دراسة قانونية لمؤسسة دعم العدالة عن "تسليع العدالة" لإرضاء صندوق النقد الدولي

ذات مصر

أصدرت مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء التي يرأسها المحامي الحقوقي ناصر أمين، ورقة بدراسة قانونية بعنوان (تسليع العدالة... انتهاك الحق في الوصول للعدالة)، كشفت خلالها اتخاذ الحكومة قرارات مخالفة للقانون والدستور بغرض إرضاء صندوق النقد الدولي على حساب الدستور والقانون والمواثيق الدولية.

وتناولت المذكرة مفهوم الرسوم القضائية والمرجعية الحقوقية للحق في التقاضي والوصول للعدالة، كما تناولت القواعد الدستورية والقانونية للرسوم القضائية، واستعرضت أمثلة من الزيادات غير المشروعة للرسوم القضائية منذ عام 2018، والتي فرضت بقرارات إدارية من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابات بتعليمات من الحكومة، بالمخالفة للدستور والقانون، والتي تنتهك حق المواطنين في الوصول للعدالة والانصاف، وفقا لنص الورقة.

الرسوم في الدستور والقانون

تناولت الورقة القانونية "الرسوم في الدستور والقانون"، حيث وضعت المادة 38 من دستور 2014. القاعدة التي تحكم المبالغ التي تحصل من المواطنين، وهي الضرائب، والرسوم، حيث جاء نصها ( يهدف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، ولا يكون إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها، إلا بقانون ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون).

طبقا لهذه القاعدة، فالرسوم القضائية يفرضها القانون، ويحدد قيمتها، وبمفهوم المخالفة لا يجوز لأي جهة، أو أحدي مؤسسات الدولة مهما كانت، وأن تفرض أو تحصل رسوم من المواطنين خارج اطار القانون، فلا يجوز لرئيس الوزراء أو أي وزير، أن يصدر قرار يؤدي لتحصيل مبالغ مالية من المواطنين لأي سبب.

فالمبدأ أن القانون فقط هو من يفرض الرسوم التي تدفع مقابل الخدمات، ومنها الرسوم القضائية، ويتفق ذلك مع المادة 97 من الدستور التي تنص على (التقاضي حق مصون ومكفول للكافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة).

طبقا لهذا النص الدستوري، فالتقاضي حق دستوري، والدولة مسئولة عن تمكين المواطن من الوصول للعدالة، وتقريب جهات التقاضي، ومسئولة عن سرعة الفصل في النزاعات القضائية، مما يعني ان عليها وضع السياسات التي تضمن العدالة الناجزة أي تقليل وقت حسم النزاعات القضائية.

ويكتمل هذا الحق بنص المادة 98 من الدستور (حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، واستقلال المحاماة وحماية حقوقها ضمان لكفالة حق الدفاع، ويضمن القانون لغير القادرين ماليًا وسائل الالتجاء إلى القضاء، والدفاع عن حقوقهم).

ويؤكد هذا النص على أن حق التقاضي ليس حق مجرد، فالدولة مسئولة عن ضمان القانون تمكين غير القادرين ماليا علي ممارسة حقهم، ويعني ذلك أن يتضمن القانون إعفاء غير القادرين من الرسوم، كما يجب أن يتضمن تمكنهم من الدفاع عن حقوقهم.

ويحكم الرسوم القضائية قوانين عديدة، فالقانون الاساسي هو 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون 126 لسنة 2009. الخاص برسوم الدعاوي المدنية، ويضع هذا القانون معايير حساب الرسوم المفروضة علي أنواع القضايا المختلفة.

ويقسم القانون تحصيل الرسوم علي ثلاث مراحل،  الأولى: تدفع لرفع الدعوى، وهي شرط من شروطها، فالدعوي لا تصبح قائمة إلا بعد سداد الرسم المقرر، ويحسب الرسم طبقا لقيمة الدعوي، بمعني أن الرسم يزيد كلما زادت القيمة المالية للدعوي.

والثانية، تدفع أثناء سير الدعوي، وتعني الرسوم المفروضة علي إجراءات سير الدعوي مثل اتعاب الخبراء، وانتقال الشهود، والثالثة، يلتزم بها خاسر الدعوي، والتي تصدر بمنطوق الحكم، وتحصل عن كافة انواع القضايا.

أما بخصوص الدعاوي الجنائية فتخضع للقانون 93 لسنة 1944 بالإضافة للقوانين التي تحدد الرسوم أمام القضاء الإداري، والمحكمة الدستورية العليا، ومحاكم الاسرة.

لكن قوانين الرسوم ليست الوحيدة الذي تفرض مبالغ مالية لرسوم الدعوي، حيث يوجد عدد كبير من القوانين التي تفرض رسوم علي القضايا أهمها، القانون 646 لسنة 1953 الخاص بتقادم الضرائب، والقانون 36 لسنة 1975، والذي انشأ صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية، وهي مبالغ تحصل لصالح صندوق خاص لصالح أعضاء الهيئات القضائية، والقانون 96 لسنة 1980، الذي يفرض رسم إضافي لصالح دور المحاكم، والمفترض تخصيصه لتطوير أبنية المحاكم، ومؤخرا قانون بفرض دمغة تخصص لصالح صندوق رعاية اسر الشهداء المفروض بالقانون 16 لسنة 2018.

سعي الحكومة لفرض الرسوم

وتضمنت الورقة رصد هام لملف "ممارسات الحكومة في زيادات الرسوم"، جاء فيه أن رغبة الحكومة كانت واضحة في زيادة الرسوم القضائية، كأحد وسائل جمع الأموال للخزانة العامة، بعد تبنيها الكامل لبرنامج صندوق النقد الدولي، فلا خدمة دون ثمن حتي لو كان الحق في العدالة نفسه، ذلك الحق المفترض أن يكن مجانيا أو برسوم رمزية.

وأن الحكومة حاولت أكثر من مرة سلوك الطريق الطبيعي لزيادة الرسوم، عن طريق تعديل قانون الرسوم بحيث تكون الزيادة دستورية، والمحاولة الأولي كانت عام 2015، بإعداد مشروع قانون مضمونه، وضع طابع دمغة قيمته عشر جنيهات على كل ورقة قضائية، وواجه هذا المشروع اعتراضات واسعة خاصة من المحامين.

المحاولة الثانية كانت عام 2018، بإعداد مشروع قانون شامل لتعديل قانون الرسوم القضائية، وقدم المشروع بالفعل إلى البرلمان بعد موافقة مجلس الوزراء عليه، لكن المشروع لم يصدر نتيجة مواجه نفس الاعتراضات، خاصة أن المشروع جاء في ظل تفاقم الازمة الاقتصادية، وكانت الزيادات المطروحة تشكل عقبة كبيرة امام حق التقاضي.

ولجأت الحكومة إلى تحقيق هدفها بزيادة الرسوم بطرق خارج القانون، وذلك عن طريق صدور قرارات إدارية من رؤساء المحاكم، ورؤساء النيابات، وفرض تلك الرسوم على المتقاضين بالمخالفة للدستور، وشملت الزيادات فرض رسوم على الكثير من الاجراءات القانونية التي كانت مجانية، وتختلف تلك الرسوم من محكمة لأخرى بحيث يصعب رصدها جميعا.

ورصدت الورقة أمثلة لأهم تلك الرسوم المفروضة إداريا بالمحاكم وهي، رسم التصوير بقيمة 5 جنيهات لكل ورقة، وأصلها طبقا للقانون بقيمة من 30 إلى 50 قرش بحد أقصي 100 جنيه، وفرض رسوم علي مراجعة حوافظ المستندات من 10 إلى 20 جنيه للورقة الواحدة بحسب درجة التقاضي، ورسم بحث في جداول القضايا بقيمة 5 جنيهات، ويزيد الرسم بمعدل 5 جنيهات عن كل سنة من سنوات البحث.

ودفع أتعاب المحاماة مقدما بقيمة 75 جنيه عن كل دعوي، وكان تدفع من خاسر الدعوى طبقا للقانون وتقدر بالحكم الصادر في الدعوي، ورسم الصور ذات العلامة المائية (المميكنة) وقيمته 5 جنيهات، و2 جنيه رسم تنمية، ويزيد الرسم بحسب سنوات البحث، كما يختلف الرسم من محكمة لأخري بحسب قرارات رؤساء المحاكم، ورسم بقيمة 7% على دعاوي التعويض التي يحكم برفضها، و" نموذج لرسم الحصول علي صورة حكم، يلاحظ إضافة رسم ميكنة 212 جنيه، رغم عدم استخدام الخدمة".

وأوضحت الذكرة أن أغلب تلك الرسوم كانت مجانية مثل مراجعة حوافظ المستندات، والبحث في الجداول، وكانت أسهل، وأسرع كثيرا مما عليه الوضع حاليا، فقد توافقت زيادة الرسوم مع إجراءات تستغرق الكثير من الوقت الذي لا يحسب في التكلفة، على سبيل المثال، الكشف عن قضية في جدول القضايا كانت يستغرق دقائق أما الأن فيستغرق أيام.

وانتهت المذكرة إلى أن زيادة الرسوم القضائية بمصر، هي انتهاك صارخ لحق التقاضي المقر بالمواثيق الدولية، والدستور المصري 2014، ومخالفة صريحة للقانون، وتعد زيادة الرسوم بقرارات إدارية لرؤساء المحاكم والنيابات، غير شرعية، ومخالفة جسيمة للدستور، والقانون، وتمثل انتهاك لحق الوصول للعدالة، وتمثل تلك السياسة غير المشروعة، انتهاك لحق الفقراء في التقاضي، بوضع عقبات تحول بينهم وبين الوصول للعدالة والإنصاف القضائي، ويجب علي وزارة العدل التحرك الفوري لوقف تلك الإجراءات التي تهدد الاستقرار الاجتماعي.

وأوصت المذكرة أولا،بإلغاء كافة الرسوم المفروضة بقرارات إدارية من رؤساء المحاكم والنيابات فورا، وثانيا، وقف صلاحيات رؤساء المحاكم والنيابات، في فرض رسوم علي الأعمال القانونية بالمحاكم، وثالثا، علي وزارة العدل الالتزام الكامل بالدستور، والقانون في تطبيق الرسوم القضائية، ورابعا، ضرورة تدخل نقابة المحامين لدي وزارة العدل، واستخدام كل الوسائل المشروعة لوقف الزيادة غير المشروعة في الرسوم القضائية.