مستقبل حلف الناتو بعد بايدن.. «الدب الروسي» ينتظر فريسته

ذات مصر

أعاد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الجدل مجددًا على الساحة الدولية بعد تصريحاته عن وضع قواعد جديدة للتعامل مع دول حلف الناتو، حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقرر عقدها العام الجاري، ليمنح روسيا فرصة القضاء على حلف الناتو.

دول حلف الناتو بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، تخوضًا حربًا واسعةً ضد روسيا، بعد غزوها أوكرانيا في فبراير 2022، ورغم العقوبات المفروضة على موسكو، والمساعدات الغربية لكييف، لم يستطع التحالف إجبار الدب الروسي على الرضوخ والخروج من أوكرانيا.

الصراع القديم يتجدد

عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض أعادت للأذهان مشهد العلاقات بين ضفتي الأطلسي بعد الفترة الرئاسية له في الفترة 2017 - 2021، والتي شهدت حالة مد وجزر لم تخل من توتر سياسي واقتصادي، فالرئيس الأمريكي السابق غير متحمس لحلف الناتو، كما اتخذ موقفاً مغايراً تجاه العلاقات مع روسيا، ولم يبد استعداداً لخصومة تصل إلى حدود الحرب مع موسكو.

وقال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، السبت، إنه سيشجع روسيا على أن تفعل "ما تريده بحق الجحيم" لأي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لا تدفع ما يكفي. متابعًا: "لقد فعلت الشيء نفسه مع حلف شمال الأطلسي، وجعلتهم يدفعون. الناتو أصيب بالإفلاس حتى جئت. لقد قلت أن الجميع سيدفعون. قالوا: "حسنًا، إذا لم ندفع، فهل ستستمرون في حمايتنا؟" قلت لا على الإطلاق. لم يصدقوا الرد". 

وتابع: "وقف أحد رؤساء دولة كبيرة، وقال: حسنًا يا سيدي، إذا لم ندفع وتعرضنا لهجوم من روسيا، فهل ستحمينا؟ قلت: أنت لم تدفع، أنت متأخر عن السداد. قال: "نعم، لنفترض أن ذلك حدث". (فقال ترامب) لا، لن أحميك. في الواقع، أود أن أشجعهم على فعل ما يريدون بحق الجحيم. عليك أن تدفع... (ثم) تدفقت الأموال".

وتوقع مراقبون ومحللون، ألا يتغير موقف ترامب في بعض سياساته الخارجية التي اعتمدها مع الأوروبيين خلال فترة رئاسته، لكنه سيكون "أكثر دبلوماسية وأقل فجاجة" في خطواته نحو تلك السياسات. كما أن الدول الأوروبية باتت تعرف كيف يفكر، وما هي حدود الحوار المشترك بشأن القضايا ذات الاهتمام المتبادل بينهما.

أزمة الحرب الأوكرانية

ومن أهم الملفات المؤرقة بالنسبة للأوروبيين حال عودة ترامب، هما الغزو الروسي لأوكرانيا وتخليه عن حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فكثيرًا ما تعهد ترامب بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة عبر التفاوض مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ويرى باحثون أن ترامب لا يزال معارضًا لحرب أوكرانيًا مشيرين إلى أن مفاوضاته مع بوتين، أيًا كان عنوانها، فلن تخلو من تنازلات لصالح الروس، إما عبر العودة إلى أوضاع ما قبل فبراير 2022، أو من خلال فرض واقع جديد لا يضمن استمرار السلام في القارة العجوز على المدى الطويل.

وفي حديث مع صحيفة "الجارديان" البريطانية، قالت الخبيرة الإيطالية في الشؤون الدولية، ناتالي ثوتشي، إن الأوروبيين يخشون من إجبار ترامب كييف على السلام مع موسكو.

ولا يحتاج هذا، في تقديرها، إلى أكثر من وقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا على جبهات القتال، وتعطيل أي محاولة من دول جوار أوكرانيا لتعويض غياب الولايات المتحدة إن أمكنها ذلك أصلاً.

وشددت ثوتشي، على أن الانسحاب الأمريكي من جبهة المواجهة الأوكرانية، يشجع الرئيس الروسي على مزيد من التمدد داخل أوروبا. وهنا تظهر مخاوف من دور سلبي آخر يلعبه ترمب على مستوى حلف الناتو، يزيد من أعباء أوروبا، ويُضعف موقفها أمام الخطر الروسي.

التخلي عن حلف الناتو

وخلال رئاسته، لم يبد ترامب تمسكًا بحلف شمال الأطلسي، وهدد بالانسحاب منه إن بقيت بلاده الممول الرئيسي للحلف.

ويزداد القلق الأوروبي بشأن الموقف الأمريكي من الحلف، فغالبية الدول الأوروبية غير مستعدة لزيادة إنفاقها العسكري وتخصيص قدر أكبر من ناتجها القومي لصالح الناتو، لكن التساؤلات تتوالى بشأن قرار ترامب ورؤيته للحلف.

وفي ديسمبر الماضي، اتخذ الكونجرس الأمريكي إجراءً يُصعِّب على الولايات المتحدة الانسحاب من الناتو، لكن تقريرًا حديثًا لمجلة "فورين أفيرز"، قال إنه يمكن لترامب عدم الوفاء بالتزامات بلاده تجاه الحلف، أو المماطلة في تطبيق بنود ميثاقه، خاصة المادة الخامسة التي تدعو للدفاع عن أي عضو يتعرض لاعتداء.

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تبنى "الناتو" مفهوماً استراتيجياً جديداً للدفاع يحدد حجم وبنية القوات المسلحة المطلوبة في مواجهة أزمة ما، إذ يمكن نشر 100 ألف جندي في غضون 10 أيام من بدء الأزمة، ثم مضاعفة هذا العدد بين اليوم العاشر إلى الثلاثين، ثم يزيد الرقم حتى يصل إلى نصف مليون جندي مجهزين تماماً، بحسب المجلة.

ويشير الخبراء إلى أن عدد العسكريين الأمريكيين الفاعلين في الحلف يصل إلى نحو 1.4 مليون مقاتل، فيما يبلغ تعداد أفراد الجيوش الأوروبية مجتمعة نحو 1.3 مليون، ورغم الأرقام المتقاربة بينهما، إلا أن الجاهزية الميدانية، والتقنية تختلف كثيراً بين الفريقين، والكفة تميل لصالح القوات الأمريكية.

تحديات اقتصادية

ولا تقف تداعيات عودة ترامب إلى السلطة عند الملفات السياسية والعسكرية التي يعيشها الأوروبيون اليوم، بل إن حصة للاقتصاد تترقب تحديات كبيرة في اتجاهين: الأول يتمثل في العبء الإضافي الذي ستتحمله دول التكتل للنهوض بالصناعة العسكرية وتمويل الجبهة الأوكرانية، بعد انحسار الدعم الأمريكي على يد الجمهوريين، ويتمثل الثاني في الإجراءات الحمائية التي ينوي فرضها دعماً لاقتصاد بلاده.

ووفقًا لمسؤول البرامج في مؤسسة "فريدريش ناومان" للحوار الأوروبي، لينارت نينتيت، فإن ترامب لن يستثني حلفاءه الأوروبيين في التعريفات الجمركية الإضافية التي ينوي فرضها على صادرات العالم إلى الولايات المتحدة، وهنا لا بد للاتحاد الأوروبي من الرد على تلك التكلفة الكبيرة التي تنتظر شركاته ومصانعه بسبب التعريفات. 

وفي تقرير نشرته المؤسسة تحت عنوان: "المرونة الأوروبية وفرص الاقتصاد العالمي"، أشار نينتيت، إلى أن الاتحاد الأوروبي سيفرض على الواردات الأمريكية رسوماً مماثلة لرسوم ترامب، التي لن تقل عن 10%، ولكن ذلك لن يكون كافياً، ولن يحمي سلعاً أوروبية تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية كوجهة للتصدير.