قراءة جديدة لرمز تراثي

السيف آلة القتل والعشق والشموخ والعروبة

لن تجد أمة أولت عنايتها بالبيئةِ حولها كما فعل العربيّ بمقتنياته، أولى لها كثيرًا من التعظيم والمحبة والإيثار والتفضيل؛ معتزًا بها وكأنها أحد ذويه 

فهذا الأحنف بن قيس، سيّد تميم في الجاهلية عندما أطلق مقولته المشهورة "لا تزالُ العربُ عربًا ما لبست العمائمَ، وتقلدت السيوفَ، ولم تعدُد الحلم ذُلا"، ما كان ذلك إلا نابعا من تلك المكانة الخاصة التي يحظى بها السيف عند العرب؛ فلم يكن السيف لدى العربي أداة قتالية أو زينة يتحلى بها فحسب، بل كان رمزا للعزة ومجالا لإظهار الإبداع الفني والبراعة في الصنع وإرثا من ميراث الفروسية والنُّبل والأخلاق، ورمزًا من رموز الحرب والسلام، حتى غدت أسماؤه أسماء لأعلام رجالات العرب. 

 مدفوعا بتلك المكانة مضى العربي الجاهلي يتفنن في صناعة السيف الذي استطاع على طول التاريخ العربي والإسلامي أن يحفر لنفسه مكانة متميزة بين الأسلحة الأخرى. واعتمد عليه العرب وبه أقاموا ممالك ودولًا، وهدموا حضارات كبري كانت قائمة حولهم. وقرّب العربي السيف منه واعتبره قوته الذي يحمي به نفسه، ويدافع به عن عرضه، ويقهر به خصمه، وقام بزخرفته وتزيينه. 

 انعكس كل ذلك في شعر العرب الجاهلي، فالشعر ديوان العرب سجل ملاحمه وغزواته، موطن مفاخره وأنسابه، وجامعا لتفاصيل بيئته ومكوناته.

ولما كان الشعر ديوان العرب وحافظ لتاريخهم وحجة احتجاجهم وشاهد حياتهم وهو من قبل بوح العاشقين وبهجة الملتاعين وتجربة الحكيم وتقييد العادات والتقاليد، تغنى العربي بالسيف ومآثره، وصفاته وأسمائه، وتاريخه وأنواعه يفتخر بالهندي منه ويتغزل بالدمشقي، فكان للسيف تلك المكانة الخاصة.

 ثم إني أستأثر السيف هنا عنوان المقال لأُفرد له هذا المقام.

وبدء القصيدة قول عفيف اللسان، سليم البُنيان الحر الأبيّ فارس العروبة والجاهلية قاطبة عنترة بن شداد باعتباره السيف رمزًا للعدل وسلاح الله في الأرض، الماضي بلا خوف، القاطع بلا ريب، المنفذ بلا شك، الصارم بلا رد، قوله:

حكم سيوفك في رقاب العذل ... وإذا نزلت بدار ذل فارحل

وإذا بليت بظالم كن ظالمًا        ... وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل

 

وهنا يَرِد بعض الأسماء المرتبة للسيفِ ترتيبا ألفبائيًّا على حروف المعجم اختصرتُ منها ما يلي: 

إبريق وهو شديد البريق  ..  أذوذ وهو القاطع.

البتار وهو اسم لسيف كان للنبي صلى الله عليه وسلم.

بصروي وهو منسوب لبصرى وفيه قال الشاعر:

صفائح بصرى أخلصتها قيونها  ... ومطرودًا من نسج داود محكما

ومنه بوادر أي قواتل.

بارقة وهي السيوف التي تبرق وفيها قال الشاعر:

ولكنها سوقٌ يكون بياعها ... بجنثيةٍ قد أخلصتها الصيافل.

 جماد بمعناه؛ وفيه يقول الأزهري:

لسمعتم من حر وقع سيوفنا ...  ضربًا بكل مهندٍ جماد 

خشيب أي ثقيل، وهو من أسماء الأضداد.

وخشيف أي ماض 

ذو النون وهو سيف مالك بن زهير.

مهند وهو الذي طبع من حديد الهند.

نواحل وهي السيوف التي رقت ظباتها قدمًا من كثرة المضاربة.

وبإعتبار السيف أكثر الصادقين يخبرنا أبي تمام 

السّيف أصدق إنباءً من الكتب  .. في حده الحدّ بين الجدّ واللّعب

وهنا قول المتنبي في قصيدته أيها السيف:

أيُّهَا السَّيْفُ الذي ظلَّ المدا ..  بَيْنَ أسياف ذَوِيهِ سيِّدَا 

وله الغِمْدُ الذي أبصرتُهُ .. ورآه الناسُ قبْلي عَسْجدا

 

حتي في السخرية وقوة الشكيمة والأخذ بيدٍ من حديد علي من ينكر بأس العربيّ قال عنترة:

وسيفي كان في الهيجاء طبيبًا .. يداوي رأس من يشكو الصداع 

السيف في الغزل 

ولما كان العربيّ شديد الحب قوي الحميمية ، حامي الدماء 

تغني وأبدع في محبوبته فكان يتخذُ السيف عنوانا لمدح حبيبته حتي أنه يتذكرها في حروبه ومعاركه 

 فباقترانه للغزل فالعشاق من الشعراء قالوا:

‌حَسناءُ تبتاعُ الغرامَ وتشتري  ... تدري بأن الحسن سيفٌ عنتري

هي عبلة لكن عنترها الجوى ... ذكراه ما سفكت بقاع المحجرِ

وأما البهاء زهير فقال:

لحاظكِ أمضي من المُرهفِ ... وريقُكِ أشهي من القرقفِ

ومن سيفِ لحظكَ لا أتقي ... ومن خَمر رِيقكَ لا اكتفي.

ومن أجمل ما قيل في شعر الغزل في العصر الحديث، قول الشاعر إدريس جماع:

والسيفُ في الغَمدِ لا تَخشي مضاربُه .. وسيّفُ عينيكِ في الحالينِ بتَّارُ.

وما زال للآن يعبر السيف عن ماضي الأمة العربية القويّ الأبيّ فنراه في أعلام بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية ودولة الأمارات رمزًا يعبر عن النُبل والقوة.