هشام الحمامي يكتب: من يفعلها؟ إغاثة من الطائرات لـ (ستالينجراد) القرن

ذات مصر

ذهب (هتلر).. وبقيت (ستالينجراد) على مر التاريخ الإنساني، مثالا للصبر والصمود والتضحية.. في مواجهة البغى والظلم والطغيان.. في مشابهة مذهلة مع ما يحدث في(غزة) الأن، فقد سبق قصف الطيران الرهيب وصول القوات البرية، وتحولت المدينة إلى أنقاض وأطلال، ولتغرق القوات الألمانية بعدها في حرب من بيت لبيت ومن شارع لشارع.. وفي النهاية .. هٌزم هتلر، وانتصرت ستالنجراد.

وستبقى (غزة) مثالا للصبر والصمود والتضحية كذلك، وإن شاء الله ستنتصر، بل والأهم ستكون (مفتاح) التحرير المنشود كله.. لتسجل للإنسانية كلها تاريخا جديدا. ..                                                    

فمن يعي ويفهم قول القائل:

وهذه الدار لا تبقى على أحد ** ولا يدوم على حال لها شان.

***

وسط هذه (الدموع الخادعة) التي تملأ كل الأماكن في كل العالم، وهذا عظيم في حد ذاته كما سنعرف لاحقا .. لكن دعونا أولا نتساءل: أمام كل هذه (الشراسة الحيوانية)، التي تقوم بها (إسرائيل) بقسوة متناهية مع المدنيين والعزل في غزة، ما المانع من قيام (العالم الحر) بإلقاء شحنات المواد الإغاثية والطبية بالطائرات على القطاع؟  ..                                                                                                         

لندع (القتال والمقاتلين) في حالهم، ولنتركهم لسنن الحياة والتاريخ، طالما قرروا القتال مدفوعين بما يرونه حقا لهم.

***

مسألة أن هذا يعنينا هنا أو لا يعنينا لن نتعرض لها؟ هنا فقط أذكر تذكرة سريعة بما قاله د/ جمال حمدان رحمه الله(ت/1993م) عن العلاقة الـ (فوق استراتيجية) بين مصر وفلسطين .. كل فلسطين.

فما بالنا اذا كانت على التخوم منا في (غزة).. أعلم جيدا أن العين بصيرة واليد قصيرة، لكن هناك مواقف بين المواقف .. واختيارات بين الاختيارات ..

***

قد لا يكون متاحا لنا الدخول فورا إلى (غزة)للنظر فيما فعلته(المقاومة) ومدى تأثيره على المنطقة، وتسلم كل مراكز القوة والفعل في القطاع، وإدارة الموقف برمته، والأخذ بزمام المبادرة في هذه اللحظة الخطر.                         

بدأ من التعامل الواعى مع (المقاومة)، إلى التفاوض بشأن الأسرى، إلى تنظيم شئون القطاع، والأهم حرمان إسرائيل من (ذريعتها المعلنة) بالتدمير والإبادة والتهجير..وهو ما كان متوقعا بالطبع .. ثم ترتيب (مرحلة أولى) لمستقبل قريب ومتوسط وبعيد، و نستدير عائدين ..

هذا (موقف كبير) قد لا تسمح به أحوال الأمور، لكن بين هذا الموقف، وبين ما يحدث الأن من إبادة، هناك أيضا موقف وسط .. أهل الاختصاص أعلم به، وقد تكون فيه (مسألة الرهائن)، أكثر المسائل حساسية لدى إسرائيل ولدى الغرب لتكن مثلا..(ضابط إيقاع) لنا في ذلك .. ثم ما رأيناه لاحقا من التبدل الرائع في الرأي العام الدولي.

***

هذا الكلام يجوز أيضا على بلد كبير مثل(تركيا) بميراثها التاريخي العثماني، وبحكم ألف رابط ورابط بينها وبين الغرب.

وكذلك (السعودية) بحضورها الإسلامي العريض، واحتوائها لأقدس مواقع الإسلام وقبلة أهلة، وكبلد بالغ الأهمية فى استراتيجيات الشرق الأوسط والخليج، وأيضا بخصوصية العلاقة بينها وبين أمريكا (اتفاقية كوينسى / 1945/ 60 سنة) وتم تجديد محتوى الاتفاقية للمدة نفسها عام 2005 م في عهد الرئيس الأمريكي بوش.

الاختلاف مع التوجه الاستراتيجي الشامل لحركة (المقاومة الإسلامية) شيء، وترك القطاع للإبادة والتهجير بهذا الشكل شيء أخر تماما.

***

لنفترض أن المقاومة أخطأت .. لماذا لا نتذرع بحجة ردها للصواب؟.. ونقوم بـ (التدخل الفاعل) في كل ما يحدث، بل والمشاركة في توجيهه، وصنع مكونات جديدة منه.. ورد ايران إلى الغرب ، يتلاعبوا بعضا ببعض بعيدا عن مصالحنا الحيوية.

ماذا فعلت أمريكا حين اكتشفت أن المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، في حالة ضعف وشلل تام..؟ لم تتأخر دقيقة، تدخلت فورا بإرسال حاملات طائرتها ورئيسها ووزير خارجيتها ووزير دفاعها .. لتمنع نبأ (موت إسرائيل)، كما قال لنا يوئيل جوجانسكي، المسؤول السابق في معهد الأمن القومي الإسرائيلي (أحد أفضل خمسين معهدًا حول العالم في القضايا الأمنية والعلاقات الدولية)  ..

***

وإذا كان الأمر قد وصل على هذا النحو، لمراكز العالم الهامة في أمريكا والغرب كله، وهم معنيين به، بثقل التاريخ والسياسة والمصالح الصلبة لهم.

فقد كان أحق لعواصم العالم العربى والإسلامي كله، لا نحن فقط، أن تتعامل معه بما يساوى ذلك التقدير، والمبادرة فورا بالتدخل في معرفة ما يجرى وما سوف يجرى .. وصدق من قال بحق (أن الأشياء توجد فور إدراكها) فبمجرد أن ندرك ونفهم معنى من المعاني فإنه يتواجد الأن وحالا ..

***

وحتى على فرض أن ذلك كله كان مفاجأة تامة، وهو بالفعل كذلك فيما يبدو..وأيضا على تصور أن تأثيراته الرهيبة لن تكون محدودة، وستكون خارج السياق التقليدي تماما ، إذ أن الحدث نفسه (7 أكتوبر) استدعى من إسرائيل إعلان أنها في (حالة حرب) .. ومتى؟.. 

في توقيت هو الأضعف في تاريخها كله (السياسى والعسكري) كما قال لنا العجوز الداهية (اسحق بريك) الرئيس السابق لـ (مفوضية شكاوى الجنود) في مارس الماضي!! قال: إسرائيل اليوم في أحد أسوأ (الأوضاع الأمنية) التي عرفتها منذ عقود، الجيش الصهيوني غير جاهز للحرب التي قد تندلع في الزمن القريب، أو الزمن البعيد.

 الرجل مرت من تحت قلمه كل الحكايات..

***

فبعد ما حدث ما كان يخشاه وفى أقل من 8 شهور، قال: إن حركتي حماس والجهاد الإسلامي كانتا تدركان أن الجيش سيدخل بريا، لذلك استعدتا بشكل جيد قبل عملية 7 أكتوبر، فأعدتا العدة كامل الإعداد، وسيتكبد الجيش خسائر فادحة.

وأضاف: الهدف من الدخول إلى قطاع غزة هو القضاء على مقاتلي حماس والجهاد في الأنفاق ؟! هذه مهمة صعبة جدا وستستغرق شهور.. الجيش سيتعرض إلى خسائر كبيرة ولن ينجز المهمة.. والحل هو حصار تجويعي على القطاع وحرب استنزاف طويلة ..(هل سيحدث ذلك خاصة وهو قريب جدا من نتنياهو ؟) .. 

***

حرب الاستنزاف الطويلة هي (كعب أخيل) الدولة اليهودية، أي نقطة الضعف الأخطر فيها ..كما قال لنا فخر العسكرية المصرية الفريق سعد الدين الشاذلي رحمه الله(ت/2011)  في مذكراته:                               

إن لإسرائيل مقتلين : المقتل الأول هو خسارة الأفراد.. والمقتل الثاني هو إطالة مدة الحرب ..إسرائيل تصاب بالهلع إذا فقدت بعض الأفراد..و اقتصادها لا يتحمل حرب طويلة.. هكذا قال العبقري الذى رحل .. وكأنه ينصح(المقاومة)من قبره رحمه الله..

***

وعفوا لهذا الاستطراد الضرورى ..                                                    

أقول إذا كان (تقدير الموقف) كذلك في العالم الغربي، وقد سارع لاتخاذ زمام المبادرة بكل ما رأيناه منهم دون أي اعتبار لأى عامل سياسيي أو إنساني.. وأفضل من أفضلهم صخرة ،لا تظلم الناس ولا تكذب.

فماذا الذى يمنعنا من أن نبادر بــ (فعل ضروري) والدخول إلى (ساحة الفعل والتفاعل) بأي قدر يتجاوز الاستنكار بـ (أشد العبارات) وعمل مؤتمرات ومقابلات .. ليكن ذلك، لا مانع .. ولكن مع(عمل) ما يتحتم عمله بكل ما تفرضه الضرورة، وليس بعد حياة البشر من(فرض)، وليس بعدها من(ضرورة) والرأي العام الدولي مهيئ تماما الأن لقبول أي (عمل إنساني) يتجاوز المعتاد.. وسيكون التأييد الداخلي من الرأي العام العربي والإسلامي على أعلى مستوى له.

فمن يفعلها؟ ..ويلقى على أهلنا المنكوبين في غزة ، إغاثة من الطائرات.