زلزال المغرب.. هل زاد الشرخ في العلاقة مع فرنسا؟

ذات مصر

منذ وقوع الزلزال في المغرب، وإعلان الرباط الاستجابة لعروض الدعم من 4 دول فقط، هي إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات، شن الإعلام الفرنسي وجزء من الطبقة السياسية في باريس حملة ضد المملكة بدعوى رفضها مساعدة باريس.

فرغم أن بؤرة الزلازل كانت في إقليم الحوز بالمغرب، غير أن هزاته السياسية وصلت باريس، ليشتعل جدل جديد بين البلدين، أثاره رفض المغرب ضمنيًا مساعدة فرنسا، وزاد منه خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وجهه للمغاربة، مما اعتبر تجاوزًا للأعراف والحكمة الدبلوماسية.

فيض من توتر العلاقات

دفع رفض الرباط لمساعدات باريس، وسائل الإعلام الفرنسية للتذكير بفيض التوتر الذي عرفته العلاقات الفرنسية المغربية خلال السنوات الأخيرة، موحيةً بأن الموقف المغربي تعبير عن قرار سلبي تجاه باريس، واصفة إياه بـ "دبلوماسية الزلزال".

تبدأ القصة إثر رفض المغرب التعاون في ترحيل مواطنيها غير الشرعيين المقيمين في فرنسا، ما دفع باريس لتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف في سبتمبر 2021، ورغم تسوية الأمر في ديسمبر 2022، إلا أن ارتداداته السلبية لا تزال تطغى على علاقات البلدين.

وساهمت قضية اختراق هاتف الرئيس إيمانويل ماكرون للتجسس عليه أيضًا في تعكير صفو العلاقات المغربية الفرنسية، إذ تحوم شكوك باريس حول تورط أجهزة أمنية مغربية في اختراق هاتف ماكرون، وهو ما نفته الرباط.

قضية أخرى لا تقل أهمية، وهي اتهام الرباط باريس بالتقارب مع الجزائر، خصم المغرب في عدد من الملفات الخلافية.

وعرفت العلاقات المغربية الفرنسية فصلاً آخر من التدهور في فبراير 2023، بعد إنهاء مهام السفير المغربي في فرنسا، دون تعيين بديل له حتى الساعة، على خلفية اتهام باريس بالوقوف وراء توصية أقرها البرلمان الأوروبي تنتقد تدهور حرية الصحافة داخل المملكة.

خلاف آخر أثار توتر العلاقات بين الرباط وباريس، وهي قضية الصحراء الغربية، التي تعد إشكالاً كبيرًا مع امتناع باريس عن الاعتراف بسيادة المغرب عليها، خلاف ما أقدمت عليه دول أخرى مثل إسبانيا والولايات المتحدة.

ماكرون يُغضب المغاربة

حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنهاء الجدل باعتبار تنظيم المساعدات الدولية مسألة سيادية تخص المغرب، إلا أنه زاد الشرخ وزاد الجدل اشتعالًا عندما اختار توجيه رسالة مصورة للشعب المغربي، فيما وصفه محللون سياسيون مغاربة تجاوزًا للحكمة والأعراف الدبلوماسية.

وإثر خطاب ماكرون، تصاعدت المطالبات للحكومة المغربية بالرد "الحازم" على خطاب الرئيس الفرنسي، الذي وصف بـ"الاستعلائي" المخالف للأصول الدبلوماسية، وانتقد المغاربة توجه ماكرون بخطابه إلى الشعب مباشرة، بعد رفض الحكومة قبول المساعدات الفرنسية.

ولم يكد يخبو هذا الجدل، حتى أعلنت وزيرة خارجية فرنسا كاثرين كولونا، في تصريحات تليفزيونية، عن زيارة ماكرون للمغرب بدعوة من الملك محمد السادس، وهو ما سارعت الرباط إلى نفيه عبر وكالة المغرب العربي للأنباء نقلا عن مصدر حكومي رسمي.

واعتبر المصدر الحكومي تصرف فرنسا غير مقبول، مشيرًا إلى أن الإعلان عن زيارة رسمية من جانب واحد دون التشاور مع المغرب، أمر يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية.

وسعت الجهات الرسمية الفرنسية إلى إخماد الجدل تجنباً للأسوأ، وصرحت وزيرة الخارجية، بأن المغرب دولة ذات سيادة وهي الجهة الوحيدة القادرة على تقييم احتياجاتها، معتبرة أن كل ما يُطرح إعلامياً في غير محله.

يحمل استبعاد المغرب مساعدات فرنسا، في رأي كثيرين، مؤشرات رمزية إلى الانحدار المستمر للمصالح الفرنسية في القارة السمراء، لاسيما أن النفوذ الفرنسي داخل أفريقيا يشهد حالة انكماش مستمرة، بعد اعتلاء أنظمة عسكرية معادية لباريس الحكم في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ما يفسر جانبًا من ردة الفعل الحادة.

رأب الصدع

عادة ما تتحول الكوارث الطبيعية إلى مناسبة لرأب الصدع الذي قد تشهده العلاقات الخارجية للبلد المنكوب، غير أن زلزال المغرب لم يسهم في التقارب بين الرباط وباريس، بل أوجد تخوفًا من أن يصبّ الزيت على نار علاقاتهما الثنائية المتوتّرة أصلاً.

ويرى بعض المحللين السياسيين، أن "السياسة الماكرونية" في المغرب سببت شرخا غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، مما يكشف، حسب رؤيتهم، أن الرئيس الفرنسي ومحيطه غير مدركين لطبيعة العلاقات بين البلدين وأهميتها بالنسبة لمستقبل فرنسا في أفريقيا على الخصوص.