب الفلسطيني بشر وله حق الحياة مثل بقية شعوب الأرض كما كبر عليه أن المقاومة الفلسطينية تجرأت وتسلحت بالقانون الدولي وظنت أنها مشروعة وفقا لهذا القانون وأن الغرب قد يتحمس لتطبيق هذه القواعد على المقاومة الفلسطينية.

تطور المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل:

بدأت مصر بتشكيل المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وبالفعل ظهرت المقاومة في حركة فتح في فبراير 1965 ولكن يبدو أن عبد الناصر كان حريصا على أن يخلق مجموعة من أوراق القوة في مواجهة إسرائيل دون أن يكون لديه الرغبة في مواجهتها عسكريا بدليل أن الجيش المصري لم يتسلح ولم يتدرب وهزم في جميع المواجهات مع إسرائيل ابتداءً من 1948 حتى 1967 ويبدو أن عبد الناصر اقتنع بهذه النظرية بدليل أن المعاصرين لعبد الناصر قد كتبوا في مذكراتهم أن عبد الناصر في عام 1967 كان يري أن مصر لن تطلق الطلقة الأولى ضد إسرائيل التي كان لديها خطة محكمة لتدمير الطيران المصري وحسمت المعركة خلال ست ساعات.

وظلت فتح تقود المقاومة المسلحة من لبنان والأردن وظل عبد الناصر يتدخل لتذليل عقبات المقاومة في البلدين حتى احتلت إسرائيل بيروت عام 1982 وأصرت على جلاء المقاومة من بيروت إلى تونس وبذلك انتهت المرحلة الأولى من المقاومة الفلسطينية.

وقد بدأت المرحلة الثانية الحالية من المقاومة الفلسطينية بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 حيث بدأت مرحلة المقاومة الإسلامية ونشأت حماس وذراعها العسكري القسام كما نشأت الجهاد الإسلامي في العام التالي ثم كان عرفات يتسامح مع المقاومة ولكن إسرائيل تمكنت من إبرام اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات بعد أن اعترف ياسر عرفات بقرار التقسيم عام 1988 الذى رفضته إسرائيل فأصبحت الساحة الفلسطينية تشهد طريقين متناقضين الطريق الأول هو السلطة الفلسطينية التي كان يرأسها عرفات إلى جانب رئاسته لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكن المقاومة اتخذت طريقا آخر بدعم  من الجمهورية الإسلامية في إيران التي بدأت يومها الأول بإعلان العداء لأمريكا وإسرائيل وهكذا مارست أمريكا وإسرائيل ضغوطا على عرفات حتى لا يتسامح مع المقاومة ضد إسرائيل خاصة وأن مصر التي كانت ترعى المقاومة مع فتح أيام عبد الناصر قد دخلت إلى المعسكر الأمريكي الصهيوني بمعاهدة السلام وهكذا اتجه العرب إلى ما يسمى بالسلام مع إسرائيل كخيار استراتيجي وقدمت السعودية مبادرة الملك فهد التي تبنتها قمة الرباط عام 1982 وهكذا فهم حكام مصر أن معاهدة السلام تلزم مصر بعدم الاعتراف بالمقاومة ضد إسرائيل رغم أن معاهدات السلام لم تكن حلا للمشكلة الفلسطينية وإنما دعمت إسرائيل وجعلتها أكثر تعنتا في مواجهة القضية.

 والحقيقة أن معاهدة السلام هي ثمرة التقارب المصري الإسرائيلي الأمريكي وليس فيها نص يمنع مصر من الوقوف مع المقاومة خاصة مع تعثر التسوية السياسية ولكن مصر الحليف للولايات المتحدة وإسرائيل فهمت أن من واجبات التحالف معاداة المقاومة وبالفعل اشتركت مصر مع الدول العربية الأخرى في إصدار قرار من الجامعة العربية يصف المقاومة بأنها إرهاب وهذا هو الذى شجع إسرائيل على خطتها بإنهاء المقاومة ولقيت هذه الخطوة تجاوبا عربيا واضحا خاصة من مصر بحكم تحالفها مع أمريكا وإسرائيل والسعودية التي تصدرت العمل العربي والإسلامي بعد تراجع الدور المصري وقدمت السعودية تبريرا لهذا الموقف بأنها في صراع مع إيران التي تدعم المقاومة ثم تدعم الحوثيين في اليمن ضد السعودية والحقيقة أن الصراع هو بين إيران والولايات المتحدة وأن السعودية منحازة للولايات المتحدة وليس هناك خلاف من أي نوع بين إيران والسعودية بل هناك لجنة مشتركة للتنسيق السياسي للبلدين وهكذا حلت إيران محل مصر في دعم المقاومة ولكن في اطار مشروعها المناهض لأمريكا وإسرائيل وارتكز الموقف الإيراني على أن المقاومة مشروعه وهدفها تحرير الأرض الفلسطينية المغتصبة وتحرير الشعب الفلسطيني المستضعف كما ارتكز الموقف الإيراني على قضية القدس التي تتسم بالطابع السياسي والديني لدرجة أن إيران شكلت فرقة من الحرس الثوري الإيراني أسمها فيلق القدس.

فهمت إسرائيل أن القضاء على المقاومة الفلسطينية يفتح الطريق إلى تفريغ فلسطين من أهلها تمهيدا لاستقدام يهود العالم كمرحلة أخيرة للمشروع الصهيوني وقد ظهر أن الدول العربية بدرجات مختلفة في أزمة غزة الأخيرة تعجز عن تحدى إسرائيل ونشك بأن إسرائيل سوف تنجح في مسح المقاومة خريطة المنطقة كما ظهر أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة قد ساند الفلسطينية بجميع أجنحتها وفصائلها من مساندة عمياء إسرائيل ولم يقابل هذه المساندة مساندة للمقاومة أو للشعب الفلسطيني من العالمين العربي والإسلامي ومؤسسات الأمم المتحدة فلا تزال إسرائيل اللاعب الأساسي وصاحب القرار ومع ذلك تبدو عاجزة رغم إمكانياتها الهائلة في شطب المقاومة من الخريطة.