أحمد عطا يكتب: الفائزون والخاسرون في حرب غزة

ذات مصر

دخلت حرب غزة شهرها الثاني وسط حالة من الذهول والدهشة لكل الخبراء العسكريين على مستوى العالم، يسيطر عليهم سؤال واحد كيف تمكنت المقاومة الفلسطينية في غزة من قتال الجيش الإسرائيلي الذي أسرعت أمريكا لدعمه ومعها ألمانيا وفرنسا بتشكيلة وتنويعة من الأسلحة المتطورة التي لم تنزل من قبل منطقة الشرق الأوسط حتي دول الخليج حلفاء أمريكا والغرب لا يملكون القنابل الألمانية المتطورة ولا المدرعات الأمريكية التي تحمل صواريخ موجهة بدقة استهداف عالية الجودة، هذا بجانب مطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الكونجرس بالموافقة علي دعم إسرائيل بـ17 مليار دولار، هذا بجانب وصول زعماء العالم والمجتمع الدولي لدعم إسرائيل بعد 7 أكتوبر الذي أصبح تاريخاً استثنائياً في تاريخ المواجهات العسكرية، ويبقى أن نستعرض الخاسرين في حرب غزة.

التنظيم الدولي لجماعة الإخوان 

ظلت لسنوات طويلة تتباهى وتتفاخر قيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان بأن حماس هي أحد الأجنحة العسكرية التابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان - ونتذكر قبل تولي محمد مرسي الحكم في مصر، بأن قام إسماعيل هنية رئيس حركة حماس بأول زيارة لمكتب الإرشاد في المقطم في حضور المرشد ونوابه وقيادات مكتب الإرشاد، ولكن مع اجتياح طوفان الأقصى المستوطنات في فلسطين المحتلة، توالي بعد ذلك دعم غربي بريطاني وأمريكي، صاحب ذلك حالة من الصمت لمكتب التنظيم الدولي في لندن مكتب كريكلوود هذا بجانب مكاتب التنظيم في المنطقة العربية الجميع تجنب إطلاق التصريحات العنترية خوفاً علي مكتب التنظيم الدولي من غضب بريطانيا التي سارع رئيس وزرائها لزيارة إسرائيل وألتقي بنتنياهو في تل أبيب معلناً دعم بريطانيا المطلق لدولة إسرائيل، ومن هنا سقط التنظيم الدولي من حسابات حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.

دول الخليج 

لقد حسمت دول الخليج علاقتها بملف فلسطين بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص، فبعد طلعات الربيع العربي الأمريكي وسقوط حضارة أربعة دول عربية في أحضان الفوضى والفقر والتراجع الحضاري وضرب مفاصلها الانقسام وهي العراق وسوريا واليمن وليبيا، قررت دول الخليج أن ترفع شعار مال الله لله ومال قيصر لقيصر، فلم يعد نداء العروبة تحت مظلة الإسلام تغري دول الخليج بل رأت أن تعمل لصالح شعوبها بشكل برجماتي، وهذا ما نجده في علاقة دولة بحجم الأمارات مع دول كثيرة، أسقطت دولة الإمارات التعامل علي أساس الهبة والدعم بلا مقابل حتي تحافظ علي ثرواتها كما أن الشيخ محمد بن زايد يعلم جيداً انه سيوضع الثروة البترولية مع حلول عام ٢٠٥٠ أي مع نضوب البترول الإماراتي لهذا وقع الاختيار أن تتحرك في العالم تحت غطاء إسرائيلي للحصول علي الاستقرار وحتي لا تقع تحت ابتزاز إيراني وتدفع لها بشكل غير معلن عندما تلقي تهديد مباشر عسكري، لهذا حسمت العلاقات الإماراتية الإسرائيلية أي مدفوعات تدفعها الأمارات مقابل الحصول علي الاستقرار، فكان التطبيع قبل طوفان الأقصى هو السبيل لبناء خليج آخر يبتعد كثيرا عن الدول العربية التي مزقها الفقر والصراعات والإرهاب، أما المملكة العربية السعودية التي قفزت إلى مستويات غير مسبوقة من الثروات النفطية ويرجع ذلك لارتفاع سعر البترول بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فهي تنسق بشكل كامل مع إدارة بايدن من خلال رجل أمريكا في المملكة السفير عادل الجبير فهو مهندس العلاقات السعودية الأمريكية فهو خامس وزير للخارجية وسفير المملكة السعودية في واشنطن، فهو يجيد اللغة الإنجليزية بلهجة أمريكية إجادة تامة ويعرف الثعالب الأمريكية في البيت الأبيض ممن يملكون القرار والتأثير علي الكونجرس، السعودية الآن تمر بمرحلة سياسية أشبه بمريض السكر فهي لا تعلم مصير دولة إسرائيل في حرب استثنائية فرضت علي الخليج والمنطقة العربية ولا تعلم مصير التطبيع والمشروع الاقتصادي العملاق الذي هلل له نتنياهو فرحاً ووقف يشرح خيرات المشروع الذي سوف يلغي أي وجود لقناة السويس، وتخشي السعودية أن يتكرر سيناريو فيتنام مرة أخرى مع إسرائيل وأمريكا لأن أمد الحرب سيصنع من إسرائيل المتغطرسة دولة عديمة الثقة علي كافة المستويات فالسعودية الآن علي قوائم الانتظار زي كثير من الدول التي بادرت بالتطبيع مع إسرائيل بمباركة أمريكية وظن الجميع أن حلم إسرائيل من النيل الي الفرات علي مقربة من الحلم الإسرائيلي وخاصة أن إسرائيل حاصرت مصر من الجنوب بسد النهضة ومن الغرب انقسامات سياسية داخل ليبيا يقودها الدبيبة ليستمر في إدارة ليبيا لأطول فترة بدعم أمريكي وفي الشرق غزة هذا بجانب حزمة من الضغوطات الاقتصادية التي تمر بها مصر.

أمريكا

أما أمريكا فهي ما زالت المعادلة الرقمية الأكبر ولكن هذه المعادلة يستمر تأثيرها في أمرين هو خروج إسرائيل منتصرة يصحب هذا الانتصار زفة إعلامية غير مسبوقة في العالم وهذا رهان خاصر لأن حتي هذه اللحظة وبالرغم من التفوق التسليحي والدعم الغربي لإسرائيل إلا أن إسرائيل كل يوم يمر عليها ولم تستطيع إنقاذ رهائنها فهي مهزومة بامتياز، في نفس الوقت صعد الشارع الأمريكي معبراً عن غضبه بسبب القتل الممنهج الذي تدعمه أمريكا دعماً مطلاقاً في إبادة شعب غزة التي صنفت علي أنها اكبر سجن مفتوح في العالم وحصار إسرائيلي لشعبها وهو ما جعل عملية طوفان الأقصى أشبه بالعمليات الانتحارية لكسر الحصار من ناحية وجعل معاناة شعب فلسطين محل اهتمام العالم، كما أن بايدن سيكون في مواجهة مع الشعب الأمريكي في نوفمبر من العام القادم وهو موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا بجانب الخطيئة الكبرى وهي الحرب الروسية الأوكرانية التي حطمت الاقتصاديات الهاشة لدول كثيرة في المنطقة العربية في إطار قتل اقتصادي ممنهج ضغطت علي اقتصاديات دول العالم.

الفائزون

المقاومة الفلسطينية 

قبل حرب طوفان الأقصى صنفت المقاومة الفلسطينية على أنها تنظيمات إرهابية وتم إدراجها على قوائم الإرهاب ومنها حركة حماس وجيش الجهاد والقسام، ولكن بعد طوفان الأقصى أي السابع من أكتوبر الماضي تغيرت المعادلة وفقا. للواقع العسكري بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال وصار الشارع العربي والدولي يري في حماس والقسام رمز الصمود والمقاومة ضد جيش الاحتلال ومع قسوة ورد فعل إسرائيل في غزة عسكرياً – التف العالم بدعم حماس في حربها ضد إسرائيل وضاعت كل مجهودات إسرائيل وأمريكا في إقناع العالم بأن حماس منظمة إرهابية وصارا يحيي السوار قائد حركة حماس رمز للصمود والتحدي.

مصر 

تعد مصر الفائز الوحيد، فقد أسقطت المؤامرات لإسرائيلية بهدف تدمير البنية الاجتماعية للشارع المصري بعد حرب ١٩٧٣ حتى السابع من أكتوبر الماضي، فقد استيقظت إسرائيل علي حضور شعبي مصري طاغي ويعلو علي مواقع التواصل الاجتماعي وأصيبت إسرائيل بخيبة امل وقتها – لأنها أنفقت مليارات لتدمير البنية الاجتماعية لمصر من إغراقها بالمخدرات – وتهميش دورها الثقافي في المنطقة واستبداله بالثقافة الخليجية الجديدة التي لا تحمل أي معالم تاريخية ولا يمكن أن يكون لها تأثير، علي الرغم من إغراق مصر بالفوضى والفقر، فقد سقطت مخططات إسرائيل واستيقظت علي وعي وحضور سياسي للمصريين غير مسبوق مع عمليات طوفان الأقصى.