وائل الخطيب يكتب: القرائية والقراءة بين «رباعيات» صلاح جاهين و«واحديات» أشرف عتريس

ذات مصر

بكثير من الصعوبة والمشقة نستطيع أن نجد (تماسا) أو (تماهيا) أو مشابهة بين الكتابة الإبداعية بالعامية المصرية لدى اثنين ممن أنتجوا شعرا بلسان المصريين،فما بالنا باثنين من الشعراء أحدهما بالفعل هو مدرسة إبداعية في شعر العامية بكل ما تعنيه كلمة (مدرسة) من معنى ومن تأثير،فهو القامة العالية (صلاح جاهين) ، وبين شاعر من جيل أتى لاحقا متأثرا ومستوعبا بل قل (هاضما) للتجارب الشعرية السابقة بداية من فؤاد حداد ومرورا بـ (سيد حجاب) ومجدي نجيب وأحمد فؤاد نجم،والأبنودي ،وانتهاء بأبناء جيله رفقاء التجربة (مسعود شومان) و (مجدي الجابري) وصادق شرشر،ويكون هو المتفرد بمعجمه الخاص وتركيبة الجملة وبكارة الصورة ومضمون القصيدة .. أشرف عتريس.

وإذا بحثنا عن التماهي والتماس بين (جاهين) و (عتريس) فمن أين نبدأ وبين أيدينا اختلافات واضحة و(قارَّة) من اختلاف الجيل وقضايا الواقع الحياتي والرؤى والمفردات؟.. ومع كل هذا الاختلاف فأنت حتما أمام شاعرين يكتبان بالعامية من نفس الهموم وبنفس القدرة على التشكيل بالمفردة والتشاكل بالرؤى والاشتباك بالموقف مع الآني والقادم،مع الأرضي والمقدس،مع الوطن والحبيبة،مع الولد والبنت.

كلاهما تعددت أصناف وأنواع وأشكال الكتابة الإبداعية لديهما بالعامية المصرية،كلاهما كتب القصيدة والأغنية والمسرحية،(جاهين) يكتب (الرباعيات) ، و(عتريس) يكتب (الواحديات)،ورغم أن الرباعيات شكل في الكتابة موروث وله قوانينه ونسقه،تأتي (واحديات) أشرف عتريس بنسقها الخاص ومضمونها المتفرد والمنفرد،ويكون التماس والتماهي هنا واضحا في تفرد التجربة بين كلا الشاعرين.

 

العمل الإبداعي بكل أشكاله وأنواعه هو التفرد والانفراد في أرقى صورهما داخل منظومة المنتَج الإنساني،ولا يوجد تفرد وانفراد دونما اتكاء على موروث،على عقل جمعي،على تاريخ وتجارب،علامات على طريق طويل منذ رسم الإنسان على جدران كهفه،نفسَه وأيامه.

من هنا نبدأ في اختيار ودراسة هذا التماس والتماهي جذباً ومقاومة،اختلافا واتفاقا،تشابها ومشابهة،ما بين الرباعيات والواحديات،فإذا كان المعجم لكل شاعر يسمح خلال تجاربه الإبداعية بتكرار مفردات وصور بعينها،وبتكرار "حقول دلالية" تشير وتؤكد وترسم ملامح التجربة؛فإن لكل شاعر تجربة شعرية تقف بمفردها وبتفردها بعيدا عن اي تكرار،بمعنى أنها تتحول إلى مفردة في معجم أكبر عنوانه الذات الشاعرة،فلا عند (جاهين) تكررت الرباعيات ولا تكررت (الواحديات) عند عتريس،كلاهما تجربة اقل ما توصفان أنهما مثيرتان للدهشة والاندهاش مثيرتان للجدل والمجادلة،مرهقتان للعقل مزلزلتان للوجدان.

يفتتح (صلاح جاهين) رباعياته من بداية طبيعية إذا سلمنا براي النقاد عن أنها –الرباعيات-  تأملات فلسفية بصياغة شعرية،يبدأ (جاهين) من بداية الحياة ونهايتها من (الميلاد) و (الموت)،متسائلا دون إجابة منتظرة عن سؤاله الذي أطلقه سابحا في فضاء اللامتناهي،فجوهر الرباعية الأولى/المفتتح في ثناياها الحقيقة الأكيدة والمؤكدة حتى للعامة دونما فلسفة؛التراب بداية ونهاية،ويظل السؤال في نهاية الرباعية مدهشاً:

خرج ابن آدم من العدم قلت : ياه

رجع ابن آدم للعدم قلت : ياه

تراب بيحيا .. وحي بيصير تراب

الأصل هو الموت.. ولا الحياة؟

عجبي!!!

على طول الرباعيات تنتهي كل رباعية أو ينتهي كل نسق لرباعية بالكلمة الأثيرية التي تحوي جوهر التجربة (التعجب) والاندهاش والدهشة .. (عجبي).

بينما يفتتح (أشرف عتريس) تجربته (واحديات) باندهاش من نوع آخر يليق بجيل مختلف وواقع مختلف،اندهاش لا يفصح عنه لكنه يزرعه في أرض المتلقي مثل (جاهين) غير منتظر لحصاد زرعه،ففي هذا المفتتح القصير جدا بكثافته الشعرية وصورته الإبداعية الثقيلة يخضع قارءه لما يعتقده،واضعا إياه – جوهر الواحدية – في مساواة مع المقدس الأعلى المتصل بالأصل والجذر؛بالمكان والجيل:

محنة ....

ريحة جنااان ...

طعم المكان ...

احنا.

تبحث عن (عجبي) جاهين هنا فتجدها موزعة على طول الواحدية بما تخفيه وفيما تعلنه،فلا تأتي في نهاية الواحدية فتنهي تأملك واندهاشك وتقضي على جوهر التجربة بل يتركها الشاعر سابحة في فضاء مجمل التجربة.

حين نبحث عن التماس والتماهي بين (جاهين) و (عتريس) فنحن بالأساس لا نبحث فقط عن التشابه والمشابهة؛على العكس تماما؛فنحن في غالب الأحايين والأحوال نبحث عن الاختلاف،عن درجة من درجات اللون في الصورة والتشكيل للتجربة الإبداعية لديهما.

فبينما تأتي رباعيات (جاهين) متدفقة كشلال نهر يهوي من عَلِ،دون انقطاع أو تَقَطّع،آخذا – بهدوء – في مجرى تياره كل استكانات القاريء واستسلامه،فيفجأه (جاهين) بالسؤال الصعب أو بالسر المكنون،بل وباندهاش (جاهين) نفسه حين يلتقط من السائد اللحظةَ والصورةَ،فلا عناوين لأي رباعية تحدد إطارا وقيدا للقاريْ فتوحي بانقطاع تيار التدفق،أو تفصل بين الموجة والأخرى،بين رباعية وأخرى، حتى (عجبي) لا تقطع سريان نهر الرباعيات؛هي قطعة الخشب وورقة الشجر الطافيات على صفحة النهر،وحين لحظة السقوط (الشلال) تسقط،(عجبي) هي التي تشير إلى منبع هذا النهر بما تحمله من معاني الدهشة والاندهاش،الأساس في أي إبداع،(عجبي) تشير إلى أول اندهاش،مختفيا في تساؤل الملائكة للرحمن حين أخبرهم المولى أنه جاعل في الأرض خليفة.

في حين تأتي عناوين (واحديات) عتريس كما لو كانت صنبورا يمنع ويسمح،متحكمة في انسياب التجربة كلها وبأكملها،قيدٌ يتحكم في مسارات ودرجات الولوج تفسيراً وتأويلاً داخل الواحدية،أي واحدية،فإن نساها القاريء أو تناساها،غفل عنها أو تغافل،خدعته فأخفت نفسها،أو قهرته فقيدته بها،بات الولوج صعبا وشاقا.

من هذا الاختلاف يأتي التماس والتماهي؛فكلا الشاعرين في تجربتيهما كانا صورة المرآة لواقع معاش،جيلٌ اهتم بالكلية في الصورة،بتيار النهر/الحياة/القدر،وجيل اهتم بما يطفو على صفحة النهر وينزوي في قاعه،غرقا أو كنزا،ميتة أو جوهرة.

الاختلاف بين جيل انطلق من هموم الإنسان عامة وبحثه عن الحقائق في الميلاد والموت،في الصواب والخطأ،في الإيمان وعدم الإيمان،في البدايات والنهايات،بينما جيل هنا ينطلق من ذاته باحثا عنها ومؤمنا بها،يلتقط من داخله،من قاع نفسه،يكشف ويكتشف ويكاشف،يلتقط من بحيرة لا بحر،ومن بِركةٍ لا نهر،ومن مستنقعٍ لا نبع،من بئر سحيقة لا من غدير.

شهادة ....

يحرق قلب الدنيا اللي بتتحجج بالبناويت

لا بتشبع من جوع الفقرا غموز...

ولا يصعبش عليها سواد الوش

حتى الواد اتعود طعم العيا...

(كبده المخروم) يكره طعم الدوا فيشوف المرّ

ولا قهر البت العايقة المتضايقة تحت العمر .. يئن ..

وكأن الموت قادر ياخد حقه التالت غصبن عنَّا

ويسلمنا للمتلتم زي الليل..

يقرفني في عيشتي..

فيموت الجيل..

(شهادة) هي العنوان لهذه الواحدية الدالة على هذا الغامض الذي استقى منه أشرف عتريس مفرداته فيها،وتنتهي بالذات الجمعية (الجيل) لتتوحد وتتحد منابع المفردات وهموم الطافيات على صفحة النهر،والغارقة في قاعه،النهر/الدنيا،لا النهر/الحياة.

أما (صلاح جاهين) فيكتب رباعية كشهادة عن نفسه وجيله ليكون الاختلاف:

أنا شاب لكن عمري ألف عام

وحيد لكن بين ضلوعي زحام

خايف ولكن خوفي منِّي أنا

أخرس ولكن قلبي مليان كلام

عجبي !!!

تجربة صلاح جاهين - (الرباعيات) - لا تخلو بكشل عام من ملاحظة في الشكل تحقق شيئا مما ننشده من تماس و تماهِ بالاختلاف مع تجربة (أشرف عتريس) في (الواحديات)؛ما نقصده بالشكل هنا هو النسق العام للتجربة،فالرباعيات نصٌّ مفتوح طولياً،بمعنى يمكن إضافة رباعيات أخرى (جديدة) بنفس النسق وقواعد النسج،حتى أن البعض منا قد يساوره شك ما حين يقرأ نسق مشابه منتهِ بـ (عجبي) فيظنه رباعية تنتسب لتجربة (جاهين) مالم يعُد للعمل الأصلي يراجعه ويتثبت ويثبت صحة ما قرأه وما نُسِبَ،وهذا النسق العام للشكل (المفتوح طوليا)إنما يعبر عن جذور الشعر نفسه؛فالقصيدة الفصحى العمودية المقفاة لها نفس النسق في الشكل المفتوح طوليا والمغلق عرضيا بقيد القافية والرَوِي،من هنا تتشابه الرباعيات في (الجذور) مع تلك القصيدة القديمة،بل يمكننا إضافة أخرى بأن كلمة (عجبي) في الرباعيات هي ذلك الباب الذي يؤدي بالقاريء والمتلقي من قضية أو صورة أو مضمون في رباعية إلى أخرى،(عجبي) هي البديل الـ (جاهيني) لهذا الانتقال في المضمون والصورة من بيت أو ابيات في القصيدة الفصحى إلى مضمون وصورة مختلفتين،من صورة السيل إلى صورة الأطلال،إلى الصيد،إلى المرأة والشمس والخيل...الخ

تجربة (جاهين) من هذا المنظور تتمسك بالجذور أو بالنسق القار في الذائقة الشعرية العربية،بالأصيل في وجدان جيل تربى على هذه القصيدة القديمة التي يحكمها نسق شكلي أشبه بالصحراء المنتجة لذائقة شعرية،صحراء منفتحة طوليا لامدى لها تنتهي عنده سوى قوة إبصار العربي الساكن فيها والساكنة فيه،صحراء مقفلة ومنغلقة عرضيا بقافية وروي هي حدود هذه الصحراء من بحر وسهل.

في المقابل تأتي تجربة (واحديات) عند أشرف عتريس بنسقِ الضد،نسق مفتوح عرضيا،يطول فيه السطر الشعري أو تنمو فيه الصورة عرضيا،فلا قافية أو روي يقيد أو يغلقها،إنما يغلقها فقط قرار الذات الشاعرة بإنهاء الصورة أو السطر الشعري،نسق منغلق طوليا محدد البداية بـ(عنوان) للواحدية،منتهيا حين يبدأ عنوان جديد لواحدية جديدة،فتتماهى العناوين وتتماس مع (عجبي) جاهين،العناوين في الواحديات هي أداة الانتقال من صورة وقضية ومضمون إلى آخر،من لحظة مخطوفة في الحياة إلى أخرى،من معاينة تجربة إلى معاينة جديدة،من معايشة لواقع لمعايشة جديدة أو واقع جديد،هنا يكون النسق نسق جيل بأكمله انفتحت له الحياة تنمو عرضيا باختلاف الأزمان والأجناس والثقافات التي اصبحت متاحة له أكثر من جيل (جاهين)،جيل منفتح على مجمل الإبداع الفني،منغلق على ذاته وعلى وجدان يعاين الحياة من أعماق ذاته رافضا مشابهة مع سابقين أو تشابها،رافضا إلا أن يكون له (عنوان) يحدده بنفسه عن نفسه.

رؤية ...

لو كان شتاكي جاي واعد بالمطر ..

كنت أبقى راضي ..

بالخريف

!!

في هذه الواحدية تختار الذات الشاعرة لتجربتها فصلين من فصول السنة،الشتاء،والخريف،بما يعني بأداة نقدية،استبعاد فصلين؛الصيف (ضد الشتاء) والربيع (ضد الخريف)،تختار للتجربة ما توحي به لقارئها أنه محل صراع،فاختارت للحبيبة/الوطن/الحياة (الشتاء)،واحتفظت للأنا بـ (الخريف)،ليكون الصراع هنا واضحا مشروطاً،الشرط للتسليم والاستسلام هو الوعد بالمطر،فالمجيء المحتم والمفروض،المقدر الذي لا فكاك منه هو الشتاء،فليس هناك شتاء لا يأتي،لكن هناك شتاء يأتي دون مطر،يأتي كعادته (باردا)،تلك البرودة التي تكرهها الذات الشاعرة في واحدية أخرى وفي قصائد خارج هذا الديوان.

هنا يتحقق الشتاء بالمطر،فإذا تم (الوعد) واستطاعت (الحبيبة/الوطن/الحياة) تحقيق الشرط فأمطرت،استتسلمت الأنا/الذات الشاعرة ورضيت بهذا الاعتدال (الخريف)،رضيت بالمحايد،فالمطر إذن شرط استسلام ورضى لهذا السكون والكمون دونما فرح كما في (الربيع)،بل والاستسلام لانتظار الوعد نفسه،فالخريف قبل الشتاء يأتي،هو إذن الانتظار دونما الإتيان بفعل (تسليم)،لتنتهي الواحدية بعلامتي تعجب،لا يستخدمها الشاعر لإنهاء سطر شعري أو إنهاء كل الواحديات،هي تأتي هنا في مكانها الخاص جدا،لتكون ضمن مفردات الواحدية،مفردة غير منطوقة،مرئية فقط،تعجبٌ يوازي كلمة (عجبي) الجاهينية خاصة في هذه الواحدية.

دع نفسك الآن لموسيقى هذه الواحدية،حلِّق مرتفعا مع صوتيات حرف ألف المد،(كان) – (شتاكي) – (جاي) – (واعد)،ثم تستقر قليلا مع صوت (المطر) الهامس،والخفيض،ثم تعود الحركة للأعلى خفيفة (أبقى) ثم مرتفعة قليلة (راضي)،ثم هذا السكون/السقوط،في المد بالياء (الخريف)،هذه الصوتيات التي تشكل حركة ليست ديناميكية تنتقل من نقطة إلى أخرى في اي اتجاه؛بل هي حركة (استاتيكية)،حركة في المكان دونما انتقال،حركة تناسب معاني (الكمون) و(الاستسلام) وانتظار الوعد.

ثم هذا الغياب لضمير الغائب المؤنث فلا يظهر صريحا (هي)،بل يظهر ضمنيا في (شتاكي)؛يظهر مرتبطا بالشتاء،وتحيلك للمونثات المحددة (الحبيبة-الوطن- الحياة) شتاء الوطن البارد دونما مطر،شتاء الحبيبة قولا ولقاء وجسدا،المحاصر والمتهم والممنوع،شتاء الحياة الآتية،المستقبل،بل وشتاء الحياة السابقة بعدما تركت ربيعها وصيفها وأقصتهم عن المشهد بكامله،لتحيا الذات في (خريف) وفي انتظار،بل ربما هو شتاء القصيدة نفسها،شتاء التجربة،ومعاناة الإبداع،هذه أسئلة أم تراها تلامس في القاريء المتلقي لمفردات الواحدية وتركيبة الجملة وطول وقصر الأسطر الشعرية تلامس إحساسه وهو يقرأ،ومزاجه الخاص لحظة القراءة؟

بعد هذه الإطالة في (تشريح) الواحدية،مفردات،وصوتيات،والوقوف على دلالات المفردات وتركيبة الجملة والحقول الدلالية،الآن تعامل مع هذه الواحدية على أنها صورة شعرية عميقة التكثيف لعلاقة جنسية!!!،أزمة الجنس لجيل انفتحت أمامه ثقافات نقل منها وتعامل معها،وطالت يده وعينه وأذنه ومشاعره ملايين المؤثرات في فضاء مفتوح وفضاء رقمي،جيل تربى على الممنوع والمحظور،أزمة الجنس الغير متحققة،الكامنة والمكبوتة،المنتظرة،الواعدة بالاشتهاء،الراضية بالكبت،الحالمة بالوصول للحظة الانعتاق والاشتعال،ولذة المعاينة والممارسة،لحظة الفناء في الآخر.

تتوزع هذه الحالات جميعها من أول كل المؤنثات وانتهاء بالجنس،بهذا القدر العالي من التكثيف المرهق،بهذه الرؤى الشعرية،وبهذا النسج،بقليل من مفردات،وبهذه الصوتيات المتناغمة مع الحالة/الرؤى،بهذه الحركة الغير منظورة في المكان المناسبة تماما لمعاناة ذات وجيل،يتوزع كل هذا (من واحدية واحدة) على أكثر من رباعية عند (صلاح جاهين) ليحصل هذا الشتاء الإبداعي ويتحقق هذا التمرد على (خريف) القصيدة،فتكشف الواحدية (رؤية) عن مكنونها وهي تعري تجربة جاهين من ألقها وتألقها:

ليه يا حبيبتي ما بينا دايما سفر

ده البعد ذنب كبير لا يغتفر

ليه يا حبيبتي ما بينا دايما بحور

أعدي بحر ألاقي غيره اتحفر

عجبي !!!

 

تليها مباشرة رباعية :

ورا كل شباك ألف عين مفتوحين

وأنا وانتي ماشيين يا غرامي الحزين

لو التصقنا نموت بضربة حجر

ولو افترقنا نموت متحسرين

عجبي !!!

فبينما تشكل واحدية (رؤية) تسليم واستسلام مشروطين بتحقق وعد (المطر) موحية بضعف الآخر الأنثوي،وبقيود مجتمعية وإثنية،يصرح جاهين بهذه القيود مرتكنا على النص المقدس خاصة في العلاقة الجسدية التي يشير إليها بخيفة وتوجس:

(لو التصقنا نموت بضربة حجر)،وبالقيود المجتمعية التي تضع العلاقة العاطفية تحت المراقبة (ورا كل شباك ألف عين مفتوحين)،ويأتي الاستسلام هنا غير مشروط بتحقق وعد بل هو استسلام (سلبي) ضعيف مستسلم (لو افترقنا نموت متحسرين)،يركز جاهين على القدر،على المكتوب والنصيب كفاعلين أساسين في العلاقة العاطفية،يبدآنها أو ينهيانها،مستخدما صيغة السؤال التي تحيل إلى ذلك:

(ليه يا حبيبتي ما بينا دايما سفر)،(ليه يا حبيبتي ما بينا دايما بحور)،فالاستستلام بشرط الوعد (في الواحدية) يتحول في الرباعية لتسليم،دونما وعد ودونما أمل،بل إن هذا القدر كأنه يطارد علاقة الحب،يعاديها ويحاربها (أعدي بحر ألاقي غيره اتحفر).

تنجو واحدية (رؤية) من هذا كله وتنفيه واضعة العلاقة بين الطرفين الفاعلين،الأنا والآخر الأنثوي،وتنجو من (شتاء) الموروث،تنفي المجتمع فلا عيون تراقب وآذان تتسمع – على الأقل هنا في هذه الواحدية – فقط هو موروث (البنت)،وموروث الأنثوي بشكل عام الرافض لكسر القيود لتحقيق ذاته في علاقة،تنفي الواحدية (القدر) كونه فاعلا،وتثبته عند (الأنثوي) مسئولا عنه وعن بقائه واستمرار دوره في إجهاض العلاقة (شتاء) دونما مطر.

رغم تحرر الواحديات – كتجربة شعرية ضمن تجارب كثيرة لجيل – من قيد النسق،ثم انفتاح القصيدة عرضيا مغلقة بعناوين طوليا،لكنها ألزمت نفسها بنسق يناسب مجمل التجربة في التكثيف،وتنمية الصورة عرضيا،واللعب الإبداعي بالموسيقى بما يناسب تجربة كل واحدية،هو إذن قيد وقيود جديدة لا تحرر من قيد فقط،فمن يظن قصيدة النثر في الفصحى والعامية هو تحرر مطلق من كل قيد فعليه أن يدرك أن كل تحرر من قيد قديم هو ذات الوقت إلزام والتزام بقيد وقيود أخرى،قيود تحقق رؤى لم تعاينها القصيدة القديمة،بل تغيرت رؤى أيضا في مضامين مشتركة،صار الآن النثر شكلا جديدا لمعاينات جديدة ومعالجة جديدة لمضامين قديمة.

الشتاء في واحدية (رؤية) صار (ليس الشتاء)،وليس ضده (الصيف)،بينما بقيد النسق القديم المناسب للرباعيات ظل الشتاء شتاء :

دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت

وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت

وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا

لكن حاجات أكتر بترفض تموت

عجبي!!!

نحن أمام تجربتين لشاعرين من جيلين مختلفين،فاختلفت معهما عملية إنتاج شعر بالعامية المصرية،وربما هذا التصدير أو الرصد لهذه الحقيقة يبدو ساذجا بل ومكررا،لكننا في كل محاولة لقراءة نقدية نقوم بوضع هذا التصدير،ربما عن عمد ليذكرنا دوماً بالكطريق الذي نسير فيه في محاولتنا لهذه القراءة،وربما عن استسهال في الكتابة النقدية،جائز هذا وذاك،لكن الحقيقة أنه برغم هذا التصدير (الساذج) فلازلنا في فضاء التجربتين،إحداهما ممهورة باسم مبدع ذائع الصيت له (مقروئية) أو درجة انتشار جماهيري بحسب أستاذنا الدكتور / صلاح فضل،فصلاح جاهين رسام كاريكاتير في كبريات صحف ومجلات،مؤلف لأغاني ذائعة الانتشار مستحوذة على أذواق وإعجاب الكثيرين،كاتب للسيناريو السينمائي،وشاعر يقبع خلف كل هذا وذلك،والآخر (أشرف عتريس)،شاعر بالأساس يقف خلف إنتاج مسرحي ومحاولات نقدية.

صلاح جاهين الذي يتمسك بالقيد والنسق القديم في الرباعيات محاولا إثبات قدرة هذا القيد/النسق/الشكل على استيعاب تجربته ذات المضمون الخاص إن شئت أسميته (فلسفيا)،باعتبار أنها نظرة خاصة لقضايا قديمة/جديدة،أسئلة قديمة/جديدة،وفيها (الرباعيات) ترتفع لأقصى درجة قدرته الإبداعية في النسج داخل النسق القديم،وتبقى التجربة متفردة في محاولاتها،متماهيا مع رباعيات شاعر سابق (عمر الخيام)،إذن كان للخيام السبق في النسج والطرح،شكلا ومضمونا،وإذا كان جديد (جاهين) فهو بلاشك استخدامه للعامية المصرية ذات العبق الخاص والقرب الشديد من قاريء قبل أن ينطق بالعامية فهو يفكر بها وفيها،حتى أن هذا القاريء خلال ولوجه للرباعية يستسلم ويسلم لها،مندهشا من قدرة الشاعر على الإتيان بجديد أو قديم داخل نسق (مُرهِق) إرهاقا لا ينتج إلا شعرا.

دع عنك ذلك كله وعد لتلك الرباعية التي أراها أيقونة خاصة في مجمل التجربة الجاهينية في رباعياته،رباعية أعنونها برباعية (الشتاء)،عد ثانية إليها وأنت واعٍ إلى استخدام المصريين لتعبيرات مقصود بها غير ما ينبيء مظرها،وهنا نقصد البيت الذي يقول فيه جاهين :

(وحاجات كتير بتوت في ليل الشتا)

المظهر يخبرنا ويقيدنا إلى (الموت) الذي نعرفه وندركه،انتهاء الحياة،فإذا تذكرت أن تعبير (بتموت) تعني الحب في استخدام المصريين لكلمة الموت أو الفناء المفرط في الآخر،فيقولون : فلان (بيموت) في فلانة/فلان،اي يحبها/يحبه بإفراط ومبالغة وفناء فيها/فيه،ويقولون : فلان (بيموت) في الأكل/الأكلة .. الخ،فهل كان جاهين يقصد أن أشياء في حياتنا (تحب) ليل الشتاء،وليل الشتاء هو مقام وجودها وظهورها وبقائها؟فإن كانت (نعم) هي الإجابة على هذا السؤال،فإن البيت الذي ينهي الرباعية:

(لكن حاجات أكتر بترفض تموت)

يعني أن أشياء أخرى ترفض (الحب)،كما تقاوم (الموت)،هذه المخاتلة والمخايلة واللعب الإبداعي بموروث المصريين في التعبير عن جوهر الرباعية يحقق لها أكثر من مجرد الاستسلام لفكرة أن الشتاء/القدر يميت أشياء،واشياء أخرى تقاوم وترفض الموت،هو طرح أو قراءة مستسلمة للسطحي في الرباعية بينما تحقق القراءة الثانية عمقا أكبر ودهشة أعلى،تصبح الرباعية بها مزدوجة المعنى.

في تجربة (واحديات) لأشرف عتريس،وبقليل من جهد تلتقط تكرارا لمفردات بعينها هي (حقول دلالية) تنتمي لجذور محددة؛جذر الماء بحقوله الدلالية المتعددة (البحر،العرق،الدم .. الخ) مثالٌ لكثير من جذور لحقول دلالية تصير معجماً خاصا للشاعر في العموم،وللتجربة – واحديات – على نحو خاص،نحو يحقق وجودا شعريا متفردا،مكونا صورة كبيرة لواقع معاش/آني،ومعاناة ذات كبيرة لجيل،وجود من نوع خاص ومتفرد:

(وجود)

عادم..

يا طعم الملح من باطك..

شميت اللون غصب عنِّي ..

ودخلت عليك ما سمِّيت ..

فلقيت الدم والشاهد ..

ماهوش نادم..

كثير جدا يأتي العنوان كما لوكان مقتطعا لنفسه مساحة بعيدة عن مضمون الواحدية في كل التجربة،قليل جدا استخدام الشاعر (حاسةً) فيما لم تخلق إدراكيا لأجله،إنه وجود خاص،عنوان خاص،مخادع ومخايل،نوع من كثير أنواع (الوجود)،تجردها الذات الشاعرة من التعريف،وتبقيها نكرة (وجود)،وهو وجود يتحقق بمفردتين قبل نهاية الواحدية (الدم) و (الشاهد)،وجود راضٍ بما حققه فلا يشعر بندم،وجود هو عظيم وغالٍ غلاوة (الدم) وواضح وخالد وضوح وخلود (الشاهد).

المحير في محاولة تأويل هذه الواحدية هو تلك الإحالة التي يطلب المتلقي تحديدها لضمير المخاطب المذكر المتصل في كلمة (عليك)،فلا يجد قاريء مثلي سوى عنوان الواحدية نفسها (وجود)،فتنفتح دلالة الواحدية وتحلق في فضاء التأويل ومحاولة الوقوف على المعنى والجوهر فيها.

فإذا كان هذا الجيل وتجربته الإبداعية بالعامية المصرية قد جاء عابرا على جسور الشكل والنسق والرؤى متجاوزا إياها،ومحققا لنفسه هكذا وجودا مغايرا جديدا يستعصي غالبا على أي محاولة لقولبته أو تأطيره بنظرية أو منهج،فإنه يصبح حرا طليقا مستعصيا على التعريف.

نحن أمام واحدية مرهقة في تأويلها مالم تنحاز لفرضية في قرائتها تختبرها على طول الواحدية،هذه الفرضية لا تكون سوى عنوانها باعتباره مفتاح أرضخنا الشاعر له دونما فرصة للتملص منه أو إنكاره أو تناسيه،لتكون المحاولة هي إخضاع العنوان لمضمون الواحدية ومعاينته فيها،فهو عنوان لا يدل على مضمون الواحدية فقط ولكنه مفتاح تأويلها الوحيد المتاح.

وقوفك في القراءة عند العنوان ثم قراءة أول سطر بسكتة خفيفة،تفصلك تلقائيا عن جوهر الواحدية،فالشاعر من السطر الأول للواحدية وبه كلمة واحدة (عادم) يتبعها بنقطتين تشيران لفضاء السطر المحذوفة بقيته،للمساحة التي يتركها الشاعر للقاريء كي يضع فيها ما يشاء تاركا إياه في فراغ إبداعي،هذا الفصل وهذه السكتة الخفيفة لا تغني عنك شيئا،فالعنوان يرتبط ويكتمل بالكلمة الأولى (وجود عادم) ،وجود دون ذائقة ودون استساغة،هو وجود إن يحققه (الملح) لتستسيغه (طَعمَا) فهو ايضا وجود معاين بالعين (عرق)،جهد ومجهود ومنتج الإرهاق في النسج،وجود من نفس المنبع (الباط)،وله هذه الصورة المتكونة في الذهن (بقايا العرق الجاف على الملبس في المكان المعتاد تحت الإبط)،لكن هذه المعاينة بالعين لا تفي ولا تشبع دونما حاسة أخرى معاونة وكاشفة أكثر،التذوق باللسان،فتكتشتف وتتأكد الذات أن هذا الوجود القصيدة والتجربة (عادم) غير مستساغ لكنه يستهوي ويجذب شاعرا إلى تجربته،فتستعين الذات المنجذبة بحاسة الشم،تشم لونا إبداعيا جديدا من فرط جاذبيته غصب على الذات معاينته وتجربته (شميت اللون غصب عني)،فتدخل الذات الشاعرة في معاينة بالنسج على غير منوال سوى هذا الإبداع،تدخله الذات دونما حذر أو مقدمات (دخلت عليك ما سميت)،هذا التعبير المصري الذي يستدعي من ذاكرة القاريء (العفاريت والجن) وردع شرورهم بالتسمية،وجود ينكشف للشاعر كما نهاية رحلة للجحيم فلا يجد سوى (الدم) علامة النزف ودليل المجاهدة وكثير الحرب والمعارك،و(شاهد) على قبر خالد يؤرخ للتجربة/الوجود،فيصير الوجود خالدا باقيا دونما ندم للمحاولة.

في واحدية (وجود) استخدام للتعبير المصري كما فعل جاهين في رباعية الشتاء،ويضيف اشرف عتريس استخدامات أخرى ليس على طريقة جاهين فقط ولكن باستدعاء مخزون الصورة المصرية (بقايا الملح على الملابس)،الملح واللون والتسمية قبل الولوج والدخول،الدم في المخاض والنزف في معارك،وشاهد القبر،شاهد القضية لا مشاهدها من خارجها.

إذا سلَّمنا بما يورده الدكتور/صلاح فضل في (اساليب الشعرية المعاصرة) من أن:

(البنية الكبرى للنص،المتولدة من طريقة تراتب أجزائه وحركية نظامه المقطعي،هي التي تجعل منه – النص – دالاً كبيرا يتميز بدرجات متفاوتة من التشتت والتماسك).

فنحن أمام تجربتين من حيث التشتت والتماسك على محورين:

الأول : الشكلي في النسق/القيد

فنجد الرباعيات عند (صلاح جاهين) بما أنها نسق محدد القيد (فنيا) أو نسجاً في بنيته الكلية،فهي بنية متماسكة،بنية كبرى حركتها منضبطة منتظمة،ذات إيقاع كلِّي واحد،حركة تصف ليس فقط النص والتجربة لكنها أيضا تصف الذات الشاعرة،ذات تتمسك بالنظام/القيد،آلية محددة الطريق.

بينما في تجربة الواحديات عند (أشرف عتريس) نجد البنية الكبرى للنص في محور الشكل،هي بنية على قدر هائل من التشتت،وهي إذ تتحرر من اي قيد أو نسق محدد سلفا،وتفرض على نفسها قيدا ونسقا خاصا،نجدها تطول أو تقصر،تنمو عرضيا أو تقف عند مجرد كلمة تشكل سطرا شعريا مغلقا أو منفتحا لفضاء القاريء لا فضاء النص نفسه.

الثاني: محور المضمون بما يطرحه النص من قضايا.

هنا الرباعيات تتشتت في بنيتها الكبرى، التشتت في مضمون كل رباعية واختلافه عن ماقبله أو بعده ولا يحدد هذا التشتت أو يصفه في الإجمال العام سوى النسخة الأصلية للتجربة،من حيث وجود رباعيات هنا تختفي هناك،فلدينا نسختان متوفرتان لهذه الدراسة تختلفان في عدد الرباعيات،لكن المؤكد أن التشتت في البنية الكبرى على مستوى محور المضمون يتحدد بكلمة (عجبي)،تؤطر (تراتب الأجزاء) التي أوردها الدكتور/صلاح فضل،وتحدد نغمة الإيقاع في (حركية نظام النص المقطعي)،تصير (عجبي) دالة كبيرة في بنية الرباعيات.

في الواحديات على مستوى محور المضمون تكون تجربة متماسكة في تحديد كل بنية صغرى بعنوان،تجربة مشتتة في بنيتها الكبرى متماهية مع تشتت الرباعيات،تشتت يصف الذات بأنها قلقة،غير منتظمة الحركة،غير آليةوغير منضبطة،متماهية مع العالم الذي تنسج فيه وعنه،مع ذاتها وعنها وفيها.

 

في نسخة (دار الصفوة) – بيروت،الأعمال الكاملة لصلاح جاهين،ينتهي جزء الرباعايات في صفحة 197،برباعية دالة على ما أورده الدكتور صلاح فضل،رباعية تشير لهذه البنية الكبرى للنص،وتؤيد رؤيتنا – المتواضعة – في شكل الحركة وإيقاعها الحاكم ليس فقط للتجربة ولكن أيضا للذات الشاعرة ولجيل جاهين بأكمله:

فوق .. تحت .. ورا .. قدام .. يمين .. شمال

في الجو .. تحت الميه .. أو في الرمال

طلب الكمال يحرم على الممكن

والممكنات دول محرومين م الكمال

عجبي !!

 

هذه الرباعية المجسدة لكلية التجربة/البحث (في و عن) الكمال،والاعتراف بمحدودية (الممكن) بما أنه فقط (ممكن)،قانون وقيد أزلي منذ بداية الحياة الإنسانية الواعية،لا تتغير مواده وبنوده ولا نتائجه في اي مجال أو داخل أي إطار أو بيئة،الحلم الإنساني في الوصول لـ (الكمال) – في المطلق – مع محدودية الأداة (الممكن)،وأن هذا الحلم بالقطع لن يتحقق ،(حرمان) محتوم،مادام الفاعل/الإنسان/الشاعر،محدودا غير كامل،فياتي السؤال ضمنيا : كيف لما ليس كاملا أن يصل للكمال؟

(الممكن) بما هو عليه من محدودية أزلية يُحرَّم عليه طلب الكمال،وبالتالي يصير كل (ممكن) محروم أزليا من الوصول للكمال،عبثية الحياة/القدر المحتوم،الذي يفرض ضرورة المحاولة بالممكن،واعتراف بوجود الكمال (في المطلق) مع الاعتراف بقدرية النتيجة والنهاية.

هذه الرؤيا أو الطرح ليست خاصة بصلاح جاهين فقط بل بجيله أيضا،رؤية تصفها هذه الحركة في المكان،الحركة الاستاتيكية التي تحددها في الاتجاه والمستويات المختلفة (فوق .. تحت .. ورا .. قدام .. يمين .. شمال)،حركة منضبطة منتظمة أشبه بما يتولد عن التمارين الرياضية،والمشية العسكرية،إيقاع لا يتغير متماهيا مع القيد والنسق الكلي الذي اختاره جاهين (الرباعية)،فلا انفلات ممكن من هذا القيد ولا من هذا الإيقاع ولا من هذا الانضباط،إنه التسليم بوعي كامل عن قدرية النتيجة وعبثية المحاولة المفروضة.

بينما يستسلم القاريء/المتلقي لمضمون أي رباعية عند (صلاح جاهين)،يقبل به بمجهود قليل ينحصر في متابعة تتالي الأبيات حتى انتهاء الرباعية،ودون مناقشة أو تأويل لمضمون يتجاوز فضاءها إلى ما هو أعلى وأعمق – وهو موجود بالفعل – ويكتفي بتجاوز الشكل وقيد النسق الواضح والمحدد سلفاً،ويبقى في حالة التسليم الكامل لمضمون أي رباعية تحدث عن المساواة الإنسانية والأصل الواحد،تحدث عن العدم والفناء والنتيجة الواحدة لهما مظهرا وجوهراً،تحدث عن المقدور والمقدر والحب المكبوت المحاصر،عن الشتاء الذي هو شتاء،والربيع الذي هو ربيع بزهره وتفتح وروده وإيناع أشجاره .. الخ،بأدوات قليلة للتذوق والتلقي دون أدى محاولة لطرح السؤال على النص،فقط يعيد (صلاح جاهين) توجيه بؤرة الضوء لهذه القيم والمعاني التي اختفت من النفوس والأذهان والضمائر بفعل (عوامل التعرية) الاجتماعية والاقتصادية – إن جاز لنا استخدام هذا المصطلح الجيولوجي – فقط يعيد (صلاح جاهين) نسجها في قالب محدد الشكل لا يطلب سوى مهارة استخدام أدوات الإبداع الشعري مفردات وموسيقى وإيقاع والتزام بقيد النسق.

القاريء نفسه حين يستخدم نفس أدوات ذائقته وذات آليات التلقي التي أوصلته لاستسلام وتسليم يراهما يحققان إشباعا وجدانيا من نوع ما،فإنه بنفس الآليات والأدوات تلك يجد إرهاقا في الولوج إلى قصدية (أشرف عتريس) في كل واحدية،يجد هذا الإرهاق مفروضا عليه من النص وبداهة من الشاعر،إرهاقا يرفض به (أشرف عتريس) وكل جيله استسلاما في التلقي واستسهالا في الوصول لقصدية الشاعر،يرفض الشاعر/الجيل (فلس) أدوات التلقي بعد أن رفض (فلس) الأشكال والنُسُج الموروثين والمتوارثين:

فلس

حواري ومساكن

العفن ساكن بوابات الحي

والعطش ..

مادد لسانه برة الشيش

الريق بينشف .. والشقا يكشف جرابه ع الفاضي

يبعتر فراغ الجوع/الغناوي

تلم القهاوي ..

غوازي وعوانس ..

وضحكة حشيش.

 

تنقلنا الواحدية،بل كل المنتج الشعري الحديث والحداثي،من القصيدة المسموعة إلى القصيدة المقروءة،من حاسة السمع الكفيلة بتوصيل المضمون عبر الشكل القديم،إلى استخدام كل الحواس والأدوات التي تناسب قصيدة عاصية على تأويل محدد وتفسير واحد،إلى ولوج بأدوات مبتكرة ورؤى مغايرة.

 

 

 

 

في واحدية (فلس) وبتجاوز قليل عن العنوان الموحي والدال على فضاء الواحدية،فنحن أمام حالة حصار للأنا والذات الشاعرة؛فالواحدية هنا تنقسم إلى ثلاث مناطق،إلى ثلاث فضاءات لا فضاء واحد :

الأول : من بداية الواحدية وحتى نهاية السطر الشعري الثاني

الثاني: من السطر الثالث وحتى نهاية السطر السادس

الثالث : من السطر السابع حتى نهاية الواحدية

على ماذا يدلنا وماذا يقدم لنا هذا التشريح للواحدية؟

في المنطقة الأولى: يرصد الشاعر حالة واقع،يصفها بما فيها من (عفن)،هذه المفردة التي تحيل القاريء لمعاني عدم الصلاحية هكذا على الإطلاق،وهذا العفن يسكن الحواري والمساكن،يسكن المستويين المعيشيين الأدنى والمتوسط،العفن الذي قد يطل من هذه البوابات للفرد/الحي بما هو كائن حي،وللوطن/الحي وليس المدينة أو القرية.

في المنطقة الثانية : تصف الذات الشاعرة حالتها هي،خلف ستار أو جدار (شيش) يسمح بالمتابعة والمراقبة والرصد للخارج،حالة الذات التي تحولت من ذات (عطشى) إلى العطش نفسه،عطش هو الحلم المستعصي والإشباع الممنوع يمد لسانه متجاوزا هذا الجدار/الستار (الشيش)،ثم ينمي الشاعر الصورة في (العطش)عرضيا بكلمتين (الريق بينشف)،وينميها في اتجاه آخر ليكون العطش هو الشقاء الذي بلا جدوى،شقاء يبعثر فراغ الاحتياج (الجوع) الذي هو فراغ الغناء/القصيد.

في المنطقة الثالثة : يعود الشاعر للرصد من جديد،للنتيجة المرصودة هنا لهذا العطش وهذا الاحتياج،يرصد من خلال المكان الأثير للذات (القهاوي) مستخدما صيغة الجمع مؤكدة عدم الاستثناء،هذا المكان الذي أصبح بمثابة سلة قمامة،لا تجد بها سوى القبح،قبح فني (غوازي)،وقبح جنسي (عوانس) وقبح هو الملجأ للهروب من قبح الاحتياج وقبح الممنوع،الهروب بضحكة حشيش.

تحاصر الذات نفسها (المنطقة الثانية) بين رصد أول (المنطقة الأولى)،ورصد أخير (المنطقة الثالثة)

نطرح السؤال على النص:هذا الاستخدام لمفردتين تنتميان لحقل دلالي خاص بالأنثوي (غوازي) و (عوانس) لماذا؟ ولا نجد إجابة سوى من النص نفسه من تأويل جديد لمحتوى منطقة الحصار (المنطقة الثانية)،منطقة الاحتياج والممنوع بما أنهما السبيل لو حصل الإشباع وانتهى الممنوع إلى مواجهة هذا (العفن)،فالعطش ليس هو العطش ولكنه الاحتياج للجنس الذي صار تحققه واختباره ومعاينة لذته صعبا بعيد المنال،هذا العطش/الجنس الذي يبدو ككائن حي له لسان،أو بتأويل مفرط هو عضو الذكورة،اللسان الممدود ناحية نبع يروي ماؤه العطش،ممدود خارج وعبر الستار والجدار الفاصل الواهي عن النبع (الشيش)،ثم هذه المجاهدة (الريق بينشف)،هو ليس الريق بل (المني)،(تنشف) معاينة اللذة واختبارها قهرا أو معتقدا،وناتج أو نتيجة هذا (الشقاء) بلا جدوى مثلها مثل (الحاوي) الساحر الذي يخطف الناس أبصارهم ووجدانهم بجرابه الذي ينكشف على الخواء على اللانتيجة والاجدوى،فتصير الأنا الأنثوية قبحا لا تحتويه (تلمه) سوى الأماكن التي من المفترض أن تحوي وتحتوي الجميل والإشباع المعتاد بغير قهر(عوانس)،ولا سبيل للهروب من هذا الاحتياج سوى (لمة) من نوع آخر،لمة أصحاب وطقوس تنتهي بضحكة هي البصقة في وجه كل هذا القبح وكل هذا العفن.

يصبح هنا الجنس/العطش هو نتيجة لهذا العفن الساكن في مناطق اجتماعية محددة هو بالأحرى (فلس) لكل الأشياء،لكل الجميل والرائق والصابح.

وإذا رفضت هذا واعتبرت أن المنطقة الثانية تعبير عن حصار إبداعي وأن الحديث لا يخرج لدلالة الجنس وإنما يخرج فقط لدلالة الإبداع بشكل عام فلعلك أصبت جانبا من آخر من دلالة كلية للنص.

لتصير المقاهي وهي الأماكن التي عمرت بتجارب مغايرة بعيدة عن المستهلك والمتوارث والسهل،صارت بعد الحصار والفلس والعفن أماكن لا تجيء إلا بأمثال المبدعين المتساوين قبحا وفلسا مع الغوازي والعوانس.

ولعل هذا التشريح والتأويل لنص هذه الواحدية هو ما قصده الدكتور (مصري عبد الحميد حنورة – سيكلوجية التذوق الفني) :

(الفنان لا يقدم مقدمات متفق عليها،لكي يرتب عليها نتائج ينبغي الاتفاق عليها كذلك،لأن الفن لا يمكن أن يقبل منه المباشرة،إنه إعاداة خلق للواقع،وهو هنا لا يسلم بالواقع،إنه ينظر إليه من زاوية جديدة،ويراه برؤيا جديدة،تلك الرؤيا المختلفة عن رؤى الآخرين.).

جزء من مقصدنا وغايتنا في هذه الدراسة هو الكشف،ليس عن شعرية (صلاح جاهين) في الرباعيات وقيمتها الأدبية والفنية،وهي التي يقف خلفها ثقل جماهيري و(قرائية) كبيرة وانتشار واسع،ولكن جزءا من قصدية هذه الدراسة هي الكشف عن هذا الصراع بين قدرة النسق والقيد على الإيقاع بالقاريء في يد السهل والموروث،ومقدار ما يتمتع به هذا القيد/النسق من مقدرة على إبعاد المتلقي عن نسق بل أنساق جديدة ورؤى جديدة،حتى تصبح قارة في أعماقنا قصدية (سوزان بيرتار) :

(أننا نجد أنفسنا ضائعين في ميدان كثيف مجهول وغير واضح الحدود،ميدان يتحسر المرء أمامه – أحيانا – على طرق الشعر الكلاسيكي الجميلة المحددة المعالم).

إن نسق النسج في الرباعيات معروف،وقيوده واضحة،كما لو كان النسج داخل القيد هو جوهر الاندهاش الذي يستهوي المتلقي،أربعة أبيات تتفق ثلاثة منها (الأول والثاني والرابع) في القافية،ويختلف الثالث قافيةً،فتنتهي الرباعية بالكلمة الأثيرية (عجبي)،لكن صلاح جاهين يكسر هذا القيد في رباعية واحدة ووحيدة،فتأتي الأبيات الأربعة متفقة في القافية :

مع إن كل الخلق من أصل طين

وكلهم بينزلوا .... مغمَّضين

بعد الدقايق والشهور والسنين

تلاقي ناس أشرار وناس طيبين

عجبي !!

هنا لو جاز لنا التوقع سنجد أن التجربة فرضت نفسها على الشاعر،فَرَض (التساوي) والتشابه بين (كل الخلق) في الأصل الذي أتوا منه،وفي بداياتهم الفطرية الطبيعية،ثم بمرور الزمن (الفاعل) يتمايزون بين (الشر) و (الطيبة)،هذا التساوي ربما كان هو الدافع وراء الكسر الذي فعله (جاهين) داخل النسق/القيد.

لكن دائما – وبرغم هذا الكسر/التمرد – يظل البيت الثالث في أية رباعية كبؤرة ضوء تنير ما قبلها وما بعدها،وتحيل مباشرة إلى (عجبي) في نهاية كل رباعية،يظل - هنا في تلك الرباعية - البيت الثالث مشيرا إلى رؤيا محددة تجاه سبب التغير والتمايز بين البشر،تاريخهم الذي عاينته الذات دائما،هو (الزمن) الفاعل وحده دون مسئولية من (الخلق) المفعول بهم دائما،هذا الفاعل (الزمن) يستحوذ –باعتباره رؤيا- على الرباعية التالية مباشرة والواردة في نسخة (مكتبة الأسرة)،استحواذ هو تسليم بتلك الرؤيا تقوي فعل الدهشة الخاتم لكل رباعية (عجبي)،فتأتي متكررة لمرات ثلاث،وكأنها تمعن وتؤكد أن لا فرار من المحتوم الآتي بفعل هذا الفاعل (الزمن) وتعمق من سلبية واستسلام المفعول به (الأنا) و كل الخلق :

عجبي عليك .. عجبي عليك يا زمن

يا ابو البدع يا مبكِّي عيني دماً

إزاي أنا أختار لروحي طريق

وأنا اللي داخل الحياة مرغماً

عجبي!!

هذا الإيقاع الثقيل الذي تفرضه صوتيات القافية (النون الساكنة) والتنوين يؤكد ثقل هذا الفاعل وقهره للمفعول به (الأنا)،ويأتي البيت الثالث بقافية في صوتياتها تشير إلى معاناة الأنا مستخدما المد بالياء المؤكد لعمق ومسافة هذا التاريخ البشري.

وينسج (صلاح جاهين) في داخل النسق/القيد – أحياناً – مستعينا باساليب مستعارة من خارج التجربة،يستعين – مثلا – في رباعية بمبتدأ أو مفتتح حكايات الجدات للأطفال وهي المستقرة في وجدان المصريين بهذه الجملة المفتتح لكل حكاية :

كان يا ما كان .. يا سعد يا إكرام

ثم من بعدها تأتي الحكاية حاملة لمتلقيها محتواها بكل أنواعه،يستعين صلاح جاهين بجزء من الجملة المفتتح ليروي ويحكي جزءا من تاريخ البشر:

كان فيه زمان سحلية طول فرسخين

كهفين عيونها وخشمها بربخين

ماتت .. لكين الرعب لم عمره مات

مع إنه فات بدل التاريخ .. تاريخين

عجبي!!

وبما يناسب طقس (الحكي) في شكله القديم،وبكل استقراره في وجدان المصريين،ينسج (صلاح جاهين) الشاعر مستعينا بـ صلاح جاهين الرسام والتشكيلي،ينسج من مفردات ذات مرجعية أسطورية في دلالتها،الكائن الخرافي (سحلية طول فرسخين)،ينمي صورتها المرعبة بريشته (العيون وسع الكهف وظلمته)،والفم (الخشم) البالغ الاتساع،ينسج مستعينا أيضاً بمفردات آتية من عمق اللغة القديمة المناسبة لهذا الرسم الأسطوري لكائن يلقي الرعب في نفوس البشر (فرسخ) و (بربخ)،وبما يناسب التجربة يختار المفردتين بصوتيات حرف الخاء مع المد بالياء،هذا الكائن بكل هذه الأسطورية في التشكيل والوصف،ينقرض مختفيا من التاريخ بفعل الموت الطبيعي،لكن ما استقر عنه من رعب في النفوس لا يختفي ولا يرحل ولا ينقرض،بل يأخذ مكانه عميقا داخل البشر الذين لم يدركوا ضعف هذا الكائن أمام الموت الذي يؤمنون أنه موت يقهرهم هم بالأساس،رعب لا يرحل ولا ينقرض ولا يختفي رغم مرور (الزمن) الفاعل بهم حتماً.

الاستسلام والتسليم للخوف المنسوج بأسطورية عند (صلاح جاهين) يتحول إلى عبودية من نوع ما،عبودبة يصعب الفكاك منها ومن أسرها وسلطتها وتسلطها،وفي المقابل نجد أنفسنا أمام عبودية أخرى نسجها مختلف باختلاف التجربة والجيل،وباختلاف المعاينة لواقع جديد ووقائع مختلفة عن جيل آخر :

عبودية

من حقي أقول ..

شايفك طايح ورايح في براحك ع الآخر

وأنا متكتف ..

مش قادرة عيوني

تفتح كسرتها في عين الشمس

وساعات .. تلبسني بنارك في غيابك

وتحبب فيا الشياطين..

لا تنكشف هذه العبودية ولا تتعرى فتصبح واهية ضعيفة على غير معاينتها وصفاتها بأسطورية جديدة،أسطورية تنسجها الذات الشاعرة لكن بعد التعرية والكشف اللذان يصبحان (فاعلان) بقوة الحرية،حرية لا تبدأ فعلها إلا من عند الإيمان بأنها – الحرية – حق،وأن ممارستها حق،وأن أول هذه الحقوق هو حق القول والتصريح به في وجه الخضوع والاستسلام،هكذا في أول سطر شعري في الواحدية تثبت الذات الشاعرة قدرتها على الكشف والتعرية،بل وتعيدنا إلى صورة بعيدة في تاريخ الخلق نفسه،لحظة التصريح بالقول الحر من الملائكة حين بدأ خلق آدم.

استقرت التجربة في الواحديات على قوة (التنكير)،تنكير المفردة لينفتح فضاء التأويل لأقصى مدى أمام المتلقي،فيجيء عنوان الواحدية على هذا المنوال الدال في إجماله على خصيصة من خصائص جيل جديد،وعند انفتاح فضاء التأويل على هذا النحو فإن المتلقي لا يجد مبتغاه سهلا في الوصول إلى معنى واحد يرتكن إليه ويشبع له حاجته من النص،وكذلك الناقد المتلقي من نوع خاص،لكنه – الناقد – يجرب أدوات جديدة للولوج إلى معنى من كثير معانٍ فلا يجد سوى الرضوخ للتنكير كأداة نقدية لا كأداة نسج شعري.

عبودية لمن؟ .. سؤال حين يرتكن المجيب لقهر انفتاح فضاء التأويل أمامه ستكون الإجابة :

عبودية لكل (مثال)،ولكل (نموذج)، لكل ما هو مستقر في العقل وفي الوجدان،عبودية تأتي قدرتها مما استطاع (المثال/النموذج) ممارسته على (العبد)،وتحددها – القدرة – رؤية الذات لها (شايفك)،قدرة آتية من ضعف الآخر فاستطاع هذا (المثال/النموذج) أن يسود ويطغى (طايح في براحك ع الآخر)،هذا التسلط الذي يحول (النموذج/المثال) إلى قوة قاهرة للذات (وأنا متكتف)، قوة سالبة لإرادة الذات التي تنكسر أول قدراتها (الشوف) أمام الحقيقة المغايرة (مش قادرة عيوني)،وتحت هذا القهر يبدو الاستسلام مع الاحتفاظ بقليل من قدرة على إدراك الحقيقة (تفتح كسرتها في عين الشمس)،وحين يغيب (المثال/النموذج) بقوة الخيال والحلم من الذات يظل قهر المثال/النموذج باقيا ممارسا قدرته على الذات (وساعات .. تلبسني بنارك في غيابك)،وتصل قدرة المثال/النموذج في قهر الذات حتى إيقاعها بقوة الحلم والخيال في الغواية (تحبب فيا الشياطين).

فيما بين التجربتين والشاعرين زمن تغيرت فيه آليات الإنتاج الشعري وآليات القراءة،زمن يجاهد فيه جيل التسعينات في العامية المصرية محاولا إيجاد قارئه المستسلم للقرائية المستندة على الشهرة والانتشار.

فيما بين التجربتين والشاعرين مسافة يحدد بدايتها ونهايتها القاريء وآليات قراءته ليكتشف أن شهرة الرباعيات مجحفة في حق جيل جديد في العامية لا يرى السطحي والمستهلك والقديم من الصور والأنساق ،بل جيل يتحرر من كل القيود ويضع قيوده الخاصة جدا.