د. سمية عسلة تكتب: صراع الاستحواذ على موانئ اليمن وأفريقيا (الأطراف والدوافع)

ذات مصر

يعد باب المندب الممر الأكثر ازدحاما للشحن في العالم، إذ يمر منه أكثر من 6 ملايين برميل نفط يوميًا وفق آخر إحصائية منشوره. ومن يسيطر عليه يحكم القبض على أكثر من 12% من حركة التجارة العالمية، وما يترتب على ذلك من فرض الهيمنة على البحر الأحمر واقتصاد قناة السويس وحركة الملاحة الدولية بشكل عام، وما يترتب على ذلك من تأثير على الأوضاع الاقتصادية والأمنية والعسكرية في هذه المنطقة التي تعد أهم شريان أمني واقتصادي في العالم.

ما يعكس أهمية الموانئ المطلة على باب المندب وسعي العديد من الأطراف الدولية للسيطرة عليها بدءا من إيراني التي افتعلت حروب الممرات المائية عبر هجمات حوثيه منذ عام 2018 وحتى الآن داخل مضيق هرمز باستهداف ناقلات نفط سعودية ودولية. 

ولا يخفى على الجميع الهجمات التي يقودها الحوثي أحد أهم أذرع إيراني في اليمن باستهدافه لسفن يقول إنها إسرائيلية ويزعم أنها دعما للمقاومة ألفلسطينية ضد العدوان الإسرائيلي الآن على غزه. بل أن هناك بعض الأطراف العربية الخليجية مثل دولة الإمارات التي كأن لها تواجد داخل ميناء عدن في اليمن وفق اتفاقيات حتى عام2013. 

من ثم تمدد المشاريع الاقتصادية الإماراتية عبر شركه موانئ دبي إلى داخل العمق الأفريقي بالاستحواذ الإماراتي على موانئ مهمه في جنوب افريقيا بدءا من ميناء بصاص في بوتلاند بتكلفة قدرها336 مليون دولار دفعتهم موانئ دبي من أجل الاستحواذ لمده 30 عامًا على هذا الميناء الاستراتيجي ثم ميناء جيبوتي حيث قام الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله بإلغاء عقد امتياز دوله الإمارات بالاستثمار في محطة حاويات دورالي عام 2014 وصولا إلى الاجتماع الذي ضم حميدتي المفصول من الجيش السوداني وقائد الانقلاب العسكري وكذلك رئيس الإقليم الانفصالي صومالي لأند وأبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية.

وأعلنوا عن منح إثيوبيا حق الوصول إلى ميناء بربره واستخدامه مع التأكيد على أن موانئ دبي حق امتلاك 51% من عائدات ميناء بربرة منذ عام 2018. تصريحات رئيس إقليم صومالي لأند تفوح منه رائحة الصفقة المشبوهة التي جمعت ثلاثة أطراف منهم اثنين انفصاليين منقلبين على الحكومات الشرعية غير معترف بهم دوليا هما حميدتي ورئيس إقليم أرض الصومال الانفصالي أما الطرف الثالث هو أبي أحمد الموقع عليه عقوبات دولية لانتهاكاته في ملف سد النهضة وسرقة أراضي سودانية لبناء سد النهضة عليها.

موانئ اليمن “من المسيطر”؟

يعد ميناء عدن من اهم الموانئ اليمنية المطلة على البحر الأحمر وهو ميناء ذو طقس معتدل وموقع استراتيجي مهم، ونظرا لعمق مياهه فهو يسمح باستقبال السفن الكبيرة لذلك يعد المنافس الأول لميناء جبل علي في الإمارات. 

عام 2008 استأجرته الإمارات لمده 100 عام والملاحظ أنه لم يتم رفع كفاءه هذا الميناء أو تشغيله بشكل كامل وبكل طاقته، ووفق آخر إحصائية منشوره قبل عمليه الاستحواذ الإماراتي فقد كأن ميناء عدن يستقبل 500 ألف حاويه وقد تراجع العدد في نفس العام إلى 212 ألف حاويه وقد بدأت العديد من السفن بتحويل وجهتها بعيدا عن ميناء عدن بسبب رفع تعريفته بنسبه 80%.

وفي عام 2013 قامت الحكومة اليمنية الجديدة التي تكونت بعد الثورة بقياده السيد عبد ربه هادي بإلغاء عقد استحواذ الإمارات على ميناء عدن بمطالب وضغوطات شعبيه يمنيه.

ولكن وفق ما تناقلته بعض الصحف الدولية بأنه بعد انقلاب الحوثي عام 2015 كأن هناك تواجد إماراتي داخل موانئ يمنية أخرى تشمل ميناء شحر والمكلا وبالحاف وكذلك التواجد الإماراتي داخل جزيره سقطرى وميون اليمنية وكل الموانئ والمواقع المذكورة سلفا لها موقع استراتيجي مهم مطل على باب المندب مدخل البحر الأحمر وقناة السويس المصرية. 

وقد أعلنت دوله الإمارات أن تواجدها في هذه الموانئ والمواقع يهدف إلى تأمينها من الاطماع الخارجية التي تقودها إيران في المنطقة. ولكنه بعد مرور سنوات قليلة من هذا الإعلان الإماراتي وجدنا إعلان إماراتي آخر بعقد اتفاقيه اقتصاديه مع إيران تخص ميناء بندر عباس والذي سيسهل حركه التجارة ما بين الإمارات وإيران.

ومن ثم اتفاقية إماراتية إيرانية أخرى عام 2023 تخص الإمارات بانضمامها ومعها تركيا وروسيا كمستثمرين في مشاريع النقل داخل إيران، وفق تصريحات رئيس مجلس إدارة منطقة سرخس الاقتصادية الخاصة في إيران، محمد رضا برهمند، في مقابلة مع وكالة إرنا حيث قال إن جزء من المعدات والرافعات الخاصة بعمليات النقل بالسكك الحديدية قد وصلت في الوقت الحاضر إلى ميناء بندر عباس الإيراني قادمة من ميناء جبل علي بالإمارات ويتم تحميلها باتجاه سرخس.

ومن ناحية أخرى فهناك تواجد إماراتي عبر قاعده عصب العسكرية في إريتريا بجنوب أفريقيا مطل على البحر الأحمر ووفق مراقبين فقد تم تفكيك هذه القاعدة فبراير 2021. وتم نقلها إلى جزيرة ميون اليمنية وفق ما نشرته صحيفة أسوشيتيد بريس واذاعته قناه بي بي سي عربي في نفس التوقيت، حول أنشاء الإمارات لقاعده عسكريه في جزيره ميون اليمنية عند مضيق باب المندب.، الموقع الاستراتيجي فمن يسيطر عليه يستطيع أن يشن هجمات على اليمن وأفريقيا ويعطل الملاحة في البحر الأحمر ويهدد امن واقتصاد قناة السويس المصرية. 

جزيره ميون مساحتها صغيره تبلغ 5.5 كيلو متر وتبعد 3.5 كيلو متر عن الأراضي اليمنية وهي بنفس اهميه جزيره سقطرى في الجنوب اليمني والتي تشهد تواجد إماراتي عليها كأن اخره  مشروع تطوير الكورنيش في سوقطرى ومنحه اسم إماراتي وما تم رصده من تصريحات لقاده بارزين في جنوب اليمن يتبعون المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمثل اقل من 20% من شعب الجنوب وقد لقب هؤلاء القادة الانتقاليين أنفسهم بلقب (المدعومين إماراتيا )من باب التفاخر واثبات التبعية لدولة الإمارات عبر تغريدات على حساباتهم الرسمية في موقع إكس تويتر سابقا.

جزيره ميون اليمنية التي تشهد تواجد عسكري إماراتي. قد لوحظ مؤخرًا أنه تم بناء مدرج طوله كيلو ونصف، 3 هنجرات للطائرات بالقرب من هذا المدرج ومن خلال مساحته يمكن الاستدلال على أنه يتسع لطائرات هجوميه وطائرات مراقبه وفق تصريح خبراء عسكريين. وتم الانتهاء من بناء هذا المدرج أواخر عام 2021 وفق صحيفة أسوشيتيد بريس. مسؤولين بالحكومة اليمنية أعلنوا أن الإمارات تقف خلف هذا المشروع رغم إعلانها الانسحاب من التحالف العربي لاستعادة اليمن عام 2019. ولم يكن هناك رد رسمي من قبل الخارجية الإماراتية على تصريحات المسؤولين بالشرعية اليمنية.

وفي سياق متصل فقد نفت حينها السعودية قياده التحالف العربي أن الإمارات تسيطر عسكريا على جزيرة سقطرى وميون وأن من يتواجد في هذه الجزر هم قوات التحالف العربي الداعمة لاستعاده الجمهورية اليمنية.

صفقة القواعد العسكرية في الصومال

نقلت وكالات الأنباء العالمية خلال الفترة الماضية ومع اشتعال الأزمة السودانية وقيام بعض الدول المنتفعة بدعم حميدتي قائد الانقلاب العسكري بالسودان ومع وتراجع الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، لوحظ أن هناك تحرك تركي باتجاه الصومال للسيطرة على بعض الموانئ المطلة على البحر الأحمر والتي تؤثر بشكل مباشر على باب المندب وحركه الملاحة في البحر الأحمر واقتصاد قناة السويس. ولكنه ليس التحرك الدولي الوحيد فهناك عملية تمدد ونفوذ اثيوبي باتجاه جمهورية (ارض الصومال) الانفصالية. 

ولعل الاتفاق الذي وقعه إقليم أرض الصومال الانفصالي مع إثيوبيا قبل يومين والذي ينص على استخدام ميناء بربرة يعد مؤشرا على خطورة المخطط الاثيوبي الممول والمدعوم من بعض الدول والمتوقع أن يتعاظم هذا الخطر في القرن الافريقي مع مرور الوقت وبالتزامن مع كل دعوات الفوضى والانقسامات التي تقودها دول بعينها داخل الدول المهمة في افريقيا وعلى راسها ليبيا والسودان الدولتان التي تجمعهم بالجارة والشقيقة الكبرى مصر علاقات قويه.

ولا يمكن إغفال الدور المصري في دعم وحده واستقرار الجارتين ليبيا والسودان واحباط المخططات الخارجية الطامعة في ثروات البلدين والهادفة إلى تهديد الأمن القومي المصري عبر إشعال الحدود المصرية المشتركة بينهما.

صحيح أن إثيوبيا دولة داخلية بلا سواحل بحرية ولكنها تستخدم ميناء جيبوتي منفذاً بحريا رئيسياً يرتبط مع أديس أبابا بسكة حديد قديمة وهامة، والموثق أيضا أن المشروع الاقتصادي في منطقة ميناء بربرة تشارك فيه اثيوبيا منذ سنوات فقد أبرمت في أوائل عام 2018 اتفاقية شراكة ثلاثية مع شركة موانئ دبي العالمية وأرض الصومال (المعلنة من جانب واحد) لتشغيل ميناء بربرة. وتقضي الاتفاقية بامتلاك موانئ دبي العالمية 51% من عائدات تشغيل ميناء بربرة، مقابل 30% لأرض الصومال، و19% للحكومة الإثيوبية.

لكن ما آثار القلق في الصومال والمنطقة هي نذر دور أمني تتطلع له أديس أبابا وتدعمه على الأغلب بريطانيا، ضمن مشروع تاريخي ومستمر تنفذه بعض أدواتها بالمنطقة.

وصرح رضوان حسين، مستشار الأمن القومي الاثيوبي، بأن مذكرة التفاهم ( الأخيرة ) تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر." 

 فماذا تعني قاعدة عسكرية مستأجرة؟  وهل نفهم بذلك أن الغرض قد يتعدى الخدمات التجارية واللوجستية إلى دور أمني اثيوبي في القرن الافريقي يصل خليج عدن والبحر الأحمر ويهدد اقتصاد قناة السويس وحركه الملاحة الدولية.

وفي سياق متصل أضاف المسؤول الاثيوبي أن أرض الصومال ستحصل في المقابل على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة، دون تقديم مزيد من التفاصيل، هذه التطورات تستدعي قلق العواصم الإقليمية ومنها القاهرة ومقديشو وجيبوتي لأن هذه الخطوات تهدد مصالح وأمن الدول المذكورة؟

 مجلس الوزراء في الصومال قال إن الاتفاق "لاغٍ وباطل"، واستدعت الحكومة سفيرها لدى أديس أبابا على إثر ذلك. 

أما جيبوتي فاكتفت بدور الوساطة، حيث أعلنت وكالة الأنباء الوطنية الصومالية (صونا)الأسبوع الماضي أنه بعد جهود وساطة تزعمتها جيبوتي، اتفقت الصومال وأرض الصومال على استئناف محادثات تستهدف حسم نزاعاتهما.

وفي غضون ذلك تلقى الرئيس عبد ألفتاح السيسي أمس اتصالاً هاتفياً من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، تناول العلاقات الثنائية بين البلدين، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسي موقف مصر الثابت بالوقوف بجانب الصومال الشقيق، ودعم أمنه واستقراره ووحدة أراضيه.

وما يؤكد نظريه المؤامرة وتفوح منه رائحة المخطط الخبيث بدعم بريطاني ومباركة أمريكية عبر بعض الأدوات الوظيفية في المنطقة هو أن هذه التحركات تمت بدون علم العاصمة الاتحادية (مقديشو ) وأنها تحظى بتشجيع بريطانيا وحلفائها حيث للندن تاريخ استعماري سيء السمعة في الصومال ؛ فقد تواطأت على تقسيمها إلى ثلاثة اقسام جزء بريطاني (الصومال الحالية ) وجزء فرنسي ( جيبوتي ) وجزء إيطالي (أوغادين التي ألحقت بأثيوبيا ) ولربما اليوم انفتحت الشهية الاستعمارية لتقسيم المقسم وتحويل الصومال (البريطاني) إلى ثلاثة أجزاء أخرى هي جنوب الصومال وصومال لأند وبونط لأند والأخيرتان في شرق الصومال ومطلان على خليج عدن! 

وكأنت وزارة النقل الإثيوبية، أعلنت في مايو 2021، توقيع مذكرة تفاهم مع  «موانئ دبي العالمية» - التي تدير ميناء بربرة منذ عام 2017 وبتكلفة إجمالية 440 مليون دولار. بهدف تطوير الطرف الإثيوبي للطريق التي تربط بين أديس أبابا وبربرة لتصبح من الممرات التجارية واللوجستية الرئيسية لطرق التجارة الدولية في البلاد حسب البيان الاثيوبي.

وهو ما يتعارض مع مشروع مصر في إنشاء طريق كاب تاون لربط كل الدول الأفريقية بطريق تجاري واحد يمر بمصر. وهذا ما يشير إلى جزء من المؤامرة وهو ضرب الاقتصاد المصري سواء كان بالاستيلاء على موانئ مهمه على البحر الأحمر مدخل قناة السويس أو عرقله مشاريع اقتصادية مصرية مهمة تربط كل الدول الأفريقية ببعضها. ومحاوله التعتيم على الدور المصري التاريخي والحاضر في دعم وتنمية أفريقيا.

وقد أسهمت وزارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة في تمويل هذا الطريق المراد تطويره والذي يربط ما بين اديس ابابا وميناء بربرة، أما مشروع تحويلة لطريق استراتيجي فقد موله مكتب المعونة المباشرة البريطاني «يو كي إيد»!!

ولم يستطع الشعب الصومالي إخفاء تخوفه من أن تؤدي هذه المشروعات التي تربط بين ميناء بربرة وإثيوبيا إلى تقوية صومال لاند اقتصاديا ومقاومتها الضغوط الاتحادية وانفصالها عن مقديشو، كما يخشى آخرون أن يتحول الاثيوبيون عن ميناء جيبوتي، وهو ضربه اقتصادية قوية لجيبوتي.

إقليم أرض الصومال من جهته يأمل بأن يوفر الميناء دعما اقتصاديا لإثيوبيا الدولة المجاورة وهي دولة يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة ليس لها منفذ على البحر الأحمر.

ولكن هناك دراسة صادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، قالت إن مساعي إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر، له أهداف سياسية واقتصادية وأمنية.

الهدف السياسي، وفقًا للمركز، يرتبط بالمشروع الإثيوبي الإقليمي الذي يقوم بالأساس على الهيمنة الإثيوبية في القرن الأفريقي. أما الأهداف الاقتصادية، فترتبط بتعزيز نفوذها الإقليمي في القرن الأفريقي، كونه يجعلها قادرة على ربط اقتصادات دول المنطقة بالاقتصاد الإثيوبي باعتباره الاقتصاد المهيمن هناك. كما يجعلها مقصدًا للاستثمارات الأجنبية، وبوابة مهمة للقوى الكبرى إلى دول المنطقة والعمق الأفريقي.

وبحسب مركز الأهرام، تريد إثيوبيا لعب دور في معادلة أمن البحر الأحمر وصولًا إلى امتلاك قاعدة بحرية إثيوبية -بدعم غربي- بالقرب من مضيق باب المندب.