ترسيم الحدود الكويتية العراقية.. لعبة أمريكا في بلاد الرافدين تتواصل بأيادي خليجية

ذات مصر

على وقع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، المنعقدة هذه الأيام في نيويورك، انتهجت الكويت مسارًا تصعيديًا يهدف إلى الضغط على العراق وإجباره على العودة إلى اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله.

الخلاف القديم يتجدد

ورغم مرور أكثر من ربع قرن على إسدال الستار على الغزو العراقي للكويت عام 1990، وبعد أكثر من 20 عامًا على عودة العلاقات العراقية الكويتية إلى طبيعتها بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003؛ إلا أن ملف الحدود المشتركة بين البلدين لا يزال يشكّل عائقًا أمام حلّ جميع الخلافات، ليعود هذه الأيام بضغط كويتي وخليجي كبير.

فبعد مذكرة الاحتجاج التي سلمتها الكويت إلى العراق، على خلفية حكم المحكمة الاتحادية العليا في بغداد القاضي بعدم دستورية اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية بين البلدين في خور عبد الله، أعلن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عن رفضهم "لأي انتهاك لسيادة الكويت من قبل العراق".

دولة الخليج تتدخل.. وضغط سعودي

ودعا وزراء خارجية دول الخليج والولايات المتحدة في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، إلى استكمال ترسيم الحدود البحرية الكويتية العراقية "لما بعد العلامة رقم 162".

كما دعا البيان الحكومة العراقية إلى "الإسراع بتسوية الوضع القانوني الداخلي لضمان استمرار تطبيق الاتفاقية المتعلقة بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين الكويت والعراق لعام 2013″.

وأكد وزراء خارجية دول الخليج في اجتماع، أمس الثلاثاء، أن التطورات من قبل الجانب العراقي في هذا الصدد "لا تخدم العلاقات مع دول مجلس التعاون وتخالف المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية"، وتلعب دولة خليجية كبرى دورًا رئيسيًا في هذا الشأن للضغط على العراق للاستمرار في الاتفاقية

وجدد الوزراء دعمهم لقرار مجلس الأمن رقم 2107 لعام 2013، بشأن إحالة الملف المتعلق بإعادة جميع الكويتيين إلى وطنهم، بمن فيهم الكويتيون المفقودون، وإعادة الممتلكات الكويتية، بما في ذلك الأرشيف الوطني، إلى بعثة الأمم المتحدة في العراق، ودعوا العراق والأمم المتحدة إلى بذل أقصى الجهود للتوصل إلى حل لجميع القضايا المتعلقة بهذا الشأن".

تقارير تحدث أن الدولة الخليجية الكبرى التي تحاول لعب دور القائد في المنطقة العربية عمومًا، والخليجية خصوصًا، تحاول استمرار الاتفاقية التي خرجت برعاية أمريكية تحت ستار الأمم المتحدة بالضغط على الحكومة العراقية، لدعم جارتها الكويت في ملفها، لتؤكد دورها القيادي في المنطقة.

اتفاقية خور عبدالله.. نقطة خلافية

بعد انتهاء الغزو العراقي للكويت عام 1990، رُسمت الحدود البرية بين البلدين من قِبل الأمم المتحدة في 1993، لكنه لم يغطّ طول حدودهما البحرية، وترك حل هذا الأمر للبلدين المنتجين للنفط.

وفي 25 نوفمبر 2013 صدّق البلدان على اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، وهي اتفاقية دولية حدودية بينهما، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، بعد الغزو العراقي للكويت سنة 1990، واستكمالا لإجراءات ترسيم الحدود بين البلدين.

وقسّمت الاتفاقية ميناء خور عبد الله بين العراق والكويت، ويقع في أقصى شمال الخليج بين كل من جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية مشكلا خور الزبير، الذي يقع فيه ميناء أم قصر في محافظة البصرة جنوبي العراق.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم دستورية الاتفاقية، مستندة في قرارها إلى أن التصويت داخل البرلمان العراقي لم يحصل على أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب، كما تنص المادة 61 من الدستور، ليبقى خور عبد الله أحد أبرز النقاط الخلافية المتعلقة بقضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

توتر مستمر

وتمثل المنطقة الواقعة بعد العلامة 162 البحرية، التي أشار إليها البيان، نقطة خلاف كبيرة بين البلدين، لا سيما مع الخلاف العلني حول منطقة "فشت العيج"، والاعتراض العراقي على التصرفات الكويتية.

ففي أغسطس 2019، قدم العراق رسميًا، شكوى إلى الأمم المتحدة اعترض فيها على إنشاء الكويت منصة بحرية في فشت العيج، وهي مساحة من الأرض تقع بعد النقطة 162.

غير أن الكويت ترى أن منطقة "فشت العيج" واقعة ضمن سيادتها، في ظل تأكيد العراق أن خطوة الكويت تُحدث تغييرًا في الحدود البحرية، قبل التوصّل إلى اتفاق يفضي لترسيم الحدود كاملة، وهو ما يؤكّده مسؤولون عراقيون أن "فشت العيج" و"الكايد" ليست طبيعية؛ وإنما صناعية افتعلتها الكويت، حسب وصفهم.

على الصعيد القانوني، يرى الخبراء أن مسألة ترسيم الحدود مع الكويت حسمت في مجلس الأمن الدولي بقرارات بدأت بالقرار 661 لعام 1991 وجميع القرارات اللاحقة، مشيرين إلى أن الكويت طالبت بالعديد من النقاط الحدودية، وأن ذلك يخالف قرارات مجلس الأمن الدولي.

احتجاج لا مبرر له

ويرى مسؤولون عراقيون أن الحديث عن وجود انتهاكات لا علاقة له بالحقيقة؛ لأن العراق ما زال ملتزما بالقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 833 الذي صدر في 27 مايو 1993، وأن المحكمة الاتحادية العليا لم تبطل هذا القرار، لكنها أبطلت الاتفاقية التنفيذية له، لأن البرلمان العراقي لم يُصادق عليها بأغلبية الثلثين المطلوبة، مما يجعل الاحتجاج والتنديد بانتهاكات أمرا لا مبرر له.

كما لفت مراقبون إلى أن المسؤولين الكويتيين عادة ما يتعاملون مع العراق بانفعال لا يتلاءم مع التغير الذي شهدته العلاقات بين البلدين على امتداد العقدين السابقين بعد الغزو الأمريكي.

المسارات المتوقعة

يرى البعض أن هناك 3 مسارات مع استمرار الخلاف؛ المسار الأول، يتمثل في دعوة مجلس النواب العراقي لإعادة التصويت على الاتفاقية بهدف إقرارها، مما يتطلب تصويت ثلثي أعضاء المجلس، وفي هذه الحال، يعاد العمل بالاتفاقية.

أما المسا الثاني، فيتضمن إرسال كتاب إلى الطرف الكويتي وإبلاغه بتعليق الاتفاقية.

ليبقى المسار الثالث، حال فشل المفاوضات بين البلدين، وهو رفع المسألة إلى المحكمة الدولية لقانون البحار، والتي تنظر في النزاعات البحرية بين الدول.