هشام النجار يكتب: صلاح جاهين (2-2) الدرس انتهى لموا الكراريس

ذات مصر

من منطلقات الوطنية والعروبة والإنتماء النقي للإسلام والحب الحقيقي لكل الأديان والقيم الإنسانية يقف صلاح جاهين على أرضية النضال والمقاومة والدفاع عن حقوقنا وثرواتنا وكرامتنا ومقدساتنا، وينتفض ويغضب إذا إنتهكت الحرمات وإذا تطاول وتجاوز وتمادى العدو في غيه وصلفه وغشمه.

لصلاح قصيدة (أغنية) من أروع ما كتبه المبدعون وغنت الحناجر في قصف العدو الإسرائيلي الخسيس لمدرسة بحر البقر عام 1970م، حيث أعلن مبكرًا إنتهاء الدرس، ناصحًا الناسين الخائبين الغافلين البائسين التاعسين بلم الكراريس.

الدرس إنتهى، فالأعداء دائمًا يدوسون فوق القيم بالبيادة ويمشون فوق جماجم ضحاياهم وفوق أجساد الأطفال الغضة بالدبابات، وتلك هي العادة، وتُقصف بيوت ومدارس ومستشفيات كل من يقف فى طريق مصالحهم وترهاتهم النبوءاتية وأطماعهم الإمبراطورية التوسعية، سواء كان عدو ظاهر مباشر واضح، أو عدو مندس متخف مدسوس.

أراد جاهين أن يرسل حينها رسالة للعالم وللعرب أن مصر ليست كما يتخيلون (وصلة طرب أو فاصل رقص أو نزهة نيلية إلى الأقصر أو أسوان، ولا تُرى كما يراها البعض في خصر راقصة تحت أضواء الكازينوهات الليلية أو فى الأفراح الشعبية والليالى الملاح، أو السكنى في الأحياء الراقية والسماسرة والعمولات وأفخم الفنادق والشواطئ والمتنزهات).

يقول جاهين للجميع غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا أمس واليوم وغدًا، ويقول لكل دعي عميل ووكيل لطامع إقليمي أو دولي، ولكل تكفيري غرير هارب يكتب على الكيبورد أن (مصر متخاذلة تحاصر الفلسطينيين ولا تنصرهم)، أن تبًا لكم وتعسًا أينما كنتم، فمصر هي المناضلة الثائرة المحاربة التي قاتلت وضحت دفاعًا عن العرب جميعًا.

وبعد كل مواجهة وحرب ودماء وشهداء تضع يدها على بطنها من قسوة الجوع وترهن أساورها وضفائرها لتمسح دموع أبنائها وتخفف أحزانهم وتواسي مصائبهم وتداوي جراحهم بعد مآسي وخسائر المعارك، ولا أحد هنالك يرى نزيفها ويحس بأوجاعها أو يسمع صدرها المثقوب بالسعال.

وكنتم أنتم ساعتها يا أجراء (وقتما كانت تخوض الحروب نيابة عن العرب) تصفونها بكل سوء وتحرضون ضدها على منابر مساجدها وداخل مدارسها وجمعياتها.

جعلتنا الأغنية نعيش إلى الأبد في صحبة الدموع والدماء والجثث إلى جانب كراسات العربي والحساب مقصوفة من طائرات العدو الصهيوني من طراز الفانتوم أميركية الصنع، والقصص والسيناريوهات تتكرر في غزة على مقربة منا ولكن بصورة أشد ضراوة وأعظم هولًا.

الدرس انتهى ولم يعد هناك مجال للفوضى الفكرية والقرارات والإنفعالات السياسية الطائشة، وغير مسموح إلا للفعل الإيجابي المدروس برؤى إستراتيجية طويلة المدى بعد أن إفتضح كل شيء وظهر الجميع منذ بداية السبعينات إلى اليوم بدون أقنعتهم ومساحيقهم وفي أحجامهم الحقيقية، وتعلم المصريون والعرب الدرس (إيه رأيك يا شعب يا عربي .. إيه رأيك يا شعب الأحرار.. دم الأطفال جايلك يحبي..  يقول إنتقموا من الأشرار.. ويسيل ع الأوراق.. ويطالب الآباء بالثأر للأبناء.. ويرسم سيف يهد الزيف).

الدرس إنتهى، فمصر المجاهدة المناضلة المضحية هدت الزيف بسيفها ونضالها وصمودها واشتغالها على نفسها دون جعجعة وإدعاءات وشعارات فارغة.

ولن تستغيث ثانية ولن تستصرخ ولن تتسول من أحد لتشتري رغيف الخبز وطبق الفول والطعمية وأوقية الشاى وتلئيمة السكر وشريحة اللحم والتوابل من العطار، من قوم لا يحترمون جهادها الطويل ولا يخاطبونها وينظرون إليها بالقدر والمكانة التي تستحق ويصرون على إنزالها من مقام القائدة الرائدة.

هؤلاء هم أنفسهم من حاولوا عرقلة مسير مصر في طريقها إلى الحرية والعزة بمكافأة جهادها الطويل وشهدائها وأطفالها وأحرارها ومناضليها الكبار بمزيد من القيود والسلاسل ووضع مزيد من العقبات والعراقيل أمامها.

انتهى الدرس ومشهد تفجير معهد الأورام في أغسطس 2019م وغيرها من تفجيرات أودت بحياة أطفال وأبرياء مدنيين في مصر جعلنا نستدعي رسالة صلاح جاهين بعد مذبحة مدرسة بحر البقر في أبريل 1970م للمجتمع الدولي الذي لا يتخذ إجراءات مناسبة ضد قوى معروفة للجميع وفرت ولا تزال توفر الملاذ والدعم والغطاء السياسي للجماعات المجرمة قاتلة الأطفال ومفجرة المستشفيات، فما "رأيك في البقع الحمرا.. يا ضمير العالم يا عزيزي"؟

الدرس انتهى لموا الكراريس، فالجماعات التكفيرية التي ترى أن تحرير القدس يمر أولًا من القاهرة ومن دمشق وبغداد وبيروت وكربلاء، وأن لا تحرير لفلسطين إلا بعد تغيير الأنظمة العربية بالقوة اتسقت ممارساتها وأهدافها مع مخططات وأهداف إسرائيل المنشورة في العديد من الدراسات عبر خارطة طريق اختصرها إليكس فيشمان بقوله (دعوا العرب يقتلون بعضهم بعضًا في هدوء)، فقد ضربت في عمق البلاد العربية ووجهت (جهادها) المزعوم لتدمير وإسقاط الجيوش العربية بمعاونة داعميها في الخارج، لتنعم إسرائيل لسنوات طويلة بالأمن والسلام والاستقرار والرفاهية والتقدم والقوة وهي تباشر الاستيلاء على الأرض والمقدسات بينما العرب مشغولون بحرب شرسة وقذرة موجهة ضدهم باستخدام جيوش إرهابيين من خارج التاريخ والحضارة يزعمون كذبًا وزورًا أنهم ينصرون الإسلام.

الدرس انتهى، فالحرب التي خاضتها مصر على مدى عقد أدواتها مختلفة لكن الهدف واحد وهو تكريس نماذج الإمبراطوريات الدينية والقوى الإقليمية غير العربية وتمكين تركيا وإيران وإسرائيل وتفكيك النظام العربي وتصفية قضية العرب الأولى.

ولا تزال مصر في الميدان تدفع ثمن الحرية والكرامة والاستقلال والدفاع عن العرب وإنقاذ وجودهم، وتناضل وتتصدى لمؤامرات وممارسات قوى إقليمية غير عربية وجماعات إرهابية تخدم أهداف إسرائيل القديمة، وهنا يزول الغموض؛ فلأنها خدمت وتخدم أهداف إسرائيل فالدنيا (عليهم صابرة وساكتة على فعل الأباليس).

انتهى الدرس ومن لا يزال يأمن غدر إسرائيل ويشكك في أهدافها الإبادية التدميرية التوسعية، ليقف هنا على حافة الملحمة ويتعلم من حرب غزة، ومن لم تسعفه الذاكرة أو لم يذاكر دروس الاغارة الدنيئة على مدرسة بحر البقر، فليتعلم ولو متأخرًا الدرس من تدمير وهدم مستشفيات ومدارس غزة وقتل أكثر من عشرة آلاف طفل فلسطيني في شهرين.

الدرس انتهى لموا الكراريس يا من لا تزالون تعتنقون تصورات باراك أوباما من الأميركيين والغربيين، ذلك الذي جاء مبشرًا بنموذج جماعة الإخوان بالمنطقة العربية في خطابه الأول من أنقرة في العام 2009م، ومن يسلك نهج بريطانيا رافعة لواء الاستنارة والرقي والحضارة، وفيها تستثمر جماعة الإخوان بملايين الدولارات ويُمنح قادتها حق اللجوء السياسي، وهي التي منحت الجماعة تمويلًا وقت تأسيسها قدره خمسمائة جنيه، وهي التي منحت إسرائيل وعد بلفور.

لماذا زُرعت إسرائيل على تخوم مصر؟

لنستمع: (إننا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض فسوف نجد أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر وبين العرب في آسيا، والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر من هذه البوابة، لتكون بمنزلة حاجز يمنع الخطر العربي ويحول دونه).. هذا ما قاله رجل المال اليهودي البريطاني اللورد روتشيلد في خطابه لوزير الخارجية السير بالمرستون في مارس 1840م.

أدرك البريطانيون كغيرهم من القوى الغربية الأخرى التي شارك أسلافها في الحملات الصليبية على مشرق العالم الإسلامي فيما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي، أن اتحاد مصر وبلاد الشام حين يقع يكون بمنزلة الكماشة التي تهيمن على الشرق الأوسط، وتقف حائلًا أمام الموجات الاستعمارية الغربية العسكرية والثقافية، فضلا عن كونها قلب العالم الإسلامي وعقله الثقافي والفكري، وخزَانه البشري.

علمتهم عبرة التاريخ أن هذا الاتحاد بين مصر والشام يهدد المصالح الغربية في المنطقة، وللحيلولة دون قيام هذه الوحدة فإنه يجب زرع كيان يكون القلعة المتقدمة لخدمة المصالح الإستراتيجية الغربية والبريطانية تحديدًا.

ولماذا زُرعت جماعة الإخوان في قلب مصر؟

لزرع قوة مختلفة من حيث التصور الديني تحول دون وحدة المصريين التاريخية (مسلمين ومسلمين)، و(مسلمين ومسيحيين).

أي أن الهدف منع وحدة مصر مع العرب ومنع وحدة المصريين أنفسهم مع بعضهم البعض.

انتهى الدرس، ومن لا يزال على قناعاته وظنونه الحسنة بقوى ودول وجماعات التطرف والإرهاب في العالم (سواء تطرف يهودي أو مسيحي أو إسلاموي) بعد تفجير المستشفيات وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، إذن فليهنأوا هم بتلك القوى والجماعات والميليشيات بعدتها الأيديولوجية المفخخة وأفكارها المرعبة ونبوءاتها المدمرة وكراهيتها وأحقادها على الإنسانية، ولتلعب دورًا في ملفاتهم هم لا ملفاتنا نحن ولتنل حريتها في ساحاتهم هم لا ساحاتنا نحن، فدم الأطفال وأشلاء الجثث المتطايرة ومشهد مرضى السرطان في مصر وأطفال الحضانات في غزة وقبلها بسنوات مشهد تلاميذ مدرسة بحر البقر كتب نهاية درس الخديعة والأكاذيب والعبث.

ولا أحد من تلك القوى المتطرفة على الجانبين يستحق أن يتحدث باسم دين من الأديان السماوية السمحة التي تنهى أول ما تنهى عن قتل النفس البريئة، وعن ارتكاب الجرائم المخزية تحت زعم الانتصار للرب.

هناك من لا يزال يتشكك في أولوية الحرب على الإرهاب وداعميه، على الرغم من أن الحروب التي خاضتها جماعات الإخوان والقاعدة وداعش بالداخل العربي من ليبيا إلى سوريا قد أحدثت اختلالًا في موازين القوى لصالح إسرائيل وأضعفت الردع العربي والجيوش العربية، وأدت ممارساتها إلى استنزاف قدرات القوى العربية على الساحة ما ولد شعورًا لدى أعداء العرب الأصليين لأول مرة في تاريخهم القصير بأنهم صاروا في مأمن من خطورة الطوق العربي، وهو ما جعل إسرائيل اليوم تشعر بأنها تمتلك فرصة نادرة لتحقيق أهدافها الجنونية.

هؤلاء الذين تسببوا في إضعاف جيوش العرب وإسقاط دولهم وترك الجيش المصري وحيدًا في ميدان المواجهة، لا يقلون جرمًا ووضاعة؛ عمن يدعم إسرائيل اليوم ويستخدم الفيتو ويمنحها الغطاء السياسي والسلاح والمال لتواصل جرائمها ومذابحها، وعن (الدنيا اللي عليهم صابرة وساكتة على فعل الأباليس).

الدرس إنتهى لموا الكراريس

هاكم أغنية صلاح جاهين تخيلوها معي بصوت شادية الجسور "الدرس إنتهى لموا الكراريس بالدم اللي على ورقهم سال في قصر الأمم المتحدة.. مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك فى البقع الحمرا.. يا ضمير العالم يا عزيزي.. دي لطفلة مصرية وسمرا.

كانت من أشطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة.. راسم راية ثورة.. راسم وجه مؤامرة.. راسم خلق جبارة.. راسم نار.. راسم عار .. ع الصهيونية والإستعمار .. والدنيا اللي عليهم صابرة وساكتة على فعل الأباليس.. الدرس إنتهى لموا الكراريس".