بعد تدخلها الأخير.. تعقيدات تمنع إعلان واشنطن الحرب على الحوثيين

ذات مصر

بعد نحو 90 يومًا من عدوان الاحتلال الإسرائيلي، لم يكن السبيل يومًا إلى قلب قطاع غزة مجرد نزهة كما ظن الاحتلال الإسرائيلي وقادته الذين يمرون بتحديات كبيرة، بينما تمضي المقاومة في خلق واقع عسكري جديد وسط إحباط بلغ ذروته في الشارع الإسرائيلي مع نُذُر فشل العملية البرية في تحقيق أهدافها.

ومنذ بلوغ الأحداث ذروتها بعد طوفان الأقصى، تشابكت جماعة أنصار الله الحوثيين باكرًا مع الأحداث، وشاركت في المعارك من مكانها ذي التأثير البالغ عند مضيق باب المندب في البحر الأحمر، لتنجح في إسقاط المسيرة الأمريكية الأحدث من طراز "إم كيو 9″، لتواصل الجماعة استعراض قوتها واشتبكت مع المُدمرتين "يو إس إس كارني" و"يو إس إس مَيسن" التابعتين للبحرية الأمريكية، ثم أطلقت توعدها الأهم باستهداف كل سفينة إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل حتى وقف الحرب وفك الحصار عن غزة.

وخلال الساعات القليلة الماضية، وصل الاشتباك إلى ذروته، بعد أن قصفت البحرية الأمريكية زوارق تابعة لجماعة الحوثي، ما أسفر عن 10 أشخاص منتسبين للجماعة.

ومنذ إعلان الحوثيين تدخلهم وتنفيذ الهجمات العسكرية على مدار أكثر من 60 يومًا، بدت الولايات المتحدة في أوج غضبها وارتباكها؛ وذلك لامتلاك الحوثيين ترسانة صواريخ باليستية جيدة وطائرات مسيَّرة يتجاوز مداها الـ 2000 كيلومتر، وهي المسافة ذاتها التي تفصل بين تل أبيب وصنعاء.

ملف شائك

ورغم أن الحوثيين لا يمكن لهم قياسًا، أن يشكلوا تهديدًا عسكريًا مباشرًا للاحتلال الإسرائيلي، فإنهم على عكس المقاومة يستطيعون فرض حظر بحري "انتقائي" ضد السفن الإسرائيلية المارة عبر مضيق باب المندب، وتهديد السفن الحربية الأمريكية التي تظهر لحمايتها. وهذا ما جعل كثيرًا من السفن المرتبطة بإسرائيل، تتجنب المرور في البحر الأحمر والدوران حول أفريقيا، في خضم ارتباك الموقف الأمريكي والتعقيدات السياسية التي تحول دون تحمُّس الدول المُطلة على البحر الأحمر للانخراط في مواجهة ضد الحوثيين في الوقت الراهن.

ويرى محللون أن التعامل مع تهديد الحوثيين من الملفات الشائكة التي تهدد بتأزم العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، فمع أن الولايات المتحدة تقدم دعمًا عسكريًا مفتوحًا للمجهود الحربي لدولة الاحتلال، إلا أن هناك خلافات جوهرية بين الطرفين، أهمها أن واشنطن لا تبدو مرتاحة لفكرة حرب بلا نهاية في غزة، بالإضافة إلى تشككها في إمكانية إخضاع القطاع للسيطرة الإسرائيلية.

ويأتي الخلاف الأصعب حول تدخل الحوثيين وفعلهم في البحر الأحمر، إذ ترفض واشنطن توجيه ضربة عسكرية مباشرة للحوثيين، ما دفع نتنياهو لإبلاغ الإدارة الأمريكية عزمه التحرك عسكريا ضدهم إذا لم تتخذ واشنطن أي إجراءات. وعلى إثرها قررت واشنطن التدخل على استحياء لحماية السفن التي يستهدفها الحوثيون، دون اتخاذ قرار بالتصعيد المباشر ضدهم.

تشابكات السياسة

وبينما يقول الحوثيون الذين يسيطرون على ثلاثة موانئ رئيسية إن عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر لها أهداف مُحددة ومعروفة للجميع ولا تستهدف إلا السفن الإسرائيلية، دعت الولايات المتحدة لتوسيع قوة المهام المشتركة 153، وهي وحدة عسكرية تضم 39 دولة تركز على تأمين ومكافحة الإرهاب في البحر الأحمر وخليج عدن. وكانت مصر تتولى قيادتها منذ أواخر 2022، قبل تسليمها للأسطول الخامس الأمريكي الذي يقودها حاليًا من يونيو الماضي.

وفي حين تتصدر مصر وبجانبها السعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة مسؤولية حماية التجارة العالمية، وسلامة عبور ناقلات النفط من قناة السويس، إلا أن أحدًا منهم لم يرغب في خوض مواجهة مباشرة مع الحوثيين في هذا التوقيت، خاصة أن عملية كتلك سوف تظهر بوصفها خدمة للمصالح الإسرائيلية أكثر من كونها طريقة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر.

وزاد الموقف تعقيدًا، التهديد الإيراني رسميًا من أن ذلك التحالف سيواجه مشكلات استثنائية، ووجَّه وزير الدفاع الإيراني، تحذيرا ضمنيا للجميع بأن المنطقة لم تعُد قادرة على تحمل المزيد من صراعات القوى نتيجة ما أسماه بـ "الحماقات الأمريكية"، بحسب تعبيره.

ومن هذا المنطلق، لا أحد يميل لاتخاذ خطوات متسرعة، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، وذلك بسبب الرفض العربي فضلًا عن إحجام حلفاء الولايات المتحدة الغربيين عن المشاركة وفي مقدمتهم إسبانيا وفرنسا، ومنعًا لهدم سنوات من السلام مع الحوثيين، إلى جانب الرغبة في عدم توسيع الحرب إقليميا، وهو نهج حرصت عليه واشنطن جزئيا بعد أن دعت إسرائيل إلى عدم الرد عسكريا على الحوثيين، لأن ذلك يمكن أن يشعل صراعا أوسع في منطقة على حافة الهاوية بالفعل، وفق ما قالته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.

أهداف متناقضة

ومما يزيد من تعقيدات الأمور لدى واشنطن، أنها ترغب في تحقيق أهداف متناقضة في الوقت نفسه؛ فمن ناحية، تعتبر نفسها مُلزمة بحماية المصالح الإسرائيلية والبحر الأحمر باعتباره منطقة ذات مصالح إستراتيجية، ومن ناحية أخرى لا ترغب في تصعيد الموقف مع إيران وحلفائها في المنطقة كي لا تتعقد الأمور أكثر على المحور الشمالي ممثلا في حزب الله اللبناني، الذي بدأ اشتبك فعلا مع إسرائيل.

وفي غضون ذلك، اختبرت إيران شرعية تصعيدها عبر المؤتمر الدولي الذي دعت إليه من أجل غزة، وحضره ممثلون عن أكثر من 50 دولة، وانتقد جميعهم الولايات المتحدة، ما يشير إلى أن واشنطن قد تتجه لمراجعة خيارات الاحتواء أو التصعيد.

وبحسب ما يعتقده الغرب، فإن إيران زودت الحوثيين بسفينة مراقبة في البحر الأحمر، بهدف كشف مواقع السفن التجارية التي أغلقت أجهزة الراديو الخاصة بها لمنع تعقبها عبر الإنترنت، ما دفع أغلب شركات الشحن، وفق مراقبين، إلى تغيير مسارها، والابتعاد عن ممر مشتعل قد لا تتمكن أي قوى كبرى من السيطرة عليه وإخضاعه بقوة السلاح دون السياسة، على الأقل في وقت قريب.

تدخلات محدودة

ليس من السهل، فيما يبدو، توجيه ضربة عسكرية غربية شاملة للحوثيين في سياق التعقيدات والتشابكات التي تربط الحوثيين بمحادثات سلام مع السعودية، والتحالفات العميقة مع طهران، فضلا عن رغبة واشنطن في احتواء الحوثيين على المدى البعيد لحماية متكسبات الوساطة الأممية، علاوة على التوتر في الأهداف المُعلنة حيال حرب غزة بين الحليفين الأوثق، أمريكا وإسرائيل.

وبالتالي، فإن الهجمات التي ينفذها الحوثيون على السفن الإسرائيلية مرشحة للاستمرار حتى ينجح المجتمع الدولي في إيقاف آلة القتل الإسرائيلية، ووضع نهاية للحرب الدموية التي توشك على دخول شهرها الرابع.

ويرى البعض أن من المرجح، أن تفعل واشنطن كما فعلت بتدخلها مؤخرًا، لتستمر بالتدخلات المحدودة الهادفة لمنع ضربات الحوثي في مهدها، وهي سياسة لا ترقى لتقويض قوة الحوثيين، لكنها تنأى بالولايات المتحدة عن توسيع نطاق الصراع في البحر الأحمر، بحسب رأيهم.