هشام الحمامي يكتب: الأمة العائدة.. حماس وإسرائيل و(إسرائيل الأخرى!)

ذات مصر

كثيرة هي عطاءات الخيرات والبركات التي جاءتنا من (طوفان الأقصى).. وككل عطاء مبروك ستكون خيراته أضعافا مضاعفة، كالسنابل السبع في التوصيف القرآني العظيم لمعنى (العطاء).. وستخبرنا الأيات بعدها أن العدد هنا مجاز في مجاز، لأن الله (واسع عليم) وهو سبحانه يضاعف لمن يشاء، 

ولعل أهل الأنوار والأحوال يفيضون علينا من المعنى الذى تضيق عنه كل عبارات الأقوال، ليس فقط لأن الأقوال أكثر ما يحذره المخلصون أصحاب الأحوال..الذين عبروا بعيدا فوق الدهر والبشر والحجر.

***

نحن هنا مع (الحال)الذى يحيط به ما لا يمكن أن يقال، نحن مع (حق اليقين)، مع المطلق واللانهاية والخلود والدوام الموصول بالرحمن ..الأول والأخر والظاهر والباطن ..الذى بيده ملكوت كل شيء .. 

سيدنا إبراهيم أراد الله له أن يكون للناس إماما، فكان أولا من(الموقنين) و كان لابد من أن يرى ملكوت السموات والأرض، وبدأ رحلة السؤال والنظر وطول التفكر، وبعد التطواف الطارق والفكر الصادق .. وصل ..!       

وكان أمة.. وكان إماما.

***

ويبدو أن (الحاج يحيى) كان شديد التعلق بما يمثله (النبي الأمة) في وعى الأمة، فسمى أول أبنائه (إبراهيم).

والحاج (محمد الضيف) يبدو أنه هو الأخر كان معجبا بما يمثله خالد بن الوليد في وعى الأمة من تحطيم الإمبراطوريات التي تستعبد البشر (الروم والفرس في اليرموك وذات السلاسل) .. فسمى أكبر أبناءه (خالد) . 

أهلا .. أهلا بالتاريخ الذى يمشى بيننا واثق الخطوة ملكا. 

***

الحاصل أن أبا إبراهيم وأبا خالد .. جعلا (بايدن)الرئيس الأمريكي، الراعي الرسمي للإمبراطورية الغربية الهيلينية في القرن الـ 21 ، يقف موقفه هذا يوم  الجمعة الماضى ، ليمسح عن خفيره في الشرق الأوسط (إسرائيل) أو (بنت صهيون) بتعبير الإعلامية القديرة( لمياء جودة) .. 

يمسح عنه أسوأ وأذل عار حط على رأسه ورأسهم من القرن الماضى، من أيام بلفور وهرتزل وجابونسكى و ميلنر وروتشيلد وبن جوريون والعيال دى كلها.. 

وبعد ثمانية شهور من حاملات الطائرات ومئات الشحنات الجوية من أحدث الأسلحة والذخائر والأموال والأجهزة الاستخبارية والمعلومات من الناتو والبنتاجون، حطت عليهم جميعا خسارة استراتيجيته مدويه.

خسارة ذات (أبعاد تاريخية)كما قال الوزير السابق حاييم رامون(74سنة) في صحيفة معاريف، وستكون جبهة القانون والمحاكمات الدولية هي الأشرس والأوجع .. سيكونون (فٌرجة) العالم كله .

***

في كل المواجهات والصراعات الكبرى في تاريخنا وتاريخ أمتنا، كان ميزان الأمة والجماهير، هو أثقل ميزان في كفة هذه الصراعات.

و ستكون حطين 1187م وعين جالوت 1260 م أقوى الشواهد على ذلك والتاريخ ينطق ويقول .. 

و ستكون هزيمة نابليون(أسطورة أوروبا )في مصر1801م كذلك .. وستكون هزيمة إنجلترا(فريزر) في مصر كذلك 1807م (رشيد).

وعلى الرغم مما قدمه محمد على باشا وابناؤه إبراهيم وطوسون في التاريخ الحديث للعروبة والإسلام، من قلب العروبة والإسلام (مصر)، ورغبته في إنقاذ وإحياء الخلافة في إسطنبول، وذهابه الى اليونان والأناضول ورغبته العارمة في ضم الشام إلى مصر(نظرية الأمن القومى العربى  د/حامد ربيع) ناهيك طبعا عن النيل والسودان. 

***

إلا أنه ارتكب خطأ كبيرا حين استمع لنصائح مستشاريه الغربيين من سحب السلاح من يد (الجماهير) التي هزمت فرنسا وإنجلترا من قبل ! ووضعه في يد (الدولة)، والدولة فقط، في المؤسسة العسكرية الناشئة (الجيش).. 

جيش سليمان باشا الفرنساوى، وعمل بقوة على إقصاء القيادات الشعبية والجماهير(الأمة) كلها عن حالة الاستراتيجيات الكبرى والقرارات التاريخية  طوال الوقت ..

وبدلا من أن تكون الدولة في خدمة الأمة أصبحت الأمة في خدمة الدولة .. الأمر الأبعد ما يكون عن ثقافة حضارتنا وتاريخنا.

وهو ما سيدفع ثمنه الشعب المصرى طويلا وباهظا حين جاء الإنجليز مرة ثانية سنة 1882م .. 

غاب الشعب وغابت الجماهير، وكانت القيادات الشعبية وقتها رأس بلا جسد ..وسرعان ما تساقط الجميع ..

وستسقط الأسرة العلوية نفسها نتيجة لذلك .

لن نذهب بعيدا وسنتذكر السويس ومساجد السويس وشعب السوييس وقيادات الناس في السويس فى حرب 1973م ( الشيخ حافظ سلامة) رحمه الله..  ولنا ان نتخيل ماذا لو لم يكونوا هناك..                                           

***

سنعرف ونرى أن 90%من نسبة فشل(جيش البامبرز) الذى لا يقهر في تحقيق أي من أهدافه في غزة،  يعود للشعب الفلسطيني العظيم، لأن الشعب كان هو المقاومة وكانت المقاومة هي الشعب ، ولم ولن يجد به الاحتلال أي طرف خيط للتعاون والتعامل والتلاعب الذى أعتاد عليه طويلا طويلا ..و من زمان .

هذا  الشعب العظيم الذي دفع الغالي والنفيس وقدم فلذات الأكباد، وضحى بكل ما يملك من مال وبيوت وصحة وأمن واستقرار في سبيل الأقصى وفى سبيل وطنه وأمته ،في مواجهة أشرس وأقذر عدوان شهدته حروب العصر الحديث.. 

وكما يقال : وسكب روحه في قالب ، وغرسه على أعلى منبر من منابر العالم.. وقد رأينا كيف هي الدنيا الأن.

***

حماس لم تتجهز وتعد للطوفان بالتسليح العسكري والمخابرات فقط، بل قامت ببناء (مجتمع) الأمة.. في سبيكة وطنية متكاملة، تتنفس وتعيش وتحيا على المقاومة والفداء، وكانت (بسم الله الرحمن الرحيم) حاضرة في البيت والمدرسة والشارع .. 

كان المسجد والمصحف بجوار المعسكر والسلاح ..

وكان المجد والكرامة والشموخ والبهاء والجمال والقداسة والصمود والرائحة الزكية..

هكذا أنا، وكيف أكون إلا أنا ..                                                   

وقالوا لهم، ونِعم ما قالوا: قاتل بآخِرِ ما تبقى مِن دم** فالعار أن نحيا ويهنأَ قاتل.

***

وكان صعود(الحاج يحيى )إلى قيادة حماس ، الشرارة التي أوقدت لهذه النار 

وأضاءت بهذا النور.. وأعلى صوته فيهم وبهم قائلا : الفكر ليس كلاما أجوف ، بل هو رؤية لحقائق العالم الذى نعيش فيه.

وبالفعل كان الوعى الاستراتيجي الشامل، وكانت تلك القفزة الواسعة للأمام، في ساعة من أصعب ساعات التاريخ الإسلامي والعربى المعاصر ، و بطلاقة باسلة وصراحة ساخرة ، أدار لهم (أسطوانة نيوتن) التي تحمل الألوان كلها!! ودارت ، فأنتجت كل اللون الأبيض.. الذى سيمحو ويمسح، كل ما كان من ألوان الظلام.   

محا ومسح صفقة القرن، أوقف وأفسد فكرة التطبيع، أعاد القضية إلى بؤرة اهتمام الدنيا، نسف الرواية الصهيونية/ الغربية .. وأين ؟؟ في قلب الغرب.

كشف الغطاء عن النظام العربى الرسمي .. كشف الوجه الحقيقي للحضارة الغربية وجه الإبادة والقتل والكذب الصراح، قهر الجيش الذي لا يقهر، نسف مصداقية إعلام عالمى كذوب ضال مضل فاسد مفسد .. 

***

والأهم كشف وعرى (إسرائيل الأخرى) بتعبير العلامة د/ عبد الوهاب المسيرى .. مشيرا إلى من نعرفهم الأن باسم (الصهاينة العرب) لكن وصف المسيرى رحمه الله أوقع وأبين .. 

أولئك الذين يعشقون الذل والمذلة والخضوع المهين للحضارة الغربية ..

ويا سوأتاه ثم يا سوأتاه، من أسود ليالى وأسوأ ليالى ستعيشها (إسرائيل الأخرى) في الزمن القادم.             

وصدق من قال فيهم: أفضل من أفضلهم صخرة** لا تظلم الناس ولا تكذب.