التصنيف وتحديد الأجور.. لماذا غضب السينمائيون؟

ذات مصر

لا يزال صخب الإعلان عن لائحة أجور العاملين في صناعة السينما والتلفزيون خلال الأيام الماضية قائمًا، إذ لا حديث للسينمائيين بمختلف تخصصاتهم سوى عن اللائحة الجديدة التي أعلنتها النقابة، أمس الثلاثاء، ليس فقط لأنها وضعت سقفًا لأعلى أجر يمكن أن يحصل عليه الممثل أو المؤلف أو المخرج، أو بسبب إعلان أجور بعض الأسماء الكبيرة تحديدًا، بل لأن اللائحة قسمت صناع الأعمال الفنية إلى ثلاث فئات أو أربع.

أثار التقسيم اعتراض كثيرين، حيث انتقد عدد كبير من العاملين في المجال الإبداعي هذا التصنيف، رافضين أن يتم التعامل معهم على أنهم درجات وظيفية، متسائلين في الوقت عينه، عن الأساس الذي عليه صُنفوا بهذا الشكل، وعن المعايير الحاكمة لهذا التصنيف.

لطالما أبدى العاملون في المجال الفني على مدى سنوات مضت، استياءهم الشديد من "فوضى الأجور"، باعتبارها أمرًا يفسد الصناعة، لاسيما أن أغلب الميزانية المخصصة للعمل تنفق على أجر البطل الأول وبفارق ضخم عن بقية العاملين، وفريق الإخراج والكتابة والفنيين وغيرهم، مما يتسبب في خروج عناصر العمل بصورة متواضعة.

واتفق كثيرون على ضرورة إعادة الهيكلة، لضبط السوق، وتنظيم العملية الإنتاجية بشكل عام، معتبرين أن هذا الوضع يمثل إفسادًا للصناعة، لكن ومع هذا كله، هناك من يصف لائحة الأجور بأنها "إفساد للصناعة".

تحديد أجور الصناع

يبدوا ظاهريًا أن ما حدث هو أمر ينادي به أغلب المنتمون للمهنة منذ فترة طويلة، لكنهم الآن يبدون اعتراضًا لأن ما حاولوا تحقيقه لم يتم بالشكل المطلوب، ففكرة التصنيف تبدو مزعجة وغير مقبولة، إذ تضم القائمة المتداولة أسماء مؤلفين بعينهم في الفئات المقسمة إلى (A, B, C)، والفئة الأولى "A" هي التي من حقها الحصول على أعلى أجر، حيث يتراوح بين 3 إلى 5 ملايين جنيه، فيما لا يزيد الحد الأقصى للفئة الثالثة عن 750 ألف جنيه.

تضم اللائحة أيضًا، تحديد أجور كافة العاملين، كمهندسي الصوت، والمونتيرين، ومهندسو الديكور، وفريق الإنتاج، ومساعدي النجوم وغيرهم، حيث من المفترض أن يأخذوا أجورهم شاملة الضرائب، إلا أن اللائحة لم تجد دعمًا واسعًا على أرض الواقع، فالصناع والمعنيون بالأمر راحوا يتنصلون من اللائحة معتبرين إياها غير صحيحة ومفبركة.

تحوي اللائحة أجورًا متوافقة مع المعدلات المتعارف عليها والمعمول بها حاليًا، لاسيما في فئات التمثيل والإخراج والتأليف، إلا أنها لا تزال تواجه اعتراضًا على التصنيف، وهو أمر جعل المهنيين يشاركون عبر حساباتهم على المنصات الاجتماعية، آراءهم الساخرة من تقييمهم بهذا الشكل.

سخرية وانتقادات

وتلاحقت عشرات التعليقات الساخرة المصحوبة بـ"الكوميكس"، لكنها أيضًا كانت جدية، عبر عنها مؤلفون ومخرجون من أجيال عدة، من بينهم المخرج تامر عزت، الذي نشر أكثر من رأي، رافضًا وضع حد أدنى أو أعلى للأجور، مطالبًا النقابة بوضع "قواعد حاكمة" لظروف العمل، معتبرًا في الوقت نفسه، أنها مهمة صعبة.

في المقابل نشر المخرج يسري نصر الله، آرائه التي تفند عدم منطقية التصنيفات في المهنة، معلقًا بقوله، إنه أصبح من الملح أن تناقش النقابة وضع حد أدنى للأجور، وهو ما تحقق كرد فعل على حالة الغضب، إذ أصدر النقابة بيانًا، طالبت فيه الشُّعب الإنتاجية، بوضع حد أدنى للأجور بمعرفتها، على أن يكون ملزمًا لشركات الإنتاج، التي دعتها النقابة أيضًا، إلى التأمين على العاملين معها مدة التعاقد أو التصوير.

وطالبت النقابة أيضًا بوضع حد لساعات العمل، وقدرت 14 ساعة يوميًا كحد أقصى، لا تزيد عليه، وأرجأت التعاقدات لحين الاتفاق بشكل نهائي على بنود التعاقدات الجديدة.

وتعليقًا على تقييد الأجور، كتب المخرج كريم الشناوي، منشورًا على فيسبوك، اعتبر فيه أن تقييد الأجور بحد أقصى هو أمر مجحف للصناع، وأن هذه القرارات ستدفع ثمنها المهنة، داعيًا إلى الحديث بانفتاح عن حقوق العاملين وظروف العمل التي يؤدون فيها عملهم والتأمين عليهم، ومناقشة حقوقهم الأدبية، خصوصًا حق الأداء العلني نتيجة إعادة العرض عبر منصات مختلفة، معتبرًا أن تقليل أجور الصناع ووضع شرائح للأجور، تدميرًا للصناعة ويفقدها الميزة التنافسية.

واختتم الشناوي منشوره بالقول: "الحل فتح السوق مش وضع حد أقصى للأجور، السوق الحرة التنافسية هي الحل، غير كده تضييع وقت"، فيما علق المخرج كريم العدل عقب اطلاعه على قائمة الأجور، عبر فيه عن شعوره بالإهانة عندما قرأ ما وُصف بـ"تسعيرة الفنانين"، قائلًا إن هذه الطريقة لا تصب في صالح الصناعة أبداً، متعجباً من فكرة استثناء أسماء بعينها من تلك الشرائح، باعتبارهم فوق التصنيف، وتساءل العدل: "من صاحب هذا الترتيب وعلى أي أساس"؟

شركات الإنتاج تبدأ التطبيق وتفاعلات غاضبة

بدت شركات الإنتاج متشبثة بتلك اللائحة المسربة، فيما أعلنت شعب إنتاجية عديدة عن غضبها من اللائحة، مطالبين بالالتزام بالحد الأدنى للأجور الذي تقره الشعبة، وأن يحصل العامل عليه صافيًا غير منقوص منه مبلغ الضرائب، وهو استجابت له المهن السينمائية.

وأصدرت شعبة الصوت بيانًا قالت فيه إن قوائم الأجور الجديدة صادرة عن اتحاد منتجي مصر، رافضين الخضوع لها، مذكرين بواقعة الشركة المنتجة لمسلسل "نعمة الأفوكاتو" التي خفضت أجر زميلهم مهندس الصوت محمد الدالي، بعد مرور ثلاثة أسابيع من انطلاق عمله بالمسلسل.

وأضافت الشعبة أن القرار الجديد جاء بعد الاتفاق مع اتحاد المنتجين، مؤكدة رفضها الامتثال له، معتبرة أنه منافٍ للقانون المصري ويعرقل رغبتهم في رفع مستوى شريط الصوت في الأعمال المصرية لتصبح قادرة على المنافسة، مبينة أنها اتخذت قرارًا بوقف جميع التعاقدات الجديدة لأجل غير مسمى، والامتناع عن التعامل مع أية جهة ترفض الامتثال لقائمة الأجور المعلنة من الشعبة.

وكذلك أصدرت شعبة التصوير بياناً، وضعت فيه بنود واشتراطات تثبت جدية التعاقد مع الجهات المنتجة لضمان حقوق أعضائها، الذين حذرتهم من عدم الالتزام بالعقد الموحد، موضحة أنه في حال المخالفة ستتخذ عقوبات رادعة لم تسم.

كما طالبت شعبة المونتيرين في بيان، بالالتزام بالحد الأدنى للأجور الذي أقرته وأن يحصل عليه العضو صافياً دون خصم مبلغ الضرائب أو ضريبة القيمة المضافة، وهي البيانات التي استجابت نقابة المهن السينمائية لها بقرارات، من خلال بيان حاسم، أثار ارتياح العاملين في الصناعة.