السعودية تأمر والعرب ينفذون.. كيف أصبح بن سلمان قائدًا للمنطقة؟

ذات مصر

تنطلق الدورة الـ32 للقمة العربية لرؤساء الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بمدينة جدة بالسعودية، غدًا الجمعة، في ظل ظروف سياسية صعبة، وتغيرات طرأت على المنطقة في الأشهر القليلة الماضية، وأزمات اقتصادية التي تعاني منها دول عربية كبرى جعلتها بعيدة عن المشهد ومتغيراته وتابعة لقرار «الأغنى».

السعودية تأمر والعرب ينفذون

الواقع الجديد في القمة يشير إلى تغير موازين القوى في المنطقة تمامًا، واختفاء سيطرة دول على القرار العربي، وظهور قوى جديدة لم يكن لها تأثير في قرارات الدول حتى أصبحت تملي على الجميع سياستها وتجعلهم تابعين لإرادتها المنفردة.

المعادلة العربية الجديدة جعلت دولًا قوية مثل مصر، وأخرى غنية مثل الإمارات وقطر، غير موجودة في المشهد بل تابع لقرارات الأمير الموجود في العاصمة السعودية الرياض، ولي العهد، محمد بن سلمان، والذي باتت رؤيته تتحكم في سياسات وعلاقات الدول الأعضاء.

مؤخرًا نجحت الصين، في إنهاء الأزمة «السعودية الإيرانية» المستمرة منذ عقود، ليعلن في بيان ثلاثي يضم «بكين والرياض وطهران»، عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، رغم التصريحات الحادة والاتهامات المتبادلة بانتهاك حقوق الجوار والتدخل في شؤون الدول.

وذكر البيان أن الجانبين اتفقا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في عام 1998.

خطوة عربية أولى نحو إيران

في أعقاب الإعلان السعودي،  الذي جرى التحضير له في العراق وعمان، سارعت دول عربية إلى الإشادة بـ«الخطوة التاريخية»، فأعلنت تقديرها لهذه الخطوة، من أجل إزالة مواضع التوتر في العلاقات على المستوى الإقليمي، وتأكيد ارتكازها على مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة من حيث احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وترسيخ مفاهيم حُسن الجوار وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

 وأشارت الدول إلى أن القرار السعودي الإيراني سيساهم في تقليل حدة التطور في المنطقة إن التزم به، بما يعزز من فرص التعاون وتوطيد التواصل الإيجابي فيما بينها، من أجل رسم مسار للعلاقات يلبي آمال شعوب المنطقة في الازدهار والتقدم. 

عودة «سوريا إيران» للجامعة العربية

ومع مرور شهرين لم تتخذ أي دولة خطوة مماثلة، حتى وافقت «الجامعة العربية» على عودة سوريا -المقربة من إيران- إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، لتكون أول خطوة عربية تجاه الوضع الجديد رغم عدم بدء مباحثات مماثلة مع دول أخرى علقت علاقاتها لسنوات هي الأخرى مع إيران.

العودة السورية جاءت بعد الحصول على الضوء الأخضر من المملكة، وزيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، لدمشق ولقائه الرئيس السوري، بشار الأسد، ثم الاجتماع في السعودية لإصدار توجيهات المملكة بشأن قرار إنهاء تعليق عضوية دمشق قبيل الاجتماع في الجامعة العربية بالقاهرة لاتخاذ القرار الرسمي.

اجتماع الرياض حضره وزراء خارجية 9 دول عربية، هم دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب مصر والعراق والأردن، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى جدة في أول زيارة من نوعها منذ بدء الحرب في سوريا.

لا للتصويت.. نعم للتوافق

رغم الاعتراض الضعيف لبعض الدول على قرار عودة سوريا للجامعة في مقدمتهم قطر والتي لا زالت تتحفظ على عودة بشار، أعلنت الجامعة العربية، موافقة وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم بالقاهرة على عودة سوريا بالتوافق وليس بالتصويت، حسب مصادر بالجامعة.

وحاولت الجامعة تجميل موقف أعضائها، بدعوتها إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج حول حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 بمواصلة الجهود التي تتيح توصيل المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين في سوريا.

وطالبت أيضاً بتشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام، لمتابعة تنفيذ اتفاق عمان والاستمرار بالحوار المباشر مع دمشق للتوصل لحل شامل للأزمة يعالج جميع تبعاتها. 

العلاقات «العربية الإيرانية» بعد اتفاق السعودية

وقبيل انعقاد القمة العربية في جدة، غدًا، اجتمع وزراء خارجية مصر والسعودية والبحرين والمغرب والأردن، على هامش الاجتماعات الوزارية التحضيرية للقمة العربية في جدة، في إطار التشاور المستمر لمناقشة التطورات الإقليمية والدولية، بما في ذلك تطور الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران المبرم في مارس الماضي، حسب بيان رسمي لوزارة الخارجية المصرية.

وأشار البيان إلى أنه جرى خلال الاجتماع تبادل وجهات النظر والرؤى في إطار العمل على الحفاظ على المصالح العربية المشتركة، والاتفاق في نهاية الاجتماع على استمرار التشاور في إطار تلك الصيغة، وبما يضمن التنسيق المشترك من أجل مراعاة المصالح العليا المشتركة.

محاولات السعودية للسيطرة على المنطقة

السيطرة السعودية على الجامعة العربية، لم تكن وليدة المشاهد الأخيرة لكن جذوره تمتد لسنوات طويلة تفوقت خلالها مصر على طول الخط رغم أزماتها والأحداث المتتالية التي مرت بها سواء خلال سنوات الحرب التي انتهت في عام 1973، أو سنوات الربيع العربي.

حافظت مصر على قيادتها للمنطقة رغم تلك الأزمات، وكان الانتصار الأخير دليلًا على ذلك فلم تترك القاهرة منصب الأمين العام لجامعة الدول يخرج منها في عام 2016، لتتفوق على المملكة للمرة الأخيرة تقريبًا بفوز وزير الخارجية المصري السابق، أحمد أبوالغيط، بمنصب الأمين العام للجامعة.

ومنذ ذلك التاريخ جاهدت السعودية بقيادة ولي العهد لتصدر المشهد، وإخراج القاهرة من المشهد تدريجيًا وساعده على ذلك تراجع الدور الدبلوماسي المصري، وانشغاله عن قضايا المنطقة، علاوة على تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها منذ تعويم الجنيه في نهاية عام 2016.

بن سلمان يتفوق على السيسي

وقال تقرير نشره المركز الروسي للشؤون الدولية، في عام 2019، إن ثمة صراعا خفيا حول قيادة المنطقة يدور بين السيسي وبن سلمان، مشيرًا إلى وجود العديد من التغيّرات المهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي في كل من المملكة ومصر.

وأشار الخبير الروسي كيريل تيميخوف، إلى أن المبادرات الاقتصادية التي تسعى لتنفيذها كل من الرياض والقاهرة لا تهدف في الحقيقة إلى إنشاء أنظمة اقتصادية مستدامة فحسب، بل وتعمل على تعزيز مكانة البلدين في المنطقة بشكل رئيسي.

وانتهى التقرير إلى أن الفائز في الصراع من أجل القيادة الإقليمية سيكون الطرف القادر على استعادة الإمكانيات الاقتصادية لبلاده، وخلق مناخ استثماري جذاب، فضلا عن تعزيز العلاقات مع الدول المهتمة بالتعاون الثنائي في مختلف القطاعات.