هشام الحمامي يكتب: دولة إسرائيل.. وزمن الأسئلة الأخيرة

ذات مصر

شلومو ساند (77 عاما) أستاذ تاريخ بجامعة (تل أبيب) بولندي الأصل، هاجر إلى إسرائيل عام 1948م، وصاحب دراسات أكاديمية موثقة، وهو حاصل على الماجستير في التاريخ الفرنسي، والدكتوراه عن الماركسية. 

دراساته التي تميز بها وصنعت شهرته، تدور حول إثبات أن اليهود لم يكونوا موجودين كأمة قومية من أصل عرقي مشترك، بل هم مزيج من (جماعات) مختلفة، تبنت الديانة اليهودية، وهو ما قاله بالضبط أستاذي وأستاذ كل الأجيال د/ عبد الوهاب المسيري رحمه الله (ت/2007م)، ولكم تمنيت أن يكون بيننا الآن و(طوفان الأقصى) تحقق كل يوم، صدق ما قاله عن بنت صهيون (إسرائيل). 

وأتصور أن د/ المسيري كان حاضرا بقوة في قلب (الفكرة النووية) التي اختمرت تماما في عقل ووعى (حماس) وتطورت على هذا المستوى الرهيب، الذي رأيناه ونراه كل يوم في غزة من 7 أكتوبر وحتى اليوم. 

هذه (الفكرة النووية) التي لمعت في عقل القيادة الجديدة لحماس (2017م). والتي رأت أن الضرب في السويداء هو الذي سيغير الواقع الدولي تماما في نظرته للحق الفلسطيني، لا المؤتمرات ولا المفاوضات، وهو ما ثبت صحته بالتمام التام. بل وزاد وفاض، عن مدى تقدير صحته وصوابه بأضعاف ما كان يراه من رآه، بل وسار في كل الدنيا ونفذ فيها كما ضياء الشمس مجدا وكرامة وشموخا وبهاء. ولندع الأيام القادمة إن شاء الله تحمل لنا بشاراته القريبة الدانية. 

***

د/ شلومو ساند له ثلاثية مهمة تتناول الحدث الأهم في كل الدنيا الآن: (إسرائيل). وللطرافة أن هذه الثلاثية لها عناوين متفرقة تشي تماما بالقصة كلها، ذلك أن المعركة الآن جزء كبير منها فعلا هو (معركة القصة) كما (معركة الأرض). 

الكتب الثلاثة هي (اختراع الشعب اليهودي) و(اختراع أرض إسرائيل) و(كيف لم أعد يهودياً) وكلها مترجمة إلى العربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. وتٌرجمت إلى لغات عدة ونريد بالفعل العمل بهمة عالية على التذكير بها ونشرها على أوسع نطاق، ولنتذكر ما قاله (ترمب) أمس الجمعة 10 نوفمبر أن إسرائيل تخسر كل يوم معركة الرأي العام الدولي أمام (الطرف الأخر). يقصدنا نحن!

***

في الكتاب الأول (اختراع الشعب اليهودي) سيقوم الكاتب بتفكيك (أسطورة) بدأ نسجها منذ منتصف القرن التاسع عشر على يد الحركة الصهيونية: وهي أن الشعب اليهودي هام في بقاع الأرض لمدة ألفي عام، ليعود إلى وطنه التاريخي في فلسطين، والأسطورة هنا تقوم على وحدة الانتماء العرقي لليهود، ليس هذا فقط بل وتتعامل مع التوراة بوصفها نصاً تاريخياً، لا نصاً دينياً. 

في الكتاب الثاني (اختراع أرض إسرائيل) سيحدثنا عن أن (الحركة الصهيونية) سرقت مصطلح (أرض إسرائيل) والذي هو ديني/بروتستانتي بالأساس، وحولته إلى مصطلح جغرافي/سياسي، وبموجبه جعلت تلك الأرض وطن لليهود، بل وأكثر من ذلك، محاولة الإقناع بأن(فلسطين) يجب أن تعود إلى الشعب اليهودي، وإليه فقط، لا لأولئك القلائل(الفلسطينيين)الذين جاؤوا إليه بالصدفة!! 

***

د/ شلومو يقول أيضا في هذا الجزء أنه ستتم أكبر عملية (نصب تاريخي) حين تقوم الحركة الصهيونية بتحويل المفهوم الديني لليهود إلى مفهوم قومي. القومية اليهودية هذه جرى تصنيعها تصنيعا! لربط (فلسطين) بالتاريخ اليهودي القديم، والتي أصبحت وطنا لأبناء هذه القومية. 

وسيزداد الأمر تعقيدا حين تقوم الحركة البيوريتانية/ الطُهرانية (حركة انبثقت عن البروتستانتية في بريطانيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ومن أوائل المهاجرين إلى أمريكا) والذين كانوا متعطشين إلى(الخلاص) ومن زاوية دينية بحتة، لأنهم عانوا من الاضطهاد الديني في أوروبا معاناة هائلة، فقاموا بربط خلاصهم بنهضة شعب إسرائيل في أرضه. 

هذه الرابطة لم تكن ناتجة عن حرصٍ زائد على اليهود (الذين أذاقتهم أوروبا الويلات في ذلك الزمن) وإنما اعتقاداً منهم بأن (الخلاص المسيحي) لن يتم إلا بعد عودة اليهود إلى صهيون. 

المهم هنا أيضا هو أنه سيقول لنا: أن التهويد في إسرائيل لا ينبع في الواقع من إيمان ديني راسخ، بل ينبع فقط من كونه (السد المنيع) الذي أرادته الصهيونية للوقوف في وجه الفلسطينيين). في إسرائيل أن يكون المرء يهودياً يعني ألا يكون عربيا!

ويضيف: تعبير (الأرض الموعودة) لا وجود له من الناحية اللاهوتية اليهودية. لقد تم اختراعه تاريخيا. أورشليم كان لها مكانة واعتبار لدى اليهود، وهو ما ينطبق على المسيحية والإسلام، وهذه المكانة التاريخية، لم تستدع أبدا من أي زاوية من زوايا النظر عامل الإقامة والاحتلال. 

***

وأخيرا. علينا أن نتذكر هذه الأيام عبارة: لولا مذبحة (دير ياسين) سنة 1948م ما قامت دولة إسرائيل، والتي قالها مناحم بيجين (ت/1992م) في مذكراته (التمرد). ترجمة ونشر الهيئة المصرية العامة للكتاب. 

لكن الأهم منها ما قاله الشاعر النمساوي إيريش فريد(ت/1988م) في قصيدته (اسمعي يا إسرائيل) في ديوانه الرائع (قصائد جافة بتكثيف شديد) الذي ترجمة الشاعر يسرى خميس، ويشير فيها إلى قتل 350 فلسطيني من الأطفال والنساء والعجائز في يوم واحد!

وصدق الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش حين قال إن 7 أكتوبر لم يأت من العدم.