هشام الحمامي يكتب: غزة.. حين تصبح الخيانة (وجهة نظر)!

ذات مصر

حين يأتي رئيس السلطة الوطنية السيد/ محمود عباس ليقول في هذا الوقت بالذات أن (سياسات وأفعال حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأن سياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثل الشعب الفلسطيني بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني)، فهذا مما يمكن تسميته بأخف الأوصاف (الطعنة من الخلف).

صحيح أن الرئيس عباس والسلطة يمثلان الآن في المعادلة السياسية والاستراتيجية لقضية القضايا عربيا وإسلاميا (فلسطين/القدس) يمثلان (صفرا كبيرا) بكل معيار المقاييس ومقياس المعايير، وهو وباقي الأطراف الممدودة إليها طرفه، يعلمون جيدا كل شيء، على رأى المغنى جورج وسوف: ليه بنداري وإحنا عارفين كل الحقايق؟!

والحقيقة أن الرئيس عباس لا يدارى، فقد سبق وطعن المقاومة أيضا في ظهرها وهي بعد في سنوات الاكتمال وقال (المقاومة أصبحت عبثية وتضر أكثر مما تنفع)،

الرجل يريد أن يجعل من تجربته البائسة هو ومن كان معه في رحلة (الخداع التحريري) مقياسا للأشياء!

***

أنت هنا أمام حالة معقدة للغاية، فلا تعرف هل هي خيانة بالمعنى المجرد للخيانة؟ أم جهل بالمعنى التام لغياب المعرفة والمعلومة والمتابعة؟ أم بلادة وخمول يعكسان حالة غروب وغياب، وفى كل الأحوال عليه أن يتحمل اللعنة، لا كضحية ولكن كجلاد! كما قال لنا الشاعر الأمريكي الكبير إليوت ت/1965م في (مسرحية اجتماع عائلي).

المسألة باتت لا تطاق ولا تحتمل، انهم يذكروننا بـ (لويد وأنصاره) في القرن الـ19، محطمو الآلات، الذين عجزوا عن الالتحاق بركب الثورة الصناعية، فظنوا أن تحطيم آلات المصانع تحفظ لهم (وظائفهم).

لقد غادر القطار المحطة يا سيدي الرئيس، لعلك لا تتابع كيف تجرى الأمور حولك، وكيف تسير، والى أي سبيل هي تجرى وتسير.

***

أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة (وجهة نظر) هذه الجملة قالها الشهيد صلاح خلف (أبو أياد) الذي قتلته إسرائيل في تونس عام 1991م، في عملية منظمة لم يغب عنها أحد من أجهزة المخابرات الصديقة والشقيقة وأبو إياد هو الأب الروحي للانتفاضة الأولى 1987م، وكان اغتياله وتصفيته ضرورة لتهيئة الأجواء لأوسلو ومنتجاتها، ولا داعي لفتح الدفاتر القديمة اللئيمة السخيمة.

عليك أن تعلم أيها المناضل العتيد، أن الإرادة الإنسانية فكرا وفعلا، قادرة على تطويع السنين وتعظيم فوائد متغيراتها، وعليك وفقا لذلك، أن تتطلع على التقرير الذي نشرته أن صحيفة (يديعوت أحرونوت) أمس الجمعة 20 أكتوبر بعنوان (سلسلة الإخفاق التي يستحيل استيعابها وأدت إلى مفاجأة 7 أكتوبر).

وقالت فيه: مقاتلو حماس نفذوا هجوم 7 أكتوبر، وبحوزتهم معلومات استخباراتية دقيقة، حول قواعد سرية للجيش الإسرائيلي.

قاعدة يركون، للوحدة 8200 (وحدة الإنذار القومي) تم شلها، وضرب قدرة التنصت الإسرائيلية على المحادثات المشفرة. قاعدة يركون، رغم قدراتها، لم تتمكن من اكتشاف خطة حماس لتنفيذ هجوم واسع ومفاجئ في غلاف غزة، ومستوطنات في جنوب إسرائيل ودخل مقاتلوها إلى هذه القاعدة السرية، وقتلوا من وُجد فيها، وأخذوا منها مواد استخباراتية وأجهزة بالغة الحساسية.

قائد سابق لقيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال قال في التقرير: لا أحد فكر بأي شيء مشابه لهذا الهجوم.

***

وصدق من قال إن النصر لا يأتي إلا لأولئك الذين يعرفون كيف ينتظرون.

لقد قال لنا يوم السابع من أكتوبر وتوابعه الممتدة، من حاملات الطائرات التي تحيط بالمنطقة، إلى توافقات الرؤساء والجنرالات وتوافدهم إلى (بيت القلوب المحطمة/إسرائيل) مع الاعتذار للكاتب الإنجليزي الكبير برنارد شو، إلى تصريحات من عينة نحن نمر بـ (لحظة فارقة في التاريخ) كما قال الرئيس الأمريكي بايدن.

ماذا قال لنا هذا اليوم الشاهد الشهيد؟ قال لنا: ستظل فلسطين وستظل القدس رمزا للصراع بين الشرق والغرب. الشرق بكل مكوناته وتاريخه، والغرب بكل مكوناته وتاريخه.

ولأننا نعلم أن الآمة كيانا حيا، يمثل التاريخ روحها، فسنتذكر أنه حين فتح المسلمون القدس عام 636م، كان هذا الفتح إيذانا بهزيمة (الدولة البيزنطية) وإيذانا بطي صفحه الغرب (الروماني والإغريقي) في سيطرته على الشرق، التي استمرت قرابة عشره قرون، أول انطلاقات الغرب ثانيه نحو الشرق بدأت من القدس!! وكان ذلك في حقبه الغزوة الصليبية (1099م).

***

بعد ثمانية وثمانين عاما من الاحتلال، الذي كاد أن يتحول إلى(واقع)كما يقال الآن على كل لسان مبتور.

بعد كل هذه السنين أستردها (صلاح الدين ت/1193م) وقال في رسالته الشهيرة إلى (ريتشارد قلب الأسد ت/1199م) أن هذا الاحتلال كان (شيئا عرضيا) تذكروا هذه الكلمة جيدا.

وقال: لا تفكر بأنه يمكن لنا أن نتخلى عن القدس أبدا، كما لا يمكن بحال أن نتخلى عن حقوقنا فيها كأمة مسلمة، ولن يمكنكم الله أن تشيدوا حجرا واحدا في هذه الأرض طالما استمر الجهاد، كما ورد في (بيان القدس الشريف) نوفمبر 2011م عن شيخ الجامع الأزهر فضيلة الإمام أحمد الطيب، أكرمه الله وأعزه.

***

ولأن صلاح الدين قال هذا القول النافذ من درة الشرق، مصر العظيمة، سندع العلامة العبقري جمال حمدان(ت/1993م) يصف لنا موقف مصر(القدري) من قصة فلسطين والقدس وقد قال كلاما يكتب بمداد الذهب عبر كل العصور، قال في كتابه الأشهر (شخصية مصر):

مصر بالذات محكوم عليها بالعروبة ولكن أيضاً بتحرير فلسطين، وإلا فبالإعدام، فمصر لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها، حتى لو أرادت، وهي إذا نكصت عن استرداد فلسطين العربية كاملة من البحر إلى النهر، وهادنت وخانت وحكمت عليها بالضياع، فقد حكمت أيضاً على نفسها بالإعدام، بالانتحار، وسوف تخسر نفسها، ورصيدها الماضي والمستقبل، والتاريخ والجغرافيا.

إن مصير مصر ومكانتها في العالم، سيحدده مصيرها ومكانتها في العالم العربي، ومصيرها ومكانتها في العالم العربي سيحدده مصير فلسطين، الاختبار النهائي لزعامة مصر، يرفد من أن ترتقي إلى مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب،) انتهى كلام العلامة جمال حمدان في نظرته لمصر العظيمة العبقرية، والمستقبل ينتظر من يسعى إليه.

دعونا نختم بكلمة (اليهودي النبيل) المفكر الأمريكي الأشهر نعوم تشومسكي (95 عاما) الذي وصف المجتمع الإسرائيلي بأنه لم ينتج سوى (هتلرات) صغيرة مثل هتلر النازي، وأن هذه الدولة خطر على (اليهود) أنفسهم، وتتجه في خطى ثابتة نحو العدم.