السفير عبد الله الأشعل يكتب: دلالات الفيتو الأمريكى بشأن وقف إطلاق النار فى غزة

ذات مصر

تقرر الفيتو بشكل عام للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لسببين:

السبب الأول هو مكافأة انتصارها في الحرب العالمية الثانية، والسبب الثاني هو أنها تتحمل في الميثاق المسؤولية الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدولي. وقد استخدم الفيتو عدة مرات في غير أهداف الميثاق، وفى غير الهدف الذي خصص فيه الفيتو للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

ويهمنا بحث نقطتين في هذه المقالة: الأولى هي الأثر القانوني لاستخدام الفيتو في مشروع قرار أجمع عليه بقية أعضاء المجلس وهم 15 عضوا (خمسة دائمون وعشرة غير دائمين ينتخبون كل عامين من الجمعية العامة للأمم المتحدة) وكان الأمل في مجلس الأمن في سنواته الأولى أن يكون حكومة العالم. أما النقطة الثانية هي دلالات استخدام الفيتو الأمريكي لمنع وقف إطلاق النار في غزة.

بالنسبة للنقطة الأولى أجمع الفقه الدولي على أن استخدام الفيتو من جانب دولة دائمة العضوية لا يمنع الآثار القانونية المترتبة على مشروع القرار ولكن يوقف صدور القرار وإلزام مجلس الأمن بتنفيذه فمن الناحية القانونية الدقيقة الفيتو لا يمنع النتائج القانونية المترتبة على مشروع القرار ولكن عندما يكون القرار مرتبطا بالتنفيذ مثل حالتنا فإن الفيتو يمنع إجراء ويمنع صدور القرار وقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو منذ إنشاء الأمم المتحدة أكثر من أربعين مرة كلها لصالح إسرائيل.

الأمر الثاني هو دلالات استخدام الفيتو الأمريكي بشأن غزة. أجمع العالم كله بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة أن إسرائيل تقتل ولا تقاتل، وأنها وضعت خطة لإبادة أهل غزة والقضاء على المقاومة ولكن فشلت الثانية ونجحت في الأولى، بمشاركة أمريكية مباشرة ومساندة مالية وتسليحية غير مسبوقة فكأن الولايات المتحدة تشارك بهذا، باستمرار إبادة غزة بيد إسرائيل والتخطيط من جانب الولايات المتحدة وقد كشفت إسرائيل مؤسسات المجتمع الدولي جميعا التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وأثبتت إسرائيل والغرب عموما أن القانون الدولي يستخدم لأغراض سياسية.

أما فيما يتعلق بإسرائيل فإنها مشروع غربي رعته بريطانيا ثم أمريكا وظهر في أحداث غزة الأخيرة أن الغرب مستعد لإبادة غزة لصالح إسرائيل وظهر أن إسرائيل عند الغرب أهم من أوكرانيا لسبب بسيط وهو أن أوكرانيا من خلال الغرب يحارب روسيا أما في حالة إسرائيل فإن إبادة غزة أمر يتم الإجماع عليه من الدول العربية والإسلامية والغرب.

ويترتب على ذلك أن بعض الحكام العرب يستعجلون إسرائيل في القضاء على المقاومة ولكن المقاومة سوف تنتصر؛ لأن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع أن يحارب العصابات والمقاومة هي عصابات مسلحة ولكنها تدافع عن الحق في فلسطين ضد الباطل الإسرائيلي والعربي والإسلامي والغربي.

وما دامت الولايات المتحدة تمكن إسرائيل من إبادة غزة واستخفت بمسعى الأمين العام مؤيدا من 13 دولة عضوا في المجلس فإن الفيتو يتم تسليط الضوء عليه مجددا ولا بد من انتزاع هذا الفيتو من الدول دائمة العضوية التي لا تفي بشروط وظروف منح الفيتو واستخدامه ولكن المعضلة من ينزع من ممن وقد حاول الغرب نزع الفيتو من روسيا بمناسبة أوكرانيا ولكن الغرب لا يستطيع بحكم الميثاق ومعنى ذلك أن الفيتو قضية معقدة لابد أن تتفاهم الدول الكبرى على حل لها ولم يتم ذلك لأنه في مصلحة الدول الكبرى فكان رد فعل الصين وروسيا على استخدام واشنطن للفيتو هو الأسف ولكن المشكلة لا تزال قائمة وإسرائيل ماضية في إبادة غزة وهدفها تهجير من بقى حيا إلى مصر ولعلها مع واشنطن أعدت العدة لذلك.

ويترتب على ذلك فقدان الثقة تماما في الأمم المتحدة وأجهزتها خاصة وأن المجلس انعقد تطبيقا للمادة 99 من الميثاق بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة ومعنى ذلك أن الفيتو الأمريكي يعتبر لطمة لسلطات الأمين العام فمن ينقذ غزة من الفجور الإسرائيلي الأمريكي، خاصة وأن الدول الأوروبية أعضاء المجلس أبدت أسفها علي الفيتو الأمريكي وكانت تؤيد وقف إطلاق النار ولكن لأسباب داخلية في إسرائيل رفض نتنياهو وقف إطلاق النار لأن الجيش الإسرائيلي لا يوافق على ذلك لأنه يريد مواصلة تحقيق أهدافه مهما كانت الخسائر لأن وقف إطلاق النار إشارة إلى نهاية الحياة السياسية لنتنياهو بالإضافة إلى بداية التفاعلات الداخلية نتيجة الفشل الأمني والعسكري والاستخباراتي لإسرائيل في مواجهة المقاومة، وهو جرس إنذار لبدأ العد التنازلي لفناء إسرائيل ونحن نقدر أن هذه التفاعلات سوف تستغرق سنوات قليلة ولن توافق إسرائيل حتى مع تراجعها وفنائها على حل الدولتين التي يتشدق بها العرب والمسلمون ولن يقبل به الفلسطينيون بعد هذا التوحش الإسرائيلي الأمريكي وهم يطالبون بأن تخلص فلسطين لأهلها فالحياة في فلسطين لا تحتمل الفلسطينيين والإسرائيليين معا وعلى العالم العربي وحكامه أن يرتبوا أنفسهم لمواجهة هذه الحقيقة بعد أن تآمروا طويلا على القضية الفلسطينية ودعموا إسرائيل ويحتمل أن يكفر الفلسطينيون بالعروبة ولكنهم سوف يتمسكون بالإسلام الذى نصرهم على التحالف العدو والصديق وسوف يكون لهذه الوقائع ما بعدها في الشرق الأوسط كله.