هشام الحمامي يكتب: الحكم الرشيد| ليس ديكتاتوريا ..ولا بالضرورة ديمقراطيا

هشام الحمامي
هشام الحمامي

الناس تكره الدكتاتورية و تحب الديمقراطية، والحكام لا يملون من قول ذلك أيضا ..!!. والتاريخ محايد ..  احترم بعض الدكتاتوريات، واحتقر بعضها، و صالح بعض الديمقراطيات و لعن بعضها .. 

من يحاول رؤية الأمور بموضوعيه متجاوزا الشكل، قافزا إلى الموضوع و الجوهر، سيجد أن الناس عادة تبدأ باتخاذ الأشكال ..عساها تهتدي بها وقد تهتدي بالفعل أحيانا، إلا أن الأحوال سرعان ما تتبدل، فنجد أن الجوهر قد تبخر بمرور الزمن ولم يبق إلا الشكل.

 ميكيافيللى(ت/1527م ) الذي يعد اسمه علما في عالم الغش و الدسيسة والمؤامرات ، له رأي في الحكم جدير بالتأمل، قال: إن بعض الباحثين يلومون الرومان على ابتداع الديكتاتورية التي تنتهي إلى الحكم المطلق ، وهو حكم اثبت التاريخ جوره 

والإنصاف يدعونا لان نقول إن الديكتاتورية في روما كانت قانون ..ولم تكن اغتصاب، والديكتاتور يستمر في منصبه لمده معلومة ومحددة.

من اجل ذلك لم نجد دكتاتورا إلا وأفاد روما إفادة واضحة، وهى أخطر بدعه ابتدعتها روما، ويرجع الفضل لها في تكوين تلك الإمبراطورية الكبرى، ذلك أن الحاكم القوى يحتاج كثيرا إلى البت السريع.

***

والبت السريع لا تصلح له (الجمهورية) التي من شأنها ألا تبت في أمر من أمورها، حتى تتفق عليه عده سلطات.. كثيرا ما يتعذر بينها الوفاق، وفى هذا إضاعة لزمن غال تضيع بإضاعته فرص غالية 

هذا تفسيره للدكتاتوريات الرومانية.. أما رأيه هو شخصيا.. فمفاجأة إذ يقول: إن الاستناد إلى الشعب اضمن لصيانة الحرية من الاستبداد، وإن الوفاء للشعوب أوثق من الوفاء للملوك والنبلاء، وإن الحالة الوحيدة التي تبرر الديكتاتورية هي اختلال الأركان في الجمهورية. 

***

ويرى أن الشعب يجب أن يلتف حول الحاكم عن حب ومهابة وثقه، لا عن خوف وخنوع واستسلام ..انتهى كلام ميكيافيللى الذي قد يخالفه فيه كثيرون . 

***

ديكتاتورية هتلر(ت/1945م) .. يتحتم على أي مهتم بتجارب التاريخ أن يقف عندها كثيرا، وهى نموذج غريب . 

فقد اجمع كل المؤرخين على أن الأمة الألمانية لم تجد رخاء كرخاء عهد الديكتاتورية الهتلرية .. ومع هذا فقد انتهى هذا العهد بكارثة لم تعرف الأمة الألمانية كارثة مثلها، لأنها تحولت إلى حكم مطلق.. بعد أن كانت ديكتاتورية تعتمد على المشورة، فأنكرتها. 

يذكرون في هذا الصدد أيضا فرانكو(ت/1975م) في  أسبانيا والذى حكم 40 سنة تقريبا ، ويقولون أنه اعتمد في طول حكمه على شيئين: الأول رضا الناس وممالأتهم،  والثاني اعتداله في استخدام ما بيده من قوه لا حد لها.

هناك أمثله للحكم المطرز بأشكال جميلة وشديد العفن من الداخل، والتطريز الجميل الذي اقصده بالطبع هو الديمقراطية .. التعددية الحزبية والانتخابات .. ثم حكومة يأتي بها الناس بعد ذلك، 

واجمل تشبيه قرأته للديمقراطية أنها كالإناء ، قد توضع فيه الثمار الطيبة ، وقد توضع فيه الثمار الفجة المرة ، فتصبح بذلك ذريعة قويه لدكتاتورية مخلّصه ( بتشديد اللام ) كما قال ميكيافيللى . 

***

وأسوا ما في الديمقراطية هو (رقص المال ) .. أقصد تراقصه وتلاعبه في الأيادي والأعين، وهذا وما يتبدّى بوضوح شديد في الغرب الآن. 

واعتقد بيقين أن هذا الموضوع هو أضعف ما في فكرة(الديمقراطيات) سواء في تأثيره على الأحزاب التي هي بنيان العملية الديمقراطية، أو في تأثيره على الناخبي البسيط (الصوت والصندوق). 

ومن أسوأ ما يطالعك في الحزبية، أن العمل السياسي قد يصبح عند البعض احترافا و تكسبا ..ويصبح البوابة الكبرى للمجد والشهرة والمال والتصارع الفارغ .. لا عملا تطوعيا يرجى به الصالح العام للوطن، ولا أمراً بمعروف ونهيا عن منكر يرجى به صالح الأمة ورضى رب الأمة.

 وأول من تنبه لهذه الكارثة مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية (جورج واشنطن)، وهكذا العظماء دائما يشعرون بالخطر وهو في مهده .. (واشنطن) الذي رفض رئاسة الجمهورية لثالث مره، يخطب في أمته معتذرا عن الاستمرار قائلا: لقد سبق و ذكرت لكم أخطارا تجيء من وجود الأحزاب في الدولة، فدعوني أزدكم وأحذركم ..

وأخذ يعدد في عيوب الحزبية، بدئاً من أن لها (جذور أرضها شهوات الأنفس العارمة) و(تسلط قادتها و رؤساؤها، تسلط هو في ذاته نوع من الاستبداد المخيف و قد يؤدى في نهاية الأمر إلى نوع من الاستبداد اكثر ثباتا ) ..وانتهاء بوصفها (إنها قد تنفع ولكنها كالنار تدفئ وإدفاؤها في خفضها ، أما إذا هي اشتعلت حتى تأججت وامتدت ألسنتها فلن تكون للدفء ، و لكن للحريق الذي يأكل البيت ومن فيه ) . 

هذا رأى أحد اكبر و أهم رجل في تاريخ أمريكا كله  .. 

الأشكال والصور كثيرة وقد يتحقق معها الحكم الرشيد وقد لا يتحقق .. نعم… 

لكن الحقيقة فى أم عينها  تقول : أن الحكم الرشيد يكون برجال رشد، صالحين. (تصلح بهم الأيام إذا فسدت. ويفرق العدل بين الذئب والغنم) ..

 يؤمنون بالله و يخافونه و يخشونه، ويؤمنون بالناس ولا يخافونهم ولا يتملقونهم طلبا لأصواتهم، مجافاة لحق وتنكر لمصلحه عليا .. رجال يبثون الأمن والطمأنينة بين الناس ولا يعرفون منطق الحديد والنار في معاملاتهم واختلافاتهم وخصوماتهم . 

الناس عندهم سواسية، فالقوى ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف قوى حتى يؤخذ الحق له كما قال أبو بكر الصديق .. 

يبذلون من أنفسهم اكثر مما يبذلون لها ..إذا غضبوا لم يخرجهم الغضب من الحق ، فذا رضوا لم يدخلهم الرضا في الباطل ، وإذا قدروا عفوا وكفوا . 

لا يهم شكل هذا الحكم، مادامت الشعوب على قسط وافر من الحس السياسي العالي، عارفين بحقوقهم ، قادرين على المطالبة بها إذا انتقصت ، وحث الحكام على احترام هذه الحقوق إذا تطاولوا عليها.

لكن ستبقى دائما أهم سمة من سمات (الحكم الرشيد) هي أن يرضى به الناس بلا خوف، ونضع تحت كلمه الخوف ألف خط... لأن الخوف يلغى في الإنسان أهم وأعز ما يملك وهو(ضميره).