محمد مصطفى موسى يكتب: أنا مع الإرهاب

ذات مصر

 

على مدى الأيام الستة الماضية، تبنى الخطاب الرسمي للاحتلال الإسرائيلي، خطابًا بربط حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بتنظيم الدولة "داعش"، ذلك بغيةَ شيطنة عملية "طوفان الأقصى"، ووصم منفذيها ومخططيها ومؤيديها بتلك الممارسات الإرهابية، التي يقترفها التنظيم.

الإرهاب، تلك التهمة المبسترة، التي تُقذف في وجه الإنسان العربي، متى رد على قنابل اليورانيوم الأبيض بخنجره البدائي، ومتى لم يعطِ خده الأيسر، لمن صفعه على الأيسر، ومتى لم يسكت حين تُغتصب حرائره على مرأى ومسمع منه.

وعلى غرار الخطاب الإسرائيلي، التزمت الرسائل السياسية الأمريكية والأوربية، بقواعد "مانفيستو الشيطنة" ذاته، فإذا بالرئيس بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بليكن، ومن ورائهما الساسة في القارة العجوز، يتداعون على إدانة "حماس" ومن والاها، كما يتداعى اللئام على طعام الأيتام، والغريب والمؤسف في آن، هو ردة فعل عواصم عربية، تُحنجِّل في حانات التطبيع، وتحتسي "نخب الصهينة" حتى الثمالة، إذ تبنت بدورها المقولات الإسرائيلية الأمريكية، فصبت جام الغضب على المقاومة، والذريعة أن "رعونتها" أضرت بالقضية الفلسطينية، وستنعكس على سكان غزة، جوعًا وإفقارًا وحصارًا وإظلامًا وتنكيلًا.

خطاب يتجاهل مع تبييت النية، حقائق الواقع ومعطياته، ومنها أن غزة لم تتحرر لحظة من حصارها، ولم تتوقف عن زف الشهداء إلى السماء، وما من جديد في مشهد قصف القطاع، بعد "طوفان الأقصى" اللهم إلا أن ما كان يُسدد بالتقسيط، صار دفعة واحدة.. الجديد يتمثل في كثافة المقتلة، وغزارة الدماء المراقة، وهذا طبيعي بالنظر إلى أن دولة الاحتلال، قد تلقت هزيمة مذلة، تفرّج عليها العالم بأسره، صوتًا وصورة، ما لم يكن عبر الشبكات الإخبارية، فعلى شبكات التواصل الاجتماعي، التي انتصر الفلسطينيون في معركتها، انتصارًا كبيرًا، مثلما انتصروا في المواجهة المباشرة المبكرة، رغم قلة الإمكانيات من حيث العتاد والأعداد، مقارنةً بالجيش الذي يتشدق قادته، بأنه واحد من أقوى الجيوش ليس فقط في المنطقة، وإنما في العالم بأسره.

هذا هو أصل الأشياء، وبيت القصيد، في الوضع الملتبس الراهن.

التعامل مع "طوفان الأقصى" وفق المقولات الإسرائيلية، يتعامى عن حقائق ناصعة، في الصدارة منها أن مقاومة الاحتلال حق إنساني معترف به عالميًا، بل إن حقوقيًا كبيرًا، هو "هيرش لوتر باخت" يرى أن المقاومة من أسمى حقوق الإنسان.

هكذا يرى العالم الحق حقًا، إلا حين يتعلق الأمر بالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية.

يحق لكل إنسان على وجه الأرض، أن يقاوم الاحتلال، إلا الفلسطيني الذي يستحيل إرهابيًا، إذا رفض اجتثاث أشجار الزيتون في حقوله، وإذا وقف بصدره العاري أمام جرافات تهدم داره، وإذا شيع شهداءه إلى السماء، على وقع الزغاريد.

إنه متهم بالإرهاب، لرفضه سلب أرضه، وقتل ولده، وسرقة تاريخه، من قبل شراذم الاستيطان، الذي حطوا كقوافل البوم والغربان، من كل حدب وصوب، فوق أراضيه الزراعية.

إنه متهم بالإرهاب، لوقوفه شامخًا أمام بندقية مستوطن، يريد أن يدنس مسجده الأقصى، ويسعى إلى هدمه ليقيم على أنقاضه هيكله المزعوم.

إنه متهم بالإرهاب، لتصديه وحده، لاستيطان متغطرس، يؤمن بتفوقه ويتبنى مقولات إفناء الآخر أو "الأغيار" في محيط إقليمي يرفع يديه عنه، ولا يغيثه إذا استصرخ عروبته، وعالم يقول إنه حر، لا يمنحه حتى حقوق الحيوانات، علاوةً على ذلك، يحاصر وصول المساعدات الإنسانية إليه.

ماذا يفعل الفلسطيني الذي يضيق عليه الخناق هكذا من كل الجهات؟

أيصنفُ إرهابيًا لأنه يرفض الإرهاب الواقع عليه من دولة تمتلك على أقل تقدير مائتي رأس نووي؟

على أن تجاوز ما فات من حقائق، وحتى في حال تبني خرافة أن "طوفان الأقصى" تعد اعتداءً على "المدنيين الإسرائيليين"، وحتى إذا تجاهلنا أن مصطلح المدني الإسرائيلي في حاجة إلى تدقيق، مع ما هو معلوم بالضرورة، من أن النظام الاجتماعي للاحتلال، يتأسس على أن جميع الأفراد جنود احتياط، وحتى إذا ما رددنا ببغاويًا أن العملية تعرقل "عملية السلام"، ذلك بعد افتراض وجود أن هناك ما يسمى أصلا بعملية السلام، خارج إطار التصريحات الصحفية، فإن "طوفان الأقصى" قولًا واحدًا، فاصلًا حاسمًا، ليست اعتداء، وإنما رد على اعتداءات فظة وقحة متكررة.

إن تمعن التسمية التي اختارتها حركة المقاومة "حماس"، يكشف عن المبرر والغاية.

قبيل العملية، كانت إسرائيل الرسمية، والتي تديرها حكومة بالغة التطرف، لا تفتأ تمارس استفزازات يومية، عبر اقتحامات المسجد الأقصى، ولم تكن تلك الاعتداءات المثيرة بالطبع للمشاعر الدينية، مقتصرة على مستوطنين متطرفين فحسب، بل كان وزراء من الائتلاف اليميني الحاكم على رأسها.

هذا في نظر العالم الحر، ليس إرهابًا بالطبع، فالجرائم الإسرائيلية لا تستدعي اهتمامًا، ولا تسترعي التفاتة، والغرب الديمقراطي الحر، لا ينتفض إلا إذا أصيب أصبع مستوطن بخدش طفيف، لكنه لا يحرك ساكنًا، فيما القنابل تمطر العربي.

إن الغرب الذي لم يفعل شيئًا إزاء اقتحامات الأقصى، شريك أصيل في الإرهاب الإسرائيلي، هذه كلمة حق، يكتبها صحفي، ما دام اللسان العربي الرسمي مقطوع.

أيما يكن.. ماذا فعل الغرب إزاء تصريح وزير الأمن القومي لدولة الاحتلال إيتمار بن غفير قبيل "طوفان الأقصى" بساعات؟

الوزير اليميني وزعيم حزب "القوة اليهودية" -تأمل الاسم- طالب بدون مواربة، بأن يقتحم المستوطنون الأقصى على مدار الساعة، والسماح لهم بإقامة الصلاة فيه.

في تصريحاته تلك، والتي نقلها الإعلام العبري، يقول: "آمل أن يؤيدني في ذلك حزبا "الليكود" و"الصهيونية الدينية" بقيادة نتنياهو رئيس الائتلاف الحكومي المتطرف، ورئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

هل هذه دولة أم تشكيل إجرامي؟

وهل المطلوب من أية حركة مقاومة أن تدفن رأسها في الرمال إزاء هذا الصلف والغرور؟

بل إن بن غفير، الذي تولى حقيبته الوزارية نهاية العام الماضي، اقتحم بنفسه الأقصى ثلاث مرات، خلال العام الجاري.

مَن الذي يفتح أبواب الجحيم؟ إنه وفق المعيار الإسرائيلي، المعتدى عليه الذي يصرخ تحت كرابيج الظلم.

من هو الإرهابي؟

الجماعات اليمينية التي تدعو لإقامة الهيكل على أنقاض الأقصى، أم حركات المقاومة التي ترفض ذلك.

ضمير العالم "الضال" يطفف الميزان، ومعه عواصم عربية تبارك الضلال، وتسخر أبواقها الإعلامية لتسويغ "السم" شعبيًا.

واللافت أن أحدًا، لم ينبس ببنت شفة، بأن "حماس" حذرت على مدى أشهر ممتدة، من تدنيس الأقصى، وكأن المطلوب من المقاومة، بغض النظر عن مرجعيتها، إسلامية أو يسارية أو قومية، أو غير ذلك، أن تبتلع المرارة، وتزدرد المهانة، في صمت.

فعلت المقاومة ما كان منطقيًا، لردع التطرف والإرهاب، فإذا كان ذلك إرهابًا، فإن كاتب السطور الذي استعار عنوان المقال من شاعرنا الراحل نزار قباني، سيختم بأبياته: "أنا مع الإرهابْ/ إن كان يستطيعُ أن يحرّرُ المسيحَ/ ومريمَ العذراءْ/ من سفراءِ الموتِ والخرابْ/ أنا مع الإرهابْ/ ما دامَ هذا العالمُ الجديدُ/ قد صنّفنا من فئةِ الذبابْ/ أنا مع الإرهابْ/ ما دام هذا العالمُ الجديدُ/ يريدُ ذبحَ أطفالي.. ويرميهم للكلاب".