سلسلة تعني بفرسان النهضة

عقول تتم عامها الأول بالحكيم وحسن وأم كلثوم ومي

ذات مصر

 يرأس تحرير السلسلة الكاتب الصحفي عبد السلام فاروق مدير تحرير الأهرام المسائي، ويدير تحريرها الدكتور محمود نبيل الأديب والطبيب الشاب. وجدير بالذكر أن سلسلة عقول تأتي في إطار عدد من مشروعات النشر الطموحة التي أرسي دعائمها رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين.

أول إصداراتها كتاب عن رائد علم الآثار المصري الشهير (سليم حسن) أثناء معرض الكتاب في مطلع هذا العام، إذ كان صاحب موسوعة مصر القديمة هو شخصية المعرض لهذا العام.

 ثم تتابعت إصدارات السلسلة حتى بلغ عدد إصداراتها حتى تاريخه خمسة إصدارات، بخلاف إصدارين تحت الطبع. هكذا انتظمت إصدارات السلسلة بحيث يصبح لها عدد دوري كل شهر، أي اثنا عشر إصداراً في العام. وثمة مفاجأة تأتي في نهاية إصدارات العام مع العدد الأخير كما صرح رئيس تحرير السلسلة. 

ندوة وكتاب

 يوم الخميس الموافق الأول من أغسطس أقيمت ندوة برعاية هيئة الكتاب في مقرها الكائن بوسط البلد، تناولت مناقشة آخر إصدارات سلسلة عقول؛ كتاب: "أم كلثوم، صدي مصر الخالد"، من تأليف الناقد الفني معتز محسن. وقد أدار الندوة الناقد الكبير عبد السلام فاروق رئيس تحرير السلسلة، وتولي مناقشة الكتاب كلاً من الدكتور عوض الغباري رئي قسم اللغة العربية بآداب القاهرة، والناقد محمد دياب. وقد تطرقت المناقشة للأسلوب السردي واللغة والمضمون، بحيث لم تغفل جانباً من جوانب الكتاب إلا وتناولته بالتعليق والاهتمام.

 وضع محمد دياب مناقشته في صورة نقاط، وقد فاجأته بعض المعلومات التي قرأها لأول مرة حول العمل المشترك الذي كان من المقرر أن يجمع بين أم كلثوم والشيخ النقشبندي، فسأل مؤلف الكتاب عن مصادره فأجاب تفصيلاً عن مصادره التي اتضح أنها تعود لصحف مصرية قديمة طبعت عقب وفاة الشيخ النقشبندي الذي توفي بعد أم كلثوم بعام.

 والحق أن كتاب أم كلثوم حافل بالمعلومات الكثيفة، وقد خصص فصلاً كاملاً عن الجديد مما لا يعرفه إلا قليلين عن حياة أم كلثوم، كما أكد دكتور عوض الغباري في مداخلته النقدية التي قال فيها: (في أربعة فصول ومقدمة وخاتمة يقدم الأستاذ معتز محسن هذا الكتاب، وقد تعمق موضوعه، ونهج في تأليفه منهجاً يقوم على البحث والاستقصاء من ناحية، وبلاغة الأسلوب من ناحية أخرى.)، ثم لخص الدكتور عوض رؤيته النقدية حول كل فصل من فصول الكتاب. وقال في نهاية عرضه النقدي: (ونؤكد قول المؤلف بأنه إذا قيل للتاريخ اذكر امرأة واحدة هي الأشهر والأفضل في الغناء والطرب على مر الأجيال لقال في التو واللحظة: إنها سيدة الغناء العربي أم كلثوم صاحبة النبع المتدفق الجاري جريان النيل الخالد أبد الدهر.).

 قرب نهاية الندوة أتاح الكاتب عبد السلام فاروق المجال واسعاً لأسئلة الجمهور، الذي ضم لفيفاً من الأدباء والشعراء والصحفيين والنقاد. والبعض كانت له مقترحات مثمرة بخصوص السلسلة. قبل أن تُختتم الندوة بمداخلة من مدير تحرير السلسلة د/ محمود نبيل تحدث فيها باختصار عن منهج سلسلة عقول الأدبي والفكري، ثم عرج على كتاب أم كلثوم ملتقطاً منه بعض القضايا المهمة، كمسألة اكتشاف المواهب قديماً، وعن قضية دعم المثقفين بعضهم لبعض دون انتظار أي دعم حكومي أو خاص. وعن حالة التوهج الثقافي في مطلع القرن العشرين التي حفلت بكوكبة من أهم الشخصيات المؤثرة في تاريخ مصر الثقافي.

إصدارات السلسلة

 بعد العدد الأول عن سليم حسن، صدر كتاب عن واحد من رواد الطب في مصر وهو (نجيب باشا محفوظ) رائد أمراض النساء والتوليد، والذي تَسمي أديب نوبل على اسمه، لكونه الطبيب الذي كان السبب في خروجه للدنيا بعد ولادة متعسرة صعبة. وهي قصة شيقة عن طبيب عايش فترة استعمار كانت العلوم والآداب والفنون مهمشة، ولولا يقظة وانتباه فئة من الشعب المصري لأهمية الثقافة لما وجدنا أمثال هؤلاء الرواد يحملون شعلة التنوير لأجيال تأتي بعدهم.

 ولحرص سلسلة عقول على التنوع فقد جاء الكتاب الثالث لها عن الأديبة المصرية لبنانية الأصل (مي زيادة)، وهو كتاب شامل ومحايد تناول جوانب حياتها المختلفة دون أن يغفل مناطق الجدل في سيرتها بكل حياد وتجرد وحرص. 

 العدد الرابع من أعداد السلسلة تناول حياة الأديب (توفيق الحكيم)، وبرغم تعدد المؤلفات التي تناولت سيرة أديبنا الكبير لكن تميز هذا الكتاب، الذي اجتمع لتأليفه كلاً من الكاتبين: (أحمد جلبي)، و(علي فودة)، بالشمول والتكثيف وجمال الأسلوب. ثم العدد الخامس عن سيدة الغناء العربي أم كلثوم كما تقدم.

 لقد حرصت السلسلة على ألا يقتصر اهتمامها بالأدباء دون غيرهم، بل هي تعرض لسائر رموزنا الفنية والأدبية والصحفية والعلمية في مختلف المجالات المعرفية، لإبراز مدي ثراء مصر بعقولها المبدعة في شتي المجالات، ولتحفيز الأجيال الجديدة على التميز والإبداع والكفاح من أجل الوصول لأعلي وأفضل المستويات والمراتب في مختلف مجالات العطاء الفكري.

منهج ورؤبة

 كان واضحاً أن للسلسلة منهج واضح ورؤية نافذة يشع منها الإخلاص والتفاني. بدا هذا جلياً من الكلمات التي قدم بها رئيس تحرير السلسلة الكاتب الكبير عبد السلام فاروق في تقديمه للأعداد الثلاثة الأولي قائلاً: (.. إن أرشيفنا الثقافي سواء في مصر أو عالمنا العربي أو الأجنبي حافل بمئات التراجم لشخصيات تستحق أن نقدمها للقراء. وقد آلينا على أنفسنا أن ندقق الاختيار بين تلك المئات من التراجم ما يحقق أقصي فائدة للقارئ. ثم إن التنويع هدف رئيس من أهداف هذه السلسلة؛ فلا نكتفي بالتركيز على أدب أو فن أو علم ما، بل تتنوع الاختيارات بين الشعراء والروائيين والنقاد وأصحاب المهن والفنون، على أن يكون صاحب الترجمة له حياة حافلة مؤثرة تستحق أن تُروي؛ لما فيها من تشويق وجاذبية وحكمة وأفكار تثير الحماسة والتأمل والدهشة والإعجاب.).

 من الواضح أن سلسلة عقول ذات منهج أدبي وفكري ينم عن اهتمام القائمين عليها بإصدارها في أفضل شكل وأشمل مضمون، وفي ظني أنها سوف ترسم لنفسها مساراً يضعها في دائرة اهتمام القراء من المثقفين ومحبي الأدب الرصين شباباً وكهولاً وأشبالاً. وإن أمثال هذه السلسلة من الكتابات الهادفة ضرورية الآن لمكافحة تيارات التغريب الفكري والتخريب اللغوي.

 إن إصدارات هيئة الكتاب أثبتت أنها تظل على الدوام بمثابة الدرع الثقافي الأقوى ضد كل محاولات العابثين لتغييب الشباب والتأثير عليهم بأفكار يختلط فيها التغريب بالإلحاد بالتكفير بالسطحية، فتصبح القيم الإنسانية البناءة غائبة عن المحتوي المقدم للشباب. 

بينما تأتي مثل هذه السلاسل الهادفة، كسلسلة عقول، لتعيد طرح رموزنا الفكرية بشكل أدبي جذاب مثير للاهتمام، فيقرأ الشاب ويفتخر أن له أجداداً شكلوا بأفكارهم وثقافتهم قوة مصر الناعمة ذات التأثير الإقليمي المشع على مر الأجيال المتعاقبة.