وائل الخطیب يكتب: فیلم The Goat Life السقوط في بئر العنصریة واللا صدق الفني

ذات مصر

أخرج ھذا الفیلم (بیلیسي) وأول عرض للفیلم كان في مارس ٤۲۰۲، وتلقفته أقلام تحمل ضغینة سیاسیة واجتماعیة واقتصادیة للملكة السعودیة والإمارات المتحدة، ولا استخدم كلمة (ضغینة) دفاعًا عن المملكة السعودیة، ولكنھا توصیف نقدي للمحتوى (الفني) للفیلم. 
رغم ما یطرحه فیلم The Goat Life إلا أنه فشل في تقدیم رؤیة سینمائیة واعیة  ومُحكمة لواحدة من أھم القضایا المجتمعیة والاقتصادیة آسیویاً وإفریقیاً وھي المعروفة بقضیة (الكفیل) سعودیاً وإماراتيًا على وجه الخصوص. 
على مستوى القضیة المحوریة في الفیلم، وضح أن صناع ھذه الرؤیة السینمائیة افتقدوا للكثیر من المعلومات،تاریخیاً وآنیًا، ما أفقد ھذه المحاولة أھمیتھا وجدیتھا وصدقھا، بل أن ھؤلاء ـ أصحاب الرؤیة ـ وجھوا طعنة فنیة لهذه القضیة وھو الأمر الذي جعل الفیلم یقع أسیرًا لنمطیة الصورة عن الھند والمجتمع الھندي بشكل عام والتي بدأت ـ عندي طفلا وشابا ـ من فیلم (ماسح الأحذیة) و(الفیل صدیقي)، نوعیة الأفلام التي تستدر دموع المشاھین بلا توقف. 
وقع صناع الفیلم في إشكالیات فنیة على مستوى إقناع المشاھد بالصورة والحوار، بأن ما یراه حقیقي أو واقعي، بل ویحدث، ولا أوضح من تفاصیل الحیاة داخل المكان في الصحراء الذي تدور فیھ أغلب الأحداث، وأیضا الحوار ولغتھ ومفرداته، أما على مستوى دلالات أسماء الشخصیات ومعتقداتھم، فنحن أمام مستوى فني متھالك ومتداعي إلى حد بعید.

 وضح من الإشارات في الفیلم أن من صنعه افتقد لمرجعیة ثقافیة ودینیة كان المفترض أن تؤھلھ أو تساعده في تقدیم شخصیات أقرب للواقع والحقیقة؛ فالمشاھد یتعرف على أسماء الشخصیات الرئیسیة (نجیب) و(حكیم) ثم من الأصول الأفریقیة (إبراھیم)، وھذا الأخیر مسلما نراه یتیمم ویصلي صلاة المسلمین،بینما یتم تقدیم (نجیب) و(حكیم) بصورة مشوشة، وھشة على مستوى معتقداتھم، حتى أن المشاھد یستغرب في مشهد عندما یكتشف أنهما مسلمین ویصلیان خلف (إبراھیم)، على الرغم من أن المشاھد افتقد منذ بدایة الفیلم أي منذ بدایة أزمتھما مع (الكفیل) ما یعینه على التأكد من أنهما مسلمین، فلم یرھما المشاھد یصلون سواء قبل سفرھم في موطنھم، أو حتى بعد بدایة أزمتهما، وتأتي مشاھد الصلاة في منطقة فنیة تجعل المشاھد یشعر أن ھذه لیست صلاة عبادة ولكنھا طقوس لاستجلاب الفرج وإنتھاء المعاناة. 
استغرب المشاھد أن ھذین المسلمین (نجیب) و(حكیم) لا یعرفان كلمة (ماء) التي ترد في آیات كثیرة في القرآن بمعناھا الحیاتي والمفترض أنهما یصلیان بهذه الآیات، لكنهما یعجزان عن النطق بها ولو بلهجة ضعیفة، وھذا لیس إلا مثالا بسیطا لما وقع فیه صناع الفیلم من سذاجة وسطحیة واستسھال، ویكون المهرب لهم أن تستغرق رحلة الهروب من (الكفیل) عبر الصحراء القاحلة الجرداء مساحة صورة وحوار كبیرة جدا لتتحول رحلة الهروب ھذه إلى حكایة أشبھ بالحكایات الخرافیة التي تفتقد للمنطق الفني المقنع للمشاھد، حیث لا یمكن لهذا المشاھد أن یتجاوز فكرة أو ھاجس أن شخصیة تستعد للهروب خلال صحراء قاحلة جرداء، ولا تحمل معها غذاء أو میاه، ولم یجد صناع الفیلم ھروبا من ھذه الورطة الفنیة إلا بـ(حشر) تسابیح وأدعیة إسلامیة وكأنها بدیلا منطقیا (الأسباب) للبقاء أحیاء، ویستدعي صناع الفیلم جزءا من میراث البكاء والعویل في الحوار من الأفلام الهندیة القدیمة، فیتحول الفیلم في مناطق كثیرة إلى بكائیة كبیرة. 
الأمثلة كثیرة في الفیلم عن عدم القدرة على الإقناع الفني وافتقاد الصدق في الحكایة السینمائیة، ولكن نقف عند مشاھد اقتراب النهایة، فالمخرج وكاتب السیناریو بعد وصول (نجیب) إلى الطریق وانتهاء رحلة الصحراء، یقدمان عریضة إدانة ضد سائق شاحنة رفض التوقف في الطریق لمساعدة (نجیب) الذي أصبح صورة ذھنیة لأھل الكهف،شعر كث وملامح شاحبة وضعف جسدي، ثم یتكرر المشھد مع سائق سیارة خاصة بل ویمعنان في وضع عبارات السب والشتمیة على ألسنة السائقین في الشاحنة والسیارة الخاصة. 

لا یكتفي صناع الفیلم بكل ھذه الإدانات الواھیة والسخیفة منذ بدایة الحبكة المتعضعة، لنجد سیارة فاخرة تقف لنجدة (نجیب)، تضعه في المقعد الخلفي وتدعو له برحمة من ﷲ تنقذ ھذا المتداعي حرفیا، ویقدم له الماء، وبدلا من بناء صورة مغایرة أو موازیة لصورة العربي الجلف قاسي القلب طوال الفیلم، نجد صاحب السیارة الفارھة الفاخرة طیب القلب یكتفي بإنزال نجیب في وسط المدینة ویتركه في الشارع،لتنتھي مھمته (الفنیة برؤیة صناع الفیلم)، لكنهم یتورطون في عنصریة مقیتة یلحظھا المشاھد،فالسیارة تقف وینزل منها (نجیب) بمساعدة المواطن طیب القلب وفي الخلفیة مسجد باللون الأخضر بمئذنة عالیة،وكأن ھذا فقط ھو الإسلام یختزلونه في (طیبة قلب وأدعیة ومسجد)، ولا یتركون ـ صناع الفیلم ـ الأمر إلا ونجد (نجیب) ضائعا في المدینة لازال ضعیفًا مریضًا ولا یقوى على السیر فیحتك جسده الواھن بسیارة لینهال علیه مواطن سعودي شاب بإھانات لتعود لصناع الفیلم شھوتھم في تقدیم الصورة الواھیة عن المجتمع السعودي التي یریدونھا دون أدنى وازع من ضمیر فني وأسلوب سینمائي. 

ھكذا یمكن اختزال مضمون الفیلم بأنه سقوط مقصود في بئر العنصریة وفقر فني في الحكایة وتفاصیلها التي حاولوا إقناع المشاھد بحقیقتها.