المدارس الخاصة.. أرباح فاحشة وضرائب منعدمة.. وفوضى عارمة ورقابة غائبة

ذات مصر

في تطور مفاجئ، أصدرت وزارة التربية والتعليم منشوراً جديداً، في 3 سبتمبر الجاري، بشأن مصروفات المدارس الخاصة والدولية للعام الدراسي الجديد 2023/2024، ليتضمن الإعلان الجديد تعديلات كبيرة على المصروفات التي يتوجب على أولياء الأمور تحملها، كما تضمن زيادة نسبية في تكاليف التعليم تصل إلى 25% لبعض المدارس، مما أثار استياء وقلقًا لدى أولياء الأمور.

وتضمن المنشور تعديلاً على قرار وزير التربية والتعليم رضا حجازي رقم 23 لسنة 2023، الخاص بزيادة مصروفات المدارس الخاصة (عربي - لغات - مناهج ذات طبيعة خاصة دولية)، وذلك استناداً إلى القرارين الوزاريين رقمي 420 و422 لسنة 2014، والكتب الدورية المنظمة لهما.

 يأتي هذا في ظل أزمة اقتصادية صعبة، يعاني منها الشعب المصري، وارتفاع الأسعار على كل المستويات، فيما يتساءل البعض حول التزام المدارس الخاصة بدفع الضرائب، في ظل ما تحققه من أرباح كبيرة.

فرص استثمارية جاذبة

سجلت المدارس الخاصة نموا كبيرا خلال السنوات الماضية؛ إذ يمثل تقريبًا نحو ضعفَي النمو في المدارس الحكومية، وبلغ معدل نموها نحو 5% بين عامي 2014 و2019، مما أثار رغبة كثير من المستثمرين ورجال الأعمال والباحثين عن الربح المادي السريع في الدخول لقطاع التعليم الخاص.

ووفق تقرير نشرته مؤسسة "كوليرز إنترناشيونا" المتخصصة في ملف التعليم، فإن حجم المدفوعات السنوية لطلاب المدارس الابتدائية والثانوية في مصر، يُقدر بنحو 2.2 مليار دولار في العام الدراسي 2016/2017.

وأشار التقرير إلى أن عدد الطلاب المسجّلين بالمدارس الدولية والخاصة في مرحلة التعليم الأساسي، زاد في السنوات الخمس الماضية بنسبة 6.3% مقارنة بـ 3.6% في القطاع الحكومي، متوقعًا أنه ستكون هناك حاجة إلى نحو 2.1 مليون مقعد جديد في مدارس القطاع الخاص بمصر بحلول عام 2030، منها حوالي مليون مقعد تقريبًا في القاهرة وحدها.

إلغاء الإعفاء من الضرائب

في العام 2008 قررت الحكومة رفع الإعفاء الضريبي عن المدارس الخاصة، مما أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط التعليمية حينها، كما أثارت قلقًا لدى أولياء الأمور الذين تخوفوا من تبعات القرار وتحميلهم أعباء مادية فوق طاقتهم.

وأثار القرار حينها ردود فعل واسعة من أولياء الأمور وأصحاب المدارس الخاصة، حيث رفضت جمعية أصحاب المدارس الخاصة القرار، مؤكدة أنه سيؤدي إلى كارثة على أولياء الأمور، وأنه سيحرر المدارس من القرارات الوزارية التي تحدد المصروفات، لتخضع العملية التعليمية لآليات السوق وقيمة الضريبة.

معاملة تفضيلية من الضرائب

في عام 2021 أعلن رئيس مصلحة الضرائب موافقة وزارة المالية، على معاملة المدارس الخاصة التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 10 ملايين جنيه، معاملة المشروعات الصغيرة ضريبيًا.

وبموجب هذا القرار فإن المدارس الخاصة ستدفع نحو 1% من أرباحها، إذا كان حجم أعمالها يقل عن 10 ملايين جنيه سنويًا، فيما تحقق أغلب هذه المدارس أرباحًا ضخمة على حساب أولياء الأمور، الذين تحملهم المدارس أعباءً كبيرة، تفوق حتى حاجة المدرسة.

فغير المصاريف الدراسية المرتفعة جدًا، تفرض المدارس الخاصة مزيدًا من التكاليف على أولياء الأمور، بداية من ملفات التقديم، مرورًا بالزي المدرسي "اليونيفورم"، وليس انتهاء بقائمة المستلزمات الدراسية "Supplies list".

كما تفرض هذه المدارس على الطلبة وأولياء الأمور أماكن بعينها لشراء اللوازم الدراسية والزي المدرسي، وهو ما أكدته مؤسس "ائتلاف أولياء أمور مصر" داليا الحزاوي، حيث قالت إن المدارس الخاصة توجه أولياء الأمور بشراء الزي المدرسي من مكان بعينه، وبأسعار مضاعفة عن قيمتها الحقيقية.

وأضافت في حديثها لـ"ذات مصر" أن بعض المدارس، تُوجه أولياء الأمور إلى مكتبات بعينها لشراء مستلزمات الدراسة، مشيرة إلى إمكانية وجود اتفاق ضمني بينها وبين المدرسة، حتى أن المدرسة تفرض اشتراطات لعلامات "ماركات" المستلزمات، كالدفاتر والأقلام وغيرها.

وطالبت الحزاوي، بتشديد الرقابة على المدارس الخاصة، مؤكدة أنها لا تلتزم بقوانين الوزارة بخصوص المصاريف الدراسية، وتحديد الرسوم الأخرى.

يعرب الأولياء عن استيائهم من هذه الزيادات والاشتراطات المتواصلة في تكاليف التعليم، ويرون أن المدارس الخاصة في مصر، تحولت إلى "بيزنس" لجمع المال، دون اهتمام بكافي بمستوى التعليم داخل المدرسة.

تأتي الضرائب المفروضة على المدارس الخاصة، أقل كثيرًا بالنسبة للأرباح التي تتحصلها هذه المدارس، إذ تبلغ أرباح المدارس المتوسطة المستوى وما بعدها نحو 5 ملايين جنيه سنويًا، إلا أن مصلحة الضرائب عاملتها معاملة المشروعات الصغيرة.

أرباح هائلة

في دراسة أجريت عام 2020، كشف الخبير الاقتصادي مايكل نصيف، عن حجم أعمال المدارس الدولية والخاصة في مصر، موضحًا أنها أصبحت شبكة «بيزنس» خفي مع بعض المسؤولين فى الإدارات التعليمية بمستوياتها المختلفة.

وأشار إلى أن متوسط أسعار المدارس في ذلك العام بلغ 150 ألف جنيهًا، دون احتساب تكاليف النقل، مبينًا أنه يوجد في كل صف دراسي ما متوسطه 150 طالبًا (25 طالب في كل فصل).

وبينت الدراسة، أن متوسط العائد من تسجيل الطلاب يصل إلى نحو 24 مليون جنيه، وأنه ما يتم إنفاقه سنويًا في مرتبات المعلمين والإداريين لا يتجاوز 1.3 مليون جنيه سنويًا.

وخلصت الدراسة إلى أن العام الدراسي يتكلف ما متوسطه 2.8 مليون جنيه، فيما تربح هذه المدارس نحو 21.3 مليون جنيهًا، وقد يزيد هذا الرقم أو ينقص حسب حالة كل مدرسة.

وأشارت إلى أن مطالبة أولياء الأمور بتخفيض المصروفات الدراسية قانونية وعادلة، وطالبت بتشديد الرقابة على الكيانات الاقتصادية التعليمية، لاسيما مع انعدام الشفافية في كثير منها.