إبداعات ذات مصر

خمسة مشاهد من ليلة صيفية.. قصة قصيرة

ذات مصر

هدوء 
ها هو الليل يرخي سدوله على الأرجاء... ويتعالى حفيف أوراق الأشجار التي تداعبها نسمات الليل الخريفي... وينزوي الي مقعده وراء مكتبه الصغير ممسكا بقداحة يشعل بها شمعة تضئ ظلام الغرفة فتلقي بظلال ما يجول بروحه على صفحة الحائط المواجه... وتستوطنها أحلامه التي اعتاد أن يستحضرها كل ليلة... ويا له من طقس يزيل عنه أسقام النفس.. وأوجاع الروح. 

حالة 
مرت الدقائق وهو مسندا رأسه إلي المقعد مغمضًا عينيه ورأسه تميل ناحية النافذة مواجها ذلك الهواء الخريفي المائل للبرودة مستمتعا بعد نهار شديد الحرارة ويديه ممسكة بالقداحة وهو ينقر بها على سطح المكتب نقيرا متلاحما مع صفير خافت من فمه لإحدى الأغنيات الفيروزية ... محاولا إن يتخلص من رنين صدى صمته وهو يصطدم بجدران الغرفة الضيقة ... صوت مهزوم لا يشعر أنه ينتمي إليه .. متسائلا... كيف يكون للصمت كل هذا الصوت الصاخب الدائر في تلافيف العقل ... وحنايا القلب؟ 

استحضار 
وها هو يدير رأسه ليري لهيب الشمعة وهو يكاد ينطفئ من تيار الهواء الآتي من الخارج فتهتز الصورة على الحائط... يا الله... من أين يأتي هذا الظل الأنثوي المنعكس على الحائط ولا يوجد في الغرفة حيا إلا هو ...؟ أو ليست هي؟ وتعالى صوت عقله متسائلا ... ما هذا الصوت الذي اسمعه؟ فأرهف السمع وهو يعتدل علي مقعده.. وما لبث أن شعر بتلك النغمات الفيروزية التي أخذت تعلو رويدًا رويدًا حتى بدا واضحًا ... ثم ما لبث أن شعر بأن هذا الصوت يحيي نبضًا يخرج من القلب... وأنفاسًا تخرج من الصدر ملأى برائحة العطر... 

واقع 
ها هو الظل يهتز حتي خيل اليه أنه يتمثل جليا ويخرج من الحائط... فيهتز قلبه حتي خيل إليه إنه يتمرد عليه ويجتاز حصار أضلعه. 
- من أنتي أيتها الحسناء؟
 -أنا هي

- ومن هي؟

 - هي صنيعة واقعك ... وواقع خيالك كما أردت ... هي أجمل من سارت على ارضك وأظلتها سماؤك ... هي من تنير دجى ظلمتك... وتظلل حر نهارك ... هي من استحضرتها معانيك ... وجدتها كلماتك... ونفخت فيها من روحك
 - إذا... فأنت هي؟
 - انا هي... أنا معشوقتك السرمدية 

خيال 

ها هو يسير صباحا متجها إلى عمله.. يمشي كعادته حتى غزا الشيب مفرقيه كظل متجسد في صورة انسان... مصاحبا واقعه في ثوب ظله... وظلت روحه معه تتأرجح ما بين اللحظة والاخرى بين الراحة والألم ... يبحث بين جنبات الطرق عن من يجد في عينيها ترياقا لألمه .. او في صوتها ملاذا آمنا .. ليشعر بالإفاقة من سِنة الموت من جديد... وهكذا هي دورة الحياة لديه ... بين الفقد والأنس .. بين الغياب والحضور... بين الموت والحياة... وصوت الشدو الفيروزي يدوي في أذنيه..
 لو كان قلبي معي ما خترت غيركم ..
ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا ..